د. عادل محمد عايش الأسطل
وصل إلى الحد الأدنى عدد الفلسطينيين الذين يعتقدون بأن هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاقية سلام مع الإسرائيليين، وذلك بناء على التحقق من أن هناك الكثير من القضايا المعضلات، التي تحول دون تحقيق اعتقادهم في هذا الخصوص، ومنها أن الوقائع على الأرض محلياً وإقليمياً ودولياً، اختلفت جذرياً عما كانت عليه في السابق، فإسرائيل لم تهدأ يوماً في تنفيذ برامجها المتعلقة بالاستحواذ على الأراضي الفلسطينية وشغلها بالمستوطنات، في مقابل تراخي القبضة العربية التي كانت في يومٍ ما حازمة أكثر ضد إسرائيل، كما أن تداخل العلاقات المتبادلة فيما بين الدول سياسياً واقتصادياً وفكرياً، بحيث تحكمت في مقدرة أيّة دولة مهما بلغت من الديمقراطية والعدالة، أن تتخذ موقفاً حقيقيّاً واحداً باتجاه القضية الفلسطينية، وحتى في حال تم اتخاذها موقفاً من هذا النوع، فسرعان ما يعقبه نسخ وإبطال أو تفسيرات أخرى تنسف مضمونه أو تخفف من قيمته على الأقل، أو بالالتجاء إلى الالتفاف عليه حتى يكون كأنّه لم يكن.
هذه وغيرها من المرغبات المهمة في أن لجوء إسرائيل إلى خلق احتياجات أمنية وقومية(خيالية) لم تكن متواجدة من قبل، والتي لا تهدف فقط، إلاّ لنسف العملية السياسية الجارية، ما أدى إلى تباعد المسافات أكثر بين التطلعات الفلسطينية والمتطلبات الإسرائيلية على حدٍ سواء.
أمين سر الجنة التنفيذية لمنظمة التحرير “ياسر عبد ربه” الذي كان من أشد المنغمسين في الإيمان بالتوصل إلى سلام حقيقي مع إسرائيل وله تاريخ طويل وحافل في هذا الاتجاه، هو واحد من الذين خفّضوا إلى الدرجات الدنيا من سقف توقعاتهم، من نجاح المفاوضات الجارية معها، وفي أوقات متقدمة، أقلع ومن هو على شاكلته بالكامل، عن إيمانهم بإمكانية التوصل إلى سلام، حين اكتشفوا (الآن) بأن هناك الكثير من التفاصيل حول برنامج المفاوضات أو اتفاق الإطار الذي سيتقدم به وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” في وقت لاحق ربما من هذه السنة، هي غير مقبولة لدى الفلسطينيين وحتى بنسبة صفر في المائة، بل وذهب بعضهم إلى حد اليأس، بأنه لا توجد إمكانية وتحت أي ظرف من الظروف من حدوث اتفاق سلام، أو أن تقوم دولة فلسطينية من الآن ولغاية 20 عاماً مقبلة. وأكّدوا بأن من يعتقد ذلك فهو مخطئ، بسبب ما خرجوا به من أنّ المفاوضات لم ولن تأتِ بشيء.
“كيري” وعلى الرغم من علمه بأن مساعيه التي يتضمنها اتفاق الإطار وفيما بعد وثيقة الإطار، هي مرفوضة تماماً لدى الفلسطينيين، بسبب أنها تتضمن ترتيبات أمنية إسرائيلية لا طاقة لهم بقبولها بالمطلق، والتي من شأنها أن تتواصل على مدى سنوات عديدة مقبلة، والمشروطة بتكفّل السلطة الفلسطينية بتعظيم وتطوير أدائها الأمني ليكون في وسعها تولى القيام بمحاربة أيّة نشاطات فلسطينية وذاتية معادية لإسرائيل، التي ستكون هي من يقضي بالحكم فيما إذا كانت مجموعة الاجراءات المتخذة ترقَ إلى المستوى المطلوب أم لا. وهل هي كافية ومتماشية مع الحياة الإسرائيليّة أم لا تزال منقوصة.
وهذه تنطبق في داخل المدن والقرى والمناطق التي تقع تحت مسؤولية السلطة الفلسطينية فقط، وسيكون لإسرائيل الحق في المطاردة الساخنة في داخل حدود الدولة الفلسطينية، إذا كانت إسرائيل تشعر بأنها مهددة. أمّا بالنسبة لترتيبات الأمن الخاصة بالقمم والأغوار، فهي ستطل تحت المسؤولية الإسرائيلية. ووفقاً لنهجها ورؤيتها الخاصة بها، فستبقى القدس وحتى في وجود طرف ثالث أو عاشر، تحت السيطرة الإسرائيلية والتي امتدت من قبل الإسرائيليين من ضواحي رام الله إلى عتبة بيت لحم.
بالاكتفاء عند هذا القدر من الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية، وبالنسبة إلى قضية القدس، فهي كفيلة بأن تُذهب كل مكوّن من مكونات السيادة الفلسطينية إلى مجهول، بصرف النظر عمّا يتم تداوله من ضرورة أن تشتمل مكونات الوحدة الجغرافية للدولة الفلسطينية على حدود عام 1967.
“كيري” الذي خضع في لحظات سابقة لخياله في أن يستمر في الأوهام، بدى له الآن أن الملف الأمني هو الذي يعرقل أيّ اتفاق، ويحول دون التوصل إلى السلام. وهو إلى الآن لا يشعر بأن القدس وحق العودة يشكلان أيّة عرقلة، وذلك ربّما يكون وصل لهذه النتيجة بسبب مرحلة غباء يمر بها، أو أنه شعر بأن هناك إمكانية لحصول تنازلات فلسطينية.
رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو” وعلى الرغم من مزايا السلام التي ستكون مهيبة وواقعية للإسرائيليين والفلسطينيين، كما أعلن عنها الاتحاد الأوروبي و”كيري” فيما بعد، لم يكتفِ بحكاية متطلبات الأمن الإسرائيلية، لأنها في نظره تحصيل حاصل وحسب، بل أكّد – وليس كما يقولون لتهدئة اليمين المتطرف- بل ابتدع بأن القضية الفلسطينية ومطالب الفلسطينيين هما مجرد أسطورة أو جملة من الأساطير، وبأنه لن يلتفت إلى إطار “كيري” ولن يُقدم على أن تتخلّى إسرائيل – وليس حكومته بمفردها- عن حقوقها في أرضها التاريخية، أو أن تقوم بإخلاء أيّة مستوطنة في الضفة الغربية أو في منطقة الأغوار. وذهب إلى أبعد من ذلك، باستبعاده توقيع اتفاق سلام مع الفلسطينيين، لأنه ليس مدرجاً في جداول الحكومة، بسبب أنهم لم يقوموا بإثبات شراكتهم في العملية السياسية منذ الماضي وإلى الآن. وهو لا يعتقد من الآن فصاعداً وكما أعلن من قبل وزيره للحرب “بوغي يعالون” بأن الحديث يدور عن مسار لتقدم المفاوضات وليس لتوقيع اتفاق، وأن ما يقوم الأمريكيون بتقديمه هو بمثابة عرض يمثل وجهة نظرهم فقط”.
وإسناداً للمواقف السابقة، كانت أعلنت المسؤولة عن ملف المفاوضات ووزيرة القضاء الاسرائيلية “تسيبي ليفني” المتهمة بالتحريض ضد إسرائيل، بأنّه لا يجوز للفلسطينيين إيهام أنفسهم، وعليهم أن يعلموا علم اليقين بأن إسرائيل لن تتخلَّ عن مصالحها الحيوية الوجودية؛ بسبب تهديدات بالمقاطعة أو بالقيام بإشعال انتفاضة ثالثة، وهددت صراحةً بأن “أبومازن” سيدفع الثمن غالياً لقاء تمسكه بمواقفه في وجه الإسرائيليين. وخاصة بتلك المتعلقة بالاعتراف “بيهودية إسرائيل”، وهو المطلب الأهم في نظر “نتانياهو”، قالت ذلك وهي تعلم بأن تهديداتها لن تؤثر كثيراً، كما أن مطالبها لن تمر، على الرغم من عدمان الأمل في تحقيق أيّة تقدم في شأن التسوية.
وعلى أيّة حال، فإن حالة اليأس التي وصل إليها الجانب الفلسطيني في شأن التوصل إلى السلام، بسبب وقوفه على أن المفاوضات على مدار عقدين من الزمن لم تأتي بشيء، كما أن خطّة “كيري” هي في النزع الأخير قبل أن تتكشّف بالضبط، فإن حالة اليأس هي نفسها التي سيصل إليها في شأن تنفيذ الرغبة في التوجّه للأمم المتحدة. وبالمقابل فإن حركات المقاومة هنا في القطاع وعلى رأسها حركة حماس، ليس بوسعها الإقدام على الحرب ضد إسرائيل، وهي تسعى إلى تثبيت الهدنة معها، تحت وطأة الضرورات، ولا ندري لها من حدود، بالرغم من التهديدات الإسرائيلية القائمة والتي بعضها وراء بعض. وعليه والحال كذلك، فإنّه لن يكون أمام الفلسطينيين إلاّ الهدوء إلى مدّة أطول، وليس المعنى ترك إسرائيل تنام ملئ جفنيها، ولكن انتظاراً لتواجد بيئات جيّدة ومناخات مواتية، يُستطاع من خلالها خلق جيلٍ تكاملي قادرٍ على انتزاع حقوقه.
خانيونس/فلسطين
26/1/2014
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=4654