ازمورانفو24:احمد لمشكح.
سلسلة مقالات
من بينهم ابا حماد الكلاوي والعيادي وعيسى بن عمر وآخرون
باشوات وقواد حكموا بدون عرش
تقديم عام
لم يكن بناء الدولة المغربية وتحديدا على عهد العلويين سهلا. فقد اشتعلت الفتن، ولم يكن لبعض السلاطين الذين تولوا الحكم ما يكفي من الدراية لتدبير الشأن العام. إضافة إلى أطماع الأجانب الذين بدأوا في اكتشاف عالم ما خلف البحار. وقتها كان لا بد أن تتشكل فئة من مساعدي السلاطين عرفت كيف تأخذ بزمام الأمور، وتتحول أحيانا إلى حكام هم بمثابة نواب للسلطان أو أكثر. إنهم الباشوات والقواد الذين عاث بعضهم فسادا، وامتلك البعض كل السلط بيده. حدث هذا قبل دخول المستعمر الفرنسي إلى المغرب، وخلال تواجده أيضا.
يذكر المغاربة أن من بين أشهر هؤلاء يوجد ابا حماد، الصدر الأعظم الذي حكم بدلا عن المولى عبد العزيز، ومحمد المقري والباشا الكلاوي والقائد العيادي والقائد عيسى به عمر الذي وثقت غزواته العيطة العبدية، وآخرون.
في هذه الفسحة نعيد تركيب بروفيلات عن هؤلاء الذين حكموا بدون عرش.
///////////////////////////////////////////////////////////
لم يكن القائد الكندافي يختلف في مساره عن بقية قواد الجنوب المغربي من أمثال التهامي الكلاوي أو شقيقه المدني الكلاوي أو العيادي والمتوكي وغيرهم. لقد اعتبر رجل الإستعمار الفرنسي الذي وجد فيه ضالته وراهن عليه لإخماذ غضب القبائل التي انتفضت ضد الوجود الفرنسي. هذه هي الصورة التي تداولتها بعض الدراسات التي تناولت مسيرة الرجل، وبعض وسائل الإعلام التي اشتغلت على موضوع قواد الإستعمار، قبل أن ينشر الطيب الكندافي كتابين أحدهما باللغة الفرنسية والثاني بالغة العربية يحاول دحض هذه الرواية، وتقديم ما اعتبره الصورة الحقيقية للقائد الكندافي. وهو الكتاب الذي سماه ” قائد من مغرب الأمس-الطيب الڭندافي”.
يقول الطيب الكندافي في الكتاب، إن العامة وبعض الخاصة روجوا أن الڭندافي، القائد والباشا، تواطأ مع سلطات الحماية الفرنسية، وكان أداة لتنفيذ سياستها الاستعمارية وعميلا تحالف معها. وهي صورة غير حقيقية، بحسب المؤلف، الذي قدم شهادات بعض المثقفين الفرنسيين الذي تناولوا سيرة القائد، خصوصا حول الظروف التي دخل فيها الفرنسيون إلى مراكش في شتنبر من سنة 1912 وموقف الڭندافي منها.
تقول إحدى هذه الشهادات إنه “لم يكن الڭندافي متساهلا، كان غيورا على صلاحياته، هذا الطبع الصارم، هذا التمسك اللامحدود بالاستقلال، هذا الكبرياء الذي جعل ليوطي في الأخير يتضايق شخصيا، كل هذا برز بشكل جلي حين أصبح “مانجان” سيد مراكش، وحين تلقى خضوع كبار رؤساء الجنوب، فقد كان الڭندافي الوحيد الذي تغيب. كان يجيب بعزة نفس على كل استعطاف بل وحتى على التهديدات.”
لكن حينما أصبحت الحماية أمرا واقعا، ولما خضع الحوز وعاصمته مراكش للنظام الجديد، اضطر الڭندافي أن ينخرط مكرها في هذا النظام وكان ذلك منتصف شهر أكتوبر 1912 وعلى أساس نظام المراقبة. ولغاية سنة 1917 مارس الڭندافي مهامه المخزنية في إطار نظام المراقبة هذا. وعليه وبمقتضى الظهير المؤرخ في 15 جمادي من العام الهجري 1335، الموافق ل 8 أبريل 1917 عين الڭندافي نائبا للمخزن على سوس وباشا على تزنيت.
فحتى نهاية سنة 1920، قررت سلطات الحماية الفرنسية اعتماد تنظيم إداري جديد لسوس على أساس نظام الإدارة المباشرة الذي حل مكان نظام المراقبة. وفي هذا الإطار تم تعيين حاكم فرنسي على سوس وهو ضابط سام من رتبة كولونيل حيث استقر هذا الأخير بأكادير التي أصبحت مقر دائرة، كما تم تعيين ضابط آخر على رأس مكتب للشؤون الأهلية ومقره تارودانت. وهنا بدأت المشاكل فيما بين الطرفين، إذ رفض الڭندافي الخضوع لوصاية الحاكم الفرنسي وتمسك بنظام المراقبة.
سيضطر الكندافي إلى التخلي طواعية عن مناصبه بسوس منتصف سنة 1921 ، كما جاء في مؤلف “قائد من مغرب الامس” حين اكتشف بأن سلطات الحماية الفرنسية ماضية في تطبيق نظام الإدارة المباشرة وأن اجتماع مراكش في نوفمبر 1920 ما هو إلا مناورة هدفها منعه من التخلي عن مهامه.
لذلك حمل تقرير وجه إلى المقيم العام في 1924 يقول فيه “إن السي الطيب الڭندافي الذي لم يأخذ بعين الاعتبار النصائح والانذارات الموجهة إليه من قبل سلفي ومن قبلي أنا شخصيا، يعيق بشكل ممنهج عمل الحماية”. والذي كانت من نتائجه عزل القائد الكندافي من جميع مناصبه بعد ان تم تعيينه في منصب صوري وهو قائد شرفي.
لقد اعترف المؤرخ الفرنسي”اندري جوليان” بالقول”حاول الڭندافي أن يتحرر، لكن ليوطي عزله”، كما كتب الطيب الكندافي في نفس المؤلف.
لم يتردد الكندافي في المشاركة في معظم الحملات العسكرية للمخزن الهادفة إلى إخماد حركات التمرد والعصيان والانشقاق التي كانت تشهدها بعض مناطق البلاد، وخصوصا منذ وفاة السلطان مولاي الحسن سنة 1894 إلى أواخر عهد السلطان مولاي عبد العزيز سنة 1906.
وحينما أقيل القائد الكندافي من مهامه كباشا على تيزنيت بأمر من الجنرال ليوطي، انتقلت القيادة لابنه البكر ثم إلى ثلاثة من أبناء أخيه. والذين اختاروا السير على نهج القائد الكندافي من خلال مختلف الحيل والمناورات التي كانوا يقومون بها للإفلات على قدر المستطاع من وصاية سلطات الحماية الفرنسية المفروضة عليهم في إطار نظام الإدارة المباشرة.
ستتعرض ممتلكات القائد الكندافي، بعد الإقالة، للمصادرة كما هو حال داره الشهيرة بروض الزيتون بمراكش. وسيحاصر أفراد عائلته. أما هو فقد كان جزاؤه أن يتم وضعه تحت الحراسة بمنزله بروض الزيتون بمراكش حيث لم يكن بمقدوره مغادرة المدينة إلا بعد الحصول على إذن خاص.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=45399