الأبواب في الثقافة العربية :أبواب آزمور

2016-02-03T22:44:11+00:00
أزموراقلام حرةصوت و صورة
3 فبراير 2016آخر تحديث : الأربعاء 3 فبراير 2016 - 10:44 مساءً
الأبواب في الثقافة العربية :أبواب آزمور

12647691_10207521346624908_507203758_n

بقلم الدكتور:عبدالفتاح الفاقيد

1 ـ إضاءات عامة:

لا بأس من التذكير، بداية، أن مسالة اهتمامنا بالأبواب ليس من قبيل الاعتباط بقدر ما يستمد أصالته من خلفيات ثقافية ودينية وحضارية تؤسس في كليتها  لمكانة الباب داخل الثقافة العربية الإسلامية، و يحضر الباب في الثقافة المغربية بشكل خاص، إذ يكثر في تداولنا  الحديث عن أبواب الرزق؛ وأبواب الخير؛ وأبواب المحبة؛ وأبواب الشر؛ وأبواب الربح؛ وأبواب الفَرَج؛ وأبواب السماء؛ وأبواب الجنة؛ وأبواب جهنم (…).

هكذا يؤسس الباب في المخيال العربي والإسلامي نسقا قيميا متكاملا    فهو ليس  مجرد فاصل وفقط، بل هو رمز ثقافي وحضاري مشبع بالعديد من الدلالات والإيحاءات، فهو رمز للشرف والعرض والكرامة والانتصار.إذ يدل تسليم مفاتيح أبواب المدينة على انهزامها واستسلامها، الباب رمز للرجولة والقوة و حسن التربية، فالرجل المسيطر القوي هو الذي لا تتجاوز بناته باب البيت، وكل من سعى إلى الزواج لابد أن يكون دخوله من الباب.

هكذا يؤسس الباب في المخيال العربي والإسلامي نسقا قيميا متكاملا،  في الأمثال الشعبية منها على سبيل الذكر لا الحصر: ” الباب لي يجيك منو الريح سدو واستريح”، ” سد عليك باب دارك ما يجيب حد أخبارك”، ” ما يسد الله باب حتى يفتح أبواب” (…). كما نجد حضورا وازنا للباب في العديد من القصص والحكايات الأسطورية المغربية والعالمية على حد سواء.

2 ـ تاريخ الأبواب:

فرضت المتغيرات التاريخية والتطورات العمرانية سنن الاستقرار والاستقلال، وسعى الإنسان إلى التفرد داخل الجماعة، حفاظا على العلاقة الحميمة لنواة الأسرة وتحقيقا للسكنية والحرية، باعتبارها من أهم ضروريات  الحياة. لذلك جاءت فكرة “الباب” للفصل بين عالم الداخل والخارج وترسيم حدود تلك السرية المطلوبة والاستقلالية المفترضة.

بيد إن اقتران العمران بالتطور الصناعي والحرفي وبالهندسة خصوصا، جعل “الباب” يرتبط  بالمحددات الاجتماعية والاقتصادية والجمالية وهي العناصر التكوينية للهوية، وإن كانت هوية قائمة على التلاقح بين هويات متعددة، تلاقح تترجمه بنية الأبواب في تشكيلاتها وزخارفها ونقوشها.

ولا يختلف تاريخ الأبواب داخل حاضرة آزمور، عن النسق التاريخي لباقي الأبواب المغربية، إذ نجد المدينة العتيقة محاطة بالأسوار البرتغالية وتتخللها  أربعة أبواب هي: الباب الفوقاني، باب المخزن، باب سيد المخفي، باب الملاح، أبواب فرضتها السياسة الأمنية البرتغالية.  لكن صروف الدهر جعلت تلك الأبواب تختفي وتتحول إلى مجرد مداخل مشرعة للمدينة.

3 ـ البعد الوظيفي والاستيطيقي للأبواب:

داخل المدينة العتيقة تمتد العديد من الأبواب بأشكالها وموادها المختلفة وتصاميمها الموحدة، التي تشهد على ازدهار الصناعة التقليدية بالمدينة وكذا تطور فن الزخرفة وتسمى في معجم النجارة “الخراطة”. وغالبا ما تكون الأبواب موشومة بالعديد من الأيقونات والرموز  والعلامات الثقافية، التي  تسهم في تشييد النسق الفكري لبنية المجتمع الآزموري ، وهي من جهة ثانية، مرآة عاكسة  للاختلاف الاجتماعي والطبقي،ودالة أيضا، على التنوع الإثني والديني داخل التجمعات السكنية.

الجدير بالذكر، أن مادة الخشب كانت المادة الأثيرة والأولى في صناعة الأبواب: ( خشب العرعار؛ السواك؛ الجوز؛ السنديان، الليمون…). وتخضع صناعة الأبواب لشكل هندسي يشبه الدمى الروسية، فالباب الإطار يكون دائم الإغلاق ولا يفتح إلا في المناسبات أو لإدخال الأمتعة أو إخراج الجنازة، وتتوسطه “دقاقة”  دائرية الشكل ، أما “دقاقة” الباب الوظيفي فغالبا ما تكون في شكل “خميسة”، وتصنع “الدقاقة” من النحاس الصافي أو الحديد، تبعا للاختلاف الاجتماعي، ويكون الهدف منها دفع العين ورد كيد الحاسدين.

تخضع الأبواب للتزيين حيث تحمل أشكالا متنوعة من الزخارف والنقوش المرصعة بالمسامير النحاسية، وتعلو إطارات الأبواب المشربيات، يطلق عليها “أم شرابي”، وهي عبارة عن شبابيك من الأرابيسك لإدخال الضوء والهواء.  أما عملية الإغلاق والفتح فيتحكم فيها “الزكروم” “الساقطة” و”القفل الفرنسي” صاحب المفاتيح العملاقة.

تختلف أبواب المسلمين عن أبواب اليهود بالنجمة السداسية التي تعلو الإطار.  وغالبا ما تكون أبوابهم ضيقة وصغيرة الحجم، كما تختلف أبواب دور الأعيان بأحجامها الكبيرة وأشكالها الدائرية والمقببة ونوع أخشابها، فباب الغني يكون بمصراعين “أبواب الرتاج”. ويكون منمقا بالزخارف والنقوش التي يتداخل فيها الطابعين الآزموري والفاسي. أما الأبواب الداخلية فتكون في شكل “رتاجات”  وتأخذ “ضبة” الباب شكلا دائريا يشبه “الصْفيحة” دفعا للعين.

4 ـ على سبيل الختم:

لا يمكن اعتبار الباب مجرد فاصل بين عالمين، فهو تشكيلة هجينة من المحددات التاريخية والنفسية والحضارية التي جعلته رمزا ثقافيا وإرثا فكريا، خاصة في خضم المتغيرات الحضارية والعمرانية التي حولت الباب إلى مجرد حاجز وفاصل بدون هوية تاريخية أو رمزية. وإن كانت طائفة أخرى تستنخ النماذج التاريخية على سبيل التزيين.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!