قيل إن الذين لايتذكرون الماضي عليهم أن يجربوه مرة أخرى.فبتأكيد إن الأشياء الجميلة و الرائعة و المقرونة بالذكريات و النوادر الطريفة تظل راسخة في ذهن المرء. فما أجمل ماضي الإنسان المتشبع بالفطرة و الحياة البسيطة المجردة من التعقيدات و الملابسات الحديثة.فما أحوجنا اليوم لسماع حكايات الخرافة و الغولة و نحن نتذوق الطنجية و الطجين بالشابل و البداز و خبز الدرى المحلى بالسكر و خبز الشعير بالكمون و افتات الكدرة(3نقاط فوق الكاف)المحمصة وبركوكش ارفيسة العمية باداز باللفة المحفور الخ…. و نحتسي كوب الشاي و نستيقظ في كل صباح على أعزوفة صيحات الديك و أطفالنا وهم يجوبون الشوارع والأزقة ويمارسون ألعابهم الشعبية(طاب طاب الغميض والوزيعة ودينيفري و غيرها من المسميات المختلفة) و التي لم نعد نسمع بها قطا . وتسرحة الشعر بالبريانطي و مشطة جيمس دين التي كانت في يوما ما موضة يتباهى بها الصغار بين أقرانهم أندثرت مع الأيام الغابرة.
وللمأكولات الشعبية –الدشيشة–الزميتة أخذت نصيبها و لم يرحمها الزمن فأصبحت تعد بطرق حديثة و غير مستأسغة المذاق و الطعم.
لم نعد نسمع بالمسرحيات في رمضان.
إننا بالفعل نحتاج لتنشيط ذاكرة الماضي لإستعادة بعض مما نسج منه. فالضوضاء والصخب و الأوبيئة والأمراض الفتاكة أصبحت في مرتبة الطليعة و هاجساً حقيقياً لكل مرء و هو يجوب و يجول في الشوارع المكتظة بالمارة و السيارات و المياه الراكدة و الأتربة العالقة في الهواء. فالمصاحفة و أفشاء السلام أصبحت حرارتهما باردة و بالمقابل المقابلات و اللقاءت كلها روتينية يسودها طابع المصلحة الخاصة و تقاسم الإبتسامات الزائفة.
نحن نخوض صراعاً مع أنفسنا و المحصلة دائما صفر على الشمال
فبالأمس القريب كانت أفراحنا و حتى مآتمنا تعج بالجيران و الأصحاب من كل حدب و صوب نتقاسم سوياً الفرح و نواسي بعضنا عند حدوث المصائب. قد تكون عاداتنا و تقاليدنا قاسية بعض الشيء في طقوسها ولاتمد ديننا و سنة رسولنا الكريم لا من قريب و لامن بعيد كاللطم و شق الثياب و زيارة أضرحة الأولياء الصالحين و تمسك بمعتقدات الدراويش و تصديق المشعودين والدجالة و العرافة و العرافات يبقى ماضينا حافل بالأشياء الجميلة المضئية و المشرقة و التى قلما نجدها اليوم.
هل لنا أن نصحح مسارنا الشائك و الذي يلفه و يكتنفه الغموض؟ أو نسترد ماضينا بالحكايات الساخبة و المللة و نحن نتبادل أطراف الأهواء في جلساتنا الروتينية. نحن نحتاج لترسيم حدود أفكارنا و السيطرة على عقولنا المتطفلة و التي تشوبها المرادفات و المصطلحات الدخيلة بلغة اليوم التطور الحضاري.
نحتاج للتطوير من ذاتنا و الإبتعاد عن الشرذمة و الأنانية و السلطوية المجحفة و الإهتمام و الرعاية الكاملة الدعم المعنوي و المادي لكافة الجمعيات الفاعلة المهتمة بشئون الموروثات و التي أصبحت متآكلة وهي تئن بصوت خافت لامؤنس لها سوى المتطوعين القلة الذين يبذلون الغالي و الرخيص لإسترجاع هيبتها و مكانتها الطبيعية.
و سنظل نردد حكمتنا الرائدة إن الذين لايتذكرون الماضي عليهم أن يجربوه مرة أخرى ليستيقظ أطفالنا في يوماً ما على صيحاتنا و نحن نمارس ألعابنا الشعبية .
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=5316