عشق الخيال والوهم

29 ديسمبر 2013آخر تحديث : الإثنين 30 ديسمبر 2013 - 12:36 صباحًا
عشق الخيال والوهم
في شعر خديجة العلام
 وجدان عبدالعزيز …
كان الجو خارج زجاج نافذتي تشوبه غيوم حبلى بالمطر ، كنت أراقب تلك الغيوم وهي تنسحب على خطوط زرقة السماء بطيئة وثقيلة ، كان صمتي ثقيلا وهو يتملق امرأة تحمل الكثير من جمالها الداخلي : طيبة ورقة تشبه الى حدما تلك الغيمة الزاحفة الحبلى بمولود المطر إلا أن الحب قبل كل شيء آخر أمطرني باقة ورد أزاحت عن كاهلي تلك الحالة التي حاصرتني كثيرا أي حالة اليأس من انتظاري والمطر الموعود ، حتى وجدت نفسي أمام أشعار الشاعرة المغربية خديجة العلام ، وهي تنفذ رسوماتها من خلال اللغة لأفكار وهواجس حاصرتها هي الأخرى ، فبدأت تنفذ أفكارها وتحاول إيصالها للآخر من خلال قصائد (يعاكسني إلهامي ، وحيرني السؤال ، وكلماتي .. رقيقة الهمسات) ثم أنها تتلو كتاب العشق (فوق النبيذ) وحينما نظرت بعمق لهذه القصائد تمثلت بقول المفكر الكبير غوته حيث قال : (ان المؤلف الذي تحتاج قراءته إلى معجم لايساوي شيئا) ، لهذا وجدت الشاعرة تتعامل مع الكلمات بتلقائية وعفوية إضافة إلى تعاملها بحب وحنان متناهين لهذه الكلمات وكأني بها تمازحها بالفة جعل كلماتها سهلة ، ولكنها تحمل المعاني وتحمل الأفكار التي تحاول إيصالها إلى الآخر مما تطلب مني كمتلقي ان احمل معرفة ما تتداخل مع الحكم النقدي الذي احاول من خلاله اظهار القيمة الفنية والجمالية لنصوص هذه الشاعرة حيث تقول : (اخطف ثوب الكفن إذ مررت بالمقابر ألقي تحية على ضحاياك من مات عشقا لرحيقك وأرفع كل نساءك إل السماء أجلس أنتظر وصولهن متساقطات كعناقيد العنب) وهكذا تكشف بطريقة شعرية شفافة عن تناقضات الإنسان وضعفه سواء كانت صادرة من الرجل او المرأة وموقف الشاعرة كان القلق تجاه تصرفات الآخر ، حتى دفعها قلقها ان تكون يسوع ينشر دينه ويحرم على الآخرين أديانهم ومذاهبهم وهذا التوتر والقلق انتابها ، حتى جعلها تستنجد بأمها التي تمثل لها التجربة الحياتية والدرس التربوي ومدى تعلقها بتجربة وتوجيهات الأم … تقول : (قد تنفست الآهات وشربت الخمر كالماجنات استيقظي يا أمي من سباتك زرعت ما حملتني وزره من أحقاد في أشرعة المدينة المتمايلة جلست على عرشي كالملكة أتأمل أوحالي وموج يردد صدى أفعالي نجمة أنا اختبئ وراء الغمام في حضن القمر أرقد ويظل صوت الفجر في أذني يعزف إني كنت للعار مسربلة وبركان يغسل رماده وجه المدينة الحزينة) وكشفت هنا مدى احترابها للقبح الذي تفرضه الدوال الاجتماعية وأخطاء النفس الإنسانية ، بيد أن الشاعرة بما تحمل من جمال الروح وبهجة الجسد الضاج بالرغبات الجميلة ، تتطلع بصبر وأناة إلى الفجر (ويظل صوت الفجر في أذني يعزف) ، حيث قدمت الفجر بصورة شعرية جمالية ، وهي تكسر جدار انتظاراتها .. في ان الإنسان جميل كما خلقه ربه ، ولابد ان يحافظ على هذا الجمال بالسلوك الأخلاقي والتعامل الراقي ، كي يكون بركة ساعة تفجرها تغسل كل الأشياء القبيحة ، حتى تدخل الشاعرة العلام عالم الأسئلة وان الحياة والكون والأشياء ، ماهي آلا عبارة عن أسئلة وجودية غايتها سبر اغوار الحياة بصفاتها اللامرئية كالحب مثلا تقول : (سألتني ابنتي بعيون مثقلة ما الحب يا أماه؟ أطبخة؟ أم كعكة لعيد نسيناه؟ من السؤال اهتزت مشاعري وتاهت كلماتي أ برد صفعني ؟ أم هي شيخوخة زماني؟) وسؤال الابنة زاد من قلق الشاعرة تجاه اوجه الحياة الجميلة ووجهها الأجمل وهو الحب وفي يقينها ، وهي تحمل إحساسا جميلا عنه ، يعني ان الحب نقاء يسكن الأعماق فيحركها باتجاه الجمال ، وها هي تدخل تزيح النقاب عن قلبها وتتطلع باهتمام ،وتبقى في ذروة القلق نتيجة تكرر الاسئلة وتوالدها ، حيث كانت الاسئلة تثير العلاقة بين الام والابنة ، وكأن الموضوع هومثار العلاقة بين جيلين ، فهناك صور من الحياة الثابتة تنتقل من جيل لاخر ، بينما هناك صور متغيرة تتعلق بظروف البيئة وسبل تطور الحضارة وغير ذلك والشاعرة تركز على صور الحياة المشتركة بين الناس وسبل الحفاظ عليها بردائها الجميل ، لذا فان الشعر هو بحث جمالي يركب ظهر اللغة كمهرة نحاول تمرينها باتجاه الوصول الى الطرف الثاني من رسالة الشعر وهو المتلقي أو الآخر ، وحينما تبقى تتلو كتاب العشق وتتصوف فيه حد قول الحكمة تركز في قصيدتها (فوق النبيذ) على الحلم وهو مركب جميع الشعراء وخصب خيالهم في كسر شوكة الوقت والمكوث في طريق البحث عن الحب والسفر من خلال قصيدة (وكلماتي .. رقيقة الهمسات) ، وهي خائفة تتوجس الموت وتقف في محراب مولد النور تقول : (فالموت الزؤام يتبعني لا يترك نبضي يخرج أنفاسه في الهواء قنديلي خافت الضوء يشهد مخاض الليل يولد النور في السكينة وكلماتي رقيقة الهمسات سيدة الغزوات تنساب مع العروق الصامدة تنفث عطرها بين الوادي وأشرعة المدينة وتصرخ انتظري أيتها المرأة الراقدة) فدائما الشاعرة تحمل نبوءة الجمال وترسم جنة عرضها الكلمات والمعاني واثمارها الحب والنقاء … تقول : (فالقطار يغزو العربية بهامته يصد الريح العاتية يخط في الأزلية البيضاء يرسم جنته لتصل إلى الميناء في لونين يانعين كلون السماء وأنا… مسافر أسحب البساط خلفي) وتعني حركة الحياة ومقالة الشعر كونه الناطق الرسمي عن إرهاصات ذاتها السائحة في جزر الألوان ، وبهذا فان الخطاب الأدبي والشعري يقول عنه ياكبسون انه يقوم (باستهداف الرسالة بوصفها رسالة والتركيز على الرسالة لحسابها الخاص هوما يطبع الوظيفة الشعرية للغة .. وليست الوظيفة الشعرية هي الوظيفة الوحيدة لفن اللغة ، بل هي فقط وظيفته المهيمنة والمحددة ، مع انه لاتلعب في الأنشطة الأخرى سوى دور تكميلي وعرضي ومن شأن هذه الوظيفة التي تبرز الجانب الملموس للدلائل والأشياء وبالإضافة الى ذلك لايمكن للسانيات وهي تعالج الوظيفة الشعرية ان تقتصر على الوظيفة الشعرية ، فخصوصيات الجناس الشعرية المختلفة تستلزم مساهمة الوظائف اللفظية الأخرى) . وقبل ان نختتم حديثنا عن قصائد خديجة العلام لايسعنا إلا آن نقول بانها قد استخدمت تقنيات القصيدة الحديثة كالمونولوج الدرامي والمرايا وما شابه ذلك ، وبهذا فإنها تحمل ثقافة وتحمل دراية في خلق أجواء القصيدة الحديثة وكانت حريصة كل الحرص ان تضيف في عالم الشعر حضورها المتميز . / كتاب (التلقي وشعر ما قبل الإسلام في النقد الحديث) د.حسنة محمد رحمة الساعدي / مؤسسة العهد الصادق الثقافية ط1 لسنة
رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!