وداعا يا زعيم حزب ثورة الصناديق!”: قراءة في الخطاب “الأخير” لبنكيران بالوليدية”

2017-03-27T23:09:20+01:00
اقلام حرةسياسة
26 مارس 2017آخر تحديث : الإثنين 27 مارس 2017 - 11:09 مساءً
وداعا يا زعيم حزب ثورة الصناديق!”: قراءة في الخطاب “الأخير” لبنكيران بالوليدية”

ازمور انفو24 بقلم ذ. محمد معروف، أستاذ بجامعة شعيب الدكالي
يعاني حزب العدالة والتنمية أزمة تصور سياسي، نظرا لتمسكه منذ ولوجه عالم السياسة بثوابت اللعبة السياسية الموضوعة من طرف النظام السياسي القائم، و عدم مقامرته من موقع الفائز في الانتخابات بالصدام بمكونات الدولة العميقة أو ما يعرف بالمخزن، إذ اكتفى بالتقوقع في أطروحة الإصلاح من داخل المنظومة التي يعتبرها “فاسدة” و التدرج في المطالبة بالتغيير، لهذا تجد سقف مطالب الحزب جد متواضعة لا تطالب بفصل السلط التشريعية والتنفيذية، ولا تتحدث عن عمق في الإصلاحات الدستورية المطلوبة، بل يقتصر عمل الحزب و خطابه على التنشيط السياسي و المشاركة من أجل صيانة المال العام و محاربة المفسدين، لكن من هم يا ترى هؤلاء المفسدون؟ هل هم العفاريت والتماسيح؟ وكيف ستتم محاربتهم؟ هل بتضخم ألفاظ و خبطات لسان عشواء؟

لقد ركب حزب المصباح موجة الحراك الشعبي بالرغم من عدم نزوله إلى الشارع و إفراط أمينه العام في التشكيك في نوايا المطالب الشعبية، وركز الحزب خلال حملته الانتخابية سنة 2011 على رفع شعار “صوتنا فرصتنا ضد الفساد والاستبداد”، لكن عند وصوله إلى مركز القرار، أصابه فتور، و بدأ يتراجع شيئا فشيئا عن عهوده الهلامية خلال الانتخابات، إن لم نقل نكَثَها، حيث تبخرت كلمة استبداد من قاموسه السياسي، كما أن مفهوم محاربة الفساد تلاشى أمام واقع اقتصاد الريع الذي يعيشه المغرب، و تقاطرت العديد من الأسئلة في هذا السياق: كيف سيواجه الزعيم الطهراني المستفيدين الكبار أو الحيتان الكبيرة و الدعامات الأساسية للاستبداد السياسي الذين يستفيدون من المأذونيات و التراخيص الاقتصادية لاستغلال المقالع والصيد في أعالي البحار…هل محاربة الريع تكمن في محاربة “فُتات الريع”؟ لماذا غض الزعيم الطرف عن قلاع الريع المحصنة و تركها على حالها، ليهاجم العفاريت والتماسيح لفظيا و خطابيا، كأنه في جلسة علاج تقليدي لصرع الجن؟ كيف يستطيع رئيس حكومة محاربة الفساد بتضخمات خطابية مجوفة موجهة فقط لأغراض دعائية ديماغوجية في سوق المزايدة الانتخابية؟

يقول رشيد شريت في مقاله حول هلامية شعار محاربة الفساد (وجهة نظر العدد 54/ 2012) بأن السيد بنكيران أعلن بصفة مبكرة انهزامه مبررا التطبيع مع الفساد بتوظيف نصوص قرآنية حين قال في برنامج على الهواء على قناة الجزيرة سنة 2012 “عفا الله عما سلف”، و هكذا خلال بدايات صٓولاته الفحولية، عملت الدولة العميقة على إخصاء طقوسي لزعيم حزب ثورة الصناديق منذ الوهلة الأولى، لما عجز حزبه أمام إلحاح الجماهير عن تحقيق مطلب شعبي بسيط، تجلى في الكشف عن الراتب الشهري للناخب الوطني غريتس إثر إخفاقاته في تحقيق نتائج إيجابية في إقصائيات كأس إفريقيا، وتوالت اللكمات واحدة تلو الأخرى لتقزيم حجم الزعيم و إرجاعه إلى وضعه الطبيعي، لكن الأمين العام ظل يحلم بالسلطة ويتغنى بتحقيق إصلاحات وهمية سوف يثبت التاريخ قريبا بأنها قرارات سياسية خاطئة، وربما بنيت على معطيات خاطئة منذ البداية.

و نخص بالذكر الإجراءات التي اتخذتها حكومة بنكيران فيما يتعلق بإصلاح صندوق المقاصة وصناديق التقاعد، و على ذكر إصلاح نظام التقاعد، ألا يعتبر حل رفع الاشتراكات في نظام التقاعد بمعدل 4%، في ظرف اقتصادي واجتماعي دقيق يمر به المغرب، ضربة موجعة للقدرة الشرائية للمواطن؟ فبدلا من هذا كان من الأجدر الرفع من الأجور وتشجيع الاستهلاك، وتنشيط الاقتصاد. ألا توجد سياسة استثمارية لهذا الصندوق؟ كيف لشركات تحقق أرباحا خيالية، والصندوق يعول على المنخرطين لإنقاذ عجزه المالي؟ ماذا عن استثماراته الداخلية والخارجية ؟ كيف لا يستطيع الصندوق تنويع محفظته الاستثمارية؟ ألا يعتبر الاستثمار العقلاني السليم في اتجاهات متعددة مزودا رئيساً لمداخيل الصندوق، قد يقيه من الكساد المالي؟ لماذا لم تقم الحكومة بإنشاء صندوق احتياطي مستقل لتغطية نظام التقاعد وحمايته، حيث يمكن استعماله بوصفه صمام أمان في حال حدوث عجز في الصندوق؟ و لماذا لا يتم إدماج نظام التأمينات في نظام التقاعد، و إلغاء التقاعد المبكر بصفة نهائية كما هو الحال في عدد من الدول الأوروبية؟ و لماذا ينتهي كلام الزعيم عند إثارة قضية المعاشات الريعية كمعاشات البرلمانيين والوزراء مثلاً؟

و بالرغم من مآزق البلقنة السياسية التي تسببت في فرملة زحف الحزب و احتباس طموحاته في إنشاء تحالفات حزبية قوية عقب الانتخابات الأخيرة، ظل أمينه العام حتى أعفي من مهام تشكيل الحكومة يردد خطابا متضخما يرسم فيه لنفسه صورة الزعيم الكريزماتي صاحب الفضل في الانتصار التاريخي الذي امتص غضب الشارع، و أنقذ الدولة من رياح شعبية هوجاء كادت أن تعصف بنظامها السياسي، وهكذا ظل يطوف أنحاء المغرب يتغنى بقدرته على ضمان استقرار الملكية، و آخر إشارة قوية أرسل بها إلى القصر، كانت من قلب دكالة في منطقة الوليدية التي ستشهد تاريخيا على سقوط زعيم حزب ثورة الصناديق، إذ مباشرة بعد هذا الخطاب التاريخي “الأخير”، تلقى السيد بنكيران نبأ إعفاءه من مهامه، فهل عجل هذا الخطاب برحيل الزعيم؟ هل تجاوز بنكيران خطوطا حمراء في خطابه الأخير بمدينة الوليدية يوم 11 مارس 2017؟ ما هي المجازفة الطائشة لبنكيران في هذا الخطاب؟

في كلمته بمدينة الوليدية يوم السبت 11 مارس 2017، استهل الزعيم الطهراني حديثه عن محاربة الفساد بخطاب دعائي هلامي لا يتوفر على ترسيمة واضحة لإحداث قطيعة مع وثاقة الريع و اقتلاعه من جذوره، ثم الانتقال بالمجتمع إلى اقتصاد إنتاجي يرمي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية. على عكس ذلك، فاضت قريحة الخطيب باستعارة شعبية للإصلاح، تتمثل في إصلاح البنية التحتية للمنازل من كهرباء وماء وسقوف، وهذه الاستعارة في حقيقة الأمر جد مبتذلة ومليئة بالمغالطات، لأنها لا تعكس حجم الصراع و قوته بين حيتان الريع و نوايا المصلح المتسامح الذي تم إخصائه في أول امتحان تجريبي حول راتب غريتس. هل إصلاح الإدارة يشبه إصلاح البيوت والمنازل يا زعيم ثورة الصناديق؟ كيف و الإدارة تعج بالعفاريت والتماسيح؟ ما هي ملفات الفساد التي فتحت ضد الحيتان الكبيرة؟ و من المفارقات العجيبة في خطاب زعيم حزب ثورة الصناديق هو اختزاله لحلاوة الحياة و رغد العيش في تحصيل الجبايات والضرائب، إذ يعتبرها وصفة سحرية للرفع من الاستثمار و إنعاش سوق الشغل؟ متى أصبح تسيير المرافق العمومية تنجيما اقتصاديا يستطيع إنقاذ الاقتصاد الوطني؟ تحدث السيد بنكيران عن إصلاح العلاقة بين الإدارة والمواطن في إشارة إلى تحصيل الضرائب من القطاع الخاص، لكن ظل خطابه يعاني من ضبابية الرؤية للإصلاح المزمع تنفيذه.

قد يتشوق القارئ لمعرفة الأخطاء القاتلة التي قادت السيد بنكيران إلى انتحار سياسي في خطابه الأخير بالوليدية، هذا الخطاب الذي عجل بصدور بلاغ الديوان الملكي الصادر في 15 مارس، يعفي رئيس الحكومة المعين من مهامه. قام السيد بنكيران بإرسال ثلاث رسائل غير مقبولة في البروتوكول والمعاملات السياسية بالمغرب.

منذ عهد الملك السابق، و الملكية تحظى بمكانة متميزة في العالم السياسي تجعلها فوق أي تدافع حزبي أو مسائلات انتخابية ضيقة، لكن زعيم حزب المصباح أبى ضدا فيما صرح به الحسن الثاني سابقا إلا أن يقحم الملكية في الصراع السياسي على مستوى الخطاب، وهذا ما ترفضه المؤسسة بشكل قاطع، لأن الملك الحسن الثاني كان صريحا بخصوص هذه النقطة، حيث قال ما مفاده: أرفض أن أُقحم أو تُقحم المؤسسة الملكية في المعادلة السياسية، إذن كيف يجرؤ السيد بنكيران على إقحام الملك في تفاصيل العمل السياسي، إذ قال بصريح العبارة: “لا تسألونني أسئلة لا أستطيع الإجابة عليها، لأنني لا أمارس الحكم، ولكنني أساعد الملك في الحكم، فأنا منتخب كسائر المنتخبين أقوم بمساعدة الملك في إدارة شؤون البلاد، لهذا فالإصلاح الذي أقوم به هو قدر المستطاع.” ماذا يعني هذا الكلام؟ و لماذا يصدر في هذا التوقيت بالذات؟ و لماذا لمح في مناسبات عدة بإمكانية نهاية مهمته؟ ألا يحمل هذا الكلام في طياته مساءلة ضمنية للمؤسسة الملكية على تدبدب وتيرة الإصلاح، كما قد يُعتبر تملصا من المساءلة البرلمانية والتنفيذية والقضائية؟ كيف يصرح السيد بنكيران بعدم مسؤوليته على إدارة الحكومة بعد مضي سنوات في منصب الرئاسة؟

في الحقيقة، إن السيد بنكيران كثير الثرثرة عن قدرته على الحفاظ على الملكية، و عاود الكلام نفسه في هذا الخطاب الأخير، وكأنه يفضح قلقه العميق و عدم ارتياحه لتدخل الأجهزة المخزنية في العمل السياسي، و الكل يتذكر ما حدث من هرولة قادة الحزب للإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات قبل أن تقوم بذلك وزارة الداخلية، مما دفع وزير الداخلية آنذاك أن يعتبر هذا السلوك تشكيكا في الإرادة الملكية في الحفاظ على المسار الديمقراطي بالمغرب. لماذا يكرر السيد بنكيران في كل مناسبة أنه يتشبث بالحفاظ على الملكية والالتفاف حولها، وكأن النظام في خطر، يحتاج لزعيم حزب ثورة الصناديق لإنقاذه، ما هذا الهراء؟ ما هذا الهذيان؟ ثم أقام المتحدث حجاجه على شهادات صادمة لمواطنين كادحين و آخرين أثرياء خائفين من المجهول السياسي، إذ يفكرون في الرحيل…هل هذه لغة التفاؤل و الإصلاح يا زعيم المصابيح؟

إن الخطأ الثاني الذي ارتكبه بنكيران في خطاب الوداع هو شرعنة المرجعية الإسلامية للحزب و مهاجمة خصوم المرجعية الإسلاموية بإقحام إمارة المؤمنين على سبيل المقارنة في نقاش حزبي، حيث أكد على أن الملك زار إفريقيا بوصفه أميرا للمؤمنين وليس بوصفه ملكا للمغرب، و أكد أنه على هذا الأساس تستقبله الشعوب؟ فما الغرض يا ترى من إقحام السلطة الدينية للملك في النقاش؟ هل يريد أن يقول لنا السيد بنكيران، لماذا تجادلون الحزب في مرجعيته، و المؤسسة الملكية قائمة على شرعية دينية؟ ما هذا الخلط بين مؤسسة سيادية ورمزية لوحدة البلاد تجمع بين سلط متعددة وتنشر مذهبا مالكيا التفت حوله الأمة، ومؤسسة حزبية منتخبة قصد تسيير شؤون المرافق العمومية، يبدو أنها تتنافس هي الأخرى و تسعى جاهدة إلى السيطرة على الحقل الديني الاجتماعي، فما علاقة الحزب أصلا بالتدين و الدعوة إلى سلفية ابن تيمية على وجه الخصوص؟ هل سنسير الوزارات والأقاليم بالمذاهب الفقهية؟ أليست هذه أزمة هوية سياسية يعيشها الحزب؟ هل هو هيئة دعوية أم حزبا سياسيا؟ مادام الحزب يأوي المتمذهبين والمتأسلمين، و يقصي الاتجاهات اليسارية و الليبرالية و العلمانية من الانضمام إليه، فهل يعتبر هذا حزبا سياسيا؟

و بعد الخطأ الثاني، ارتكب بنكيران خطأ ثالثا لا إراديا لما انفعل في خطابه حول من يشكك في مرجعية حزبه الإسلاموية/ الإسلامية، فثار قائلا: ” كاين المسلمين و كاين اليهود!”، و كأنه يلمح إلى أن من يتنكر لهويته الإسلامية في المغرب، سوف يحشر في زمرة اليهود؟ ثم أردف قائلا بأنه لا يعترف إلا بالمسلمين، و لما انتبه إلى عثرة لسانه، حاول تدارك خطأه بالحديث عن احترام المغاربة لشريعة اليهود وثقافتهم. ماذا دهاك يا أخي حتى تسافر مسافات بعيدة تبحث عن مشجب تعلق عليه أخطاء أبناء جلدتك؟ لماذا تضع اليهودي في ثنائية الخير والشر، و تنعت اليهودي ضمنيا بقبيح الصفات؟ ما الفرق بينك وبين الرجل العادي الذي يمتح من المتخيل الشعبي لسب أو قذف أخيه المسلم عبر تشبيهه باليهودي؟ هذا الكلام ليس مقبولا حتى من رجل عادي، فكيف سنقبله من رئيس حكومة تربطه علاقة مصالح مع أوروبا وأمريكا، ناهيك عن العلاقة المتدبدبة مع دولة إسرائيل. كيف تنزلق أيها المسلم المتسامح في إقحام مجاني لليهود في استقطاب ثنائي بين المسلم النقي و اليهودي “الخبيث”؟

و تنضاف كبوة إقحام اليهود في نقاش سياسي خارج السياق إلى سقطة أخرى، حين أشار الزعيم إلى أصل الدكتور الخطيب المؤسس لحزب المصباح بأنه ينحدر من الجزائر، لماذا هذا التفصيل في هوية الرجل في تجمع خطابي أمام مجتمع قروي؟ ماذا ستفيد هذه المعلومة سكان الوليدية؟ كان عليك أن تكتفي بوصفه “الجديدي الشرس”، ثم انتهى الكلام؟

بالرغم من الانزلاقات و المغامرات الكلامية التي يخوضها زعيم حزب المصباح، سيشهد له التاريخ مستقبلا أنه استطاع بخطابه الشعبوي أن يدخل بيوت الفقراء والطبقات الكادحة التي اهتمت بمساره و معاركه الخطابية ضد العفاريت والتماسيح، إذ استطاع بنكيران أن ينقل التدافع والنقاش السياسي من صالونات النخب و قاعات اجتماعاتها المقفلة إلى الأسواق والساحات العمومية، حيث أصبح الشباب يتحدثون عن بنكيران و أزمة تشكيل الحكومة، كما ساهم ظهوره في الساحة في انتقال الخطاب السياسي من وسائل الإعلام العالمة إلى و سائل التواصل الاجتماعي مع فارق التعديل والتحوير و السخرية و إبداء الرأي، وهذه ظاهرة صحية تقي المجتمع من الاحتقان الاجتماعي، و تعتبر خطوة رائدة في توسيع رقعة الوعي السياسي بين ثنايا المجتمع المغربي. سيظل المغرب يتذكر زعيما سياسيا وصلت شكاويه وآهاته حتى قرى الجبال النائية، تحدث من خلالها عن معركة وهمية خالدة ضد الفساد والمفسدين.

تظل البرامج الإصلاحية الغائب الأكبر في سياسة حزب المصباح، إذ عبّر قادة البيجيدي في أكثر من مناسبة بكل صراحة عن عدم وجود برنامج متكامل في القطاعات التي يعتزمون إصلاحها، مما أدى ببنكيران أن يدافع عن موقفه هذا أمام لشكر قائلا: “تلزمني دكتوراه للإجابة عن أسئلتك!”و اختصر برنامجه الحكومي أثناء خطابه في الوليدية في عبارة تاريخية : “راسي عامر بداكشي للي خاصو يدار”، بمعنى أن البرامج الحكومية قد تخضع لأمزجة السياسيين و قدرتهم على الارتجال المناسب في الوقت المناسب، ثم ختم خطابه بحث الشباب على الزواج المبكر، معللا كلامه بأن الرزق منحة من الله، و هذا بالمعنى الماركسي يعتبر ريعا إلهيا يرزقه لمن يشاء؟ أبهذا المنطق سوف نحارب اقتصاد الريع؟ أليس هذا زواج ريعي وحرث عشوائي للنساء؟ ثم يأتي بعد هذا الزعيم المُقال الدكتور العثماني في أول تصريح له للصحافة بعد التكليف بمهمة تشكيل الحكومة ليقول: “احترموا دهشتي!”، كما أكد لنا أنه لا يدري مع من سيتشاور وكيف. سنحترم دهشتك، ولن نعلق على كلامك، لكن نوجه لك سؤالا يتيما في هذا السياق: ألا يجب أن تعتمد المشاورات السياسية على البرنامج السياسي للحزب الفائز؟ أليس البرنامج هو المحدد المحوري لبناء التحالفات المستقبلية؟
لم يكل زعيم حزب ثورة الصناديق و لم يمل من ترديد شرعية 125 مقعد في الانتخابات الأخيرة، و بأنه احتل المرتبة الأولى، و بأنه “الحزب المختار” في المغرب، لكن هذا الخطاب المتضخم يتجاهل البلقنة السياسية التي نشأ فيها الحزب نفسه، و بينما كان يطمح فقط في انتزاع مشروعية المشاركة السياسية في بداياته، أصبح يتجاهل اليوم السياق السيوسيو اقتصادي الذي نشأ بين أكنافه، ولازال يمارس العمل السياسي بين ثناياه، و في هذا الصدد، نضع السؤال التالي: هل توجد شرعية وحيدة في الممارسة السياسية بالمغرب؟ ماذا عن الشرعية التاريخية للنظام؟ ماذا عن شرعية المقاطعة/العزوف عن الانتخابات، فشريحة واسعة لم تضع ثقتها في أي من اللاعبين السياسيين؟ و تتناسل الأسئلة حول الشرعيات بالساحة السياسية في المغرب.

إن حزب العدالة والتنمية تشكل في لحظة الهيمنة السياسية المطلقة للنظام، لهذا ظل حبيس لحظة ولادته نظرا لمعاناته مع النظام بوصفه حركة دعوية تبحث عن إطار قانوني لانتزاع مشروعية سياسية (انظر مقال رشيد شريت). و هكذا شكل الحزب منذ ولادته ملاذا يتيما لمناضليه الذين يدركون جيدا أن أي تمزق في صفوفه أو حدوث استقالات محتملة، قد تشرد مناضليه و تعرض مستقبلهم للضياع السياسي، فمن سيقبل بمناضلي البيجيدي في حزب غير العدالة والتنمية؟ لهذا فالخيارات المطروحة حاليا على الحزب هو التمسك بمهادنة النظام، و تفادي ضربات موجعة قد تؤدي إلى انشقاقات داخل الحزب وربما تشتت صفوفه، بالإضافة إلى حتمية تاريخية تحتم عليه الانفتاح على الاتجاهات الإيديولوجية المختلفة سواء إسلاموية أو غير إسلاموية، حتى يبتعد تدريجيا عن المسار الدعوي، و لا يتحول مع مرور الزمن إلى خزان يهدد السلم الاجتماعي، أو بالأحرى إلى ملاذ للمتمذهبين المتعصبين الذين ترفضهم أحزاب أخرى. لقد حان الوقت أن يراجع الحزب مرجعيته السلفية و يبتعد عن إسلام السوق، بمعنى تسليع العقيدة و تحقيق مكتسبات سياسية بفضل المتاجرة فيها أثناء الانتخابات، كما يجب على الحزب تطوير الخطاب السياسي بمنهجية حداثية تؤمن بالبحث والعلم والدراسات الأكاديمية والإحصائيات و المقاربات السياسية في التحليل مع الابتعاد عن الحجاج القرآني والأحاديث النبوية و تسليع الدين، أما إقحام الملكية والزج بها في الصراع بين الأحزاب، هذا يعد من الغباء السياسي المؤدي للانتحار.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!