ازمور انفو24 بقلم:ذ عبدالرحمان عريس
لا تعد الأغنية النسائية التراثية بالمغرب – بمفهومها الشامل – عنصرا من عناصر الثقافة الشعبية فحسب، بل إنها تشكل هوية وطنية منبعثة من أعماق التاريخ الذي انصهرت في بوتقته مجموعة الثقافات الدارسة، حتى أصبحت هذه الأغنية تشكل أحد ملامح التراث الوطني التي يسهل معها التعرف إلى المغرب و تمييزه عن غيره من بلدان العالم فور استعراض المتلقي لأحد دروب هذه الفنون الغنائية.
وقد انفردت المرأة المغربية في مجتمعها بالكثير من ألوان الغناء الشعبي مثل: بعض أنواع العيطات و المترددات و المايات وغيرها و التي تعد مادتها الغنائية نتاجا للواقع البسيط المعيش، حيث تحتفل بالعديد من الظواهر الشعبية وترتبط بها وتعبر عنها بشكل مباشر، حتى أن كثيرا من هذه الأغاني أضحت مادة متحفية معبرة عن بيئة شعبية لمنطقة ما بمختلف جوانبها من تقاليد و قيم و عادات منقولة عبر السنين. فالنساء في المغرب هن عمود أغاني الأفراح، وهن اللاتي يبدأن هذه الأفراح ويؤدين طقوسها الأولى والأخيرة بدءا من الزغاريد و انتهاء بمختلف إبداعات الغناء الشعبي و التي ترافق طقوس مختلف المناسبات كالعقيقة و الختان، و مراسيم الخطوبة والزفاف و العمليات المرتبطة بالمجال الفلاحي كالجنى و الحصاد و الحرث …
و لكل هذه الاعتبارات، أصبح من الضروري التعامل مع هذا الموروث الشعبي الغنائي الغني وفق استراتيجية تعود بالنفع على هذا الكنز المتوارث في حد ذاته و على بيئته و محيطه الذي ينتمي إليه. هذه المقاربة يمكن فصلها في مرحلتين:
مرحلة البحث و الدراسة:
و هي مرحلة أولى و أساسية أقتضت رصد و وتوثيق كل ضروب الغناء التراثي النسائي وفق منهج علمي مضبوط يقوم بجمع و دراسة هذا الموروث بكل مكوناته دون تجريده من السياق الذي ينتمي إليه حتى لا يفقد بعض أو جل حمولاته. و بهذا أمكن تحقيق الوظيفة الأولى الخاصة بالجانب التراثي و هي الحفظ والصيانة من الضياع و ذلك بإنشاء قاعدة المعلومات التي تضم جردا للأغاني بكل مكوناتها حفاظا على هذا الموروث الثقافي من الضياع باعتبار أن التراث أمانة في أيدينا يجب صونه لأجل تسليمه للأجيال القادمة مستقبلا.
و مما لاشك فيه، سيجد الباحثون و خاصة علماء التاريخ أن أغاني النساء في المغرب بما تشتمل عليه من كلمات وألحان و تعابير جسدية في ظل نسق اجتماعي راسخ الجذور، تشكل سهلا خصبا يغريهم للتعمق في دراستها من جوانبها المختلفة في محاولة لرصد و إنارة مختلف العتمات التي بقيت مظلمة في ذلك الكل من الثقافة الشعبية و التي تعد أحد اللبنات الأساسية لكتابة التاريخ الاجتماعي.
مرحلة التثمين و التوظيف:
و هي مرحلة تتوخى الاستفادة من هذا الموروث الثقافي عبر توظيفه “كمنتوج قابل للاستهلاك ” يرجع بالنفع على المحيط الذي يتواجد فيه.
فكما أن لمرحلة الدراسة و البحث رجالاتها و مقاربتها فإن لمرحلة التثمين و التوظيف خبراؤها و منهاجها كذلك حيث تتضافر جهود المنشطون الثقافيون من جهة و المنعشون و المستثمرون الاقتصاديون ورجال السينما و المسرح و الفنون بشتى اشكالها من جهة أخرى بشكل متكامل معتمدين مقاربة ذات بعد اشعاعي و اقتصادي تنموي لأجل تحقيق غاية ” الربح ” بجميع مقاصده.
ولعل الإطار الأنسب الذي يمكن عبره تسويق هذا المنتوج الثقافي يبقى هو ما يصطلح عليه بالسياحة الثقافية، و التي يكون الباعث الأساسي عليها هو اكتشاف و معرفة الآخر عبر الإطلاع على ثقافته و ذلك بزيارة المتاحف و المواقع الأثرية والمعالم التاريخية التي خلفها و والتعرف إلى الصناعات التقليدية و مختلف أشكال التعبير الفني عبر الحضور في بعض الفعاليات الثقافية مثل المعارض أو المهرجانات و الانتاجات الفنية.
و لقد أضحت مؤخرا السياحة الثقافية عنصرا أساسيا من عناصر السياحة بمفهومها العام إلى جانب كل من السياحة الشاطئية و السياحة الجبلية والسياحة الصحراوية و السياحة الرياضية و السياحة الدينية بل إن بعض الدول المتقدمة أو السائرة في طريق النمو أصبحت تولي اهتماما بالغا للسياحة الثقافية في ظل نقص أو غياب المؤهلات الطبيعية من جبال أو شواطئ أو صحاري و التي تشكل عماد أصناف السياحات السالفة الذكر و بذلك بالرجوع إلى الموروث الثقافي بشقيه المادي و اللامادي و العمل على إعادة الإعتبار إليهما بصيانة و ترميم الأول و إعادة إحياء الثاني حتى يتسنى توظيفهما معا بالشكل المناسب.
و لعل أنجع وسيلة استغلال هذا الموروث من هذا المنظور الاقتصادي هو تقديمه للجمهور الواسع (المحلي و الدولي) في قالب فني يحافظ على الخصوصية المتعلقة بهذا النمط من الغناء دون نقصان أو تنميق – كما رصده الباحثون – إما في شكل مناسباتي كالمهرجانات التي تقدم هذا الموروث بشكل حي و ملموس بجميع مكوناته و هو ما يمكن تشبيهه بالمعرض المؤقت أو بالمتحف الزائل “musée éphémère ” أو بشكل دائم و ذلك عن طريق متحف يقدم هذه الأغاني و ما يرتبط بها من زي و عادات و تقاليد بشكل تفاعلي مع عرض موازي للجوانب التي ترتبط بهذا الموروث من آلات موسيقية و لباس و منتوجات حرفية و أشغال يدوية لها صلة بالغناء النسائي و الرجالي.
و تجدر الإشارة إلى أن المهرجانات الثقافية كمنتوج سياحي متجدد قادر على فرض ذاته كعنصر أساسي يستهوي السائح الداخلي و الاجنبي على حد سواء أصبحت لها مكانتها المتميزة في التنمية المحلية إذ تساهم من جانبها في توفير فرص العمل للمواطنين وفي جذب الاستثمارات للمنطقة المعنية بالمهرجان من خلال الاستثمار في المنشآت الاقتصادية والسياحية.
اعتبارا لما سلف ذكره، فبالإضافة الى الزخم الكبير الذي تعرفه عاصمة دكالة و مدينة آزمور و جماعة مولاي عبد الله، فإن أغلبية مناطق الإقليم تبقى مفتقرة إلى مؤهلات سياحية بديلة قادرة على إغراء و استقطاب السياح سواء المغاربة أو الأجانب…و يبقى الموروث الثقافي خاصة اللامادي منه من بين أهم الموارد التي يمكن المراهنة عليها قصد تحريك عجلة السياحة و بالتالي المساهمة في التنمية المحلية.
و لعل الباعث الأول الذي أصبح يفرض نفسه لأجل الاهتمام بأغاني النساء و اغاني المحيط هو هاجس المحافظة على التراث المحلي و من تم الوطني أملا في إعطاء فرصة لاستمرارية هذا الجزء المكون للثقافة الشعبية المحلية و التي تشكل جزء من الفسيفساء المشكلة للهوية الوطنية باعتباره نمطا تعبيريا فرض نفسه منذ القدم، حيث ظل مرتبطا بكل أشكال الأفراح و المناسبات الإجتماعية المختلفة التي تشكل جزء أساسيا من الثقافة المحلية والوطنية على السواء.
فالتراث ماضي و الماضي كما قال سيمون ” يشكل هوية الإنسان فإذا فقدنا الماضي مرة فإنه يستحيل علينا الحصول عليه من جديد و الإنسان لا يستطيع أن يصنع ماضيه و إنما بمقدوره أن يحافظ عليه فقط”.
و الغناء التقليدي كشكل من اشكال الأغنية الشعبية يعد ماضيا أو بالأحرى تراثا بفضل تمظهراته التي أعطته خصوصيات ثقافية خاصة.
وترمي عملية احياء هذا النوع من الغناء إلى تحقيق الأهداف التالية:
1. التعرف إلى مكونات الاغنية التراثية المحلية و موضوعاتها و وظائفها.
2. تقديم هذا النوع من الغناء كمنتوج ثقافي قادر على جلب السياح و بالتالي المساهمة في التنمية المحلية.
و استمرارا لانفتاح الجمعية الاقليمية للشؤون الثقافية بالجديدة على محيطها وسعيا منها إلى ضمان الدعم والتنسيق بينها وبين مختلف الفاعلين في الحقل الثقافي ، من أجل ترسيخ ثقافة الشراكة وتعبئة الموارد البشرية والمادية المتاحة لتوفير الشروط الناجعة لإنجاح العمل الثقافي بالإقليم.
وحرصا كذلك على المضي قدما في تكريس أسلوب التعاون من أجل الوصول إلى تنفيذ استراتيجية ثقافية مندمجة، متميزة تحيط بمكونات المشهد الثقافي الدكالي، من خلال التنقيب والنبش في كل مكونات الهوية الثقافية لدكالة.
ارتأينا في الجمعية الاقليمية للشؤون الثقافية بالجديدة و تحت اشراف عمالة اقليم الجديدة
ان ننتج عملا فنيا من اعماق خلفية دكالة و هكذا ولدت تظاهرة أغاني النساء او فرحة دكالة من رحم فكرة إحياء وتطوير التراث الثقافي لدكالة وخاصة منه التراث الشفوي والموسيقى التقليدية. ووسط هذا التراث الغني والمتنوع، تنفرد أغاني النساء أو ما يسمى “اللعابات” أو “العونيات” بميزات وخصوصيات تستحق أكثر من وقفة وتكريم. وإذا كان هذا التراث الموسيقي لا يزال يحيى ببادية دكالة فإنه قد اندثر أو كاد بالمدينة. وهؤلاء النساء فنانات ومبدعات بالفطرة أو بالتوارث يحملن تراثا أصيلا وهن يحيين سهرات العائلة أو يطربن القبيلة في الأفراح والمواسم.
ورغبة من الجمعية الاقليمية للشؤون الثقافية بالجديدة في ابراز هذا الموروث في حلة فنية جميلة و تقديمه للمتلقي الوطني و الدولي في قالب جديد دون المساس بمضمونه، لجأت الجمعية الى التعاقد مع فنان على كعبه في التعامل مع هذه الاشكال الموسيقية و هو الاستاد لحسن زينون الذي اخرج هذا العمل بطريقة فنية راقية، جعلت منه العمل الفني لسنة 2013 بامتياز، حيت قدم امام صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في افتتاح مدينة الفنون بأسفي و فوق خشبة مسرح محمد الخامس بالرباط بدعوة من السيد وزير الثقافة و تم تقديمه بمجموعة من المناسبات الوطنية و الدولية امام بخب فنية من مستوى كبير، و للإخبار فان هذا العرض سيقدم فوق خشبة معهد العالم العربي بباريس انشاء الله نهاية شهر يناير2015،كما سيقوم بجولة بكل من هولاند و بلجيكا في نفس التاريخ.
عبد الرحمان عريس
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=26099