د. عادل محمد عايش الأسطل
سيكون من العجيب لدى الولايات المتحدة، إذا ما لجأ تنظيم القاعدة، إلى الطلب منها أن تحتكم معه أمام طرفٍ آخر، أو أن يدعو إلى تشكيل لجنة تحقيق في شأن أيّة خلافات بينهما أو أيّة اتهامات موجهةً إليه، بهدف التوصّل معها إلى تسويةٍ ما، بسبب أن مكانتها وهيبتها وادعاءاتها بصوابية سلوكياتها ضد التنظيم، لا تسمح لها بأي حال، بالالتفات إلى مثل هذا الطلب أو إلى تلك الدعوة، ناهيكم عن أنها باعتبارها الطرف الأقوى والملاحٍق الأهم للتنظيم، تنظر إليه على أنه العدو الإرهابي الأول لها ولمصالحها ولأصدقائها وحلفاءها أيضاً، حيث لا تفكر في أن تُمسك عن محاربتها له، في كل أرجاء الأرض وعامة الدول، إلاّ في حال لجوئه إلى تفكيك نفسه ونبذ نشاطاته، أو القضاء عليه برمّته، على الرغم من أنها تعلم يقيناً، بأن حالة الصراع الدائرة بينهما بشكلٍ خاص، لن تزول أو تنتهي قريباً، وأنها باقية ربّما إلى ما لا نهاية.
سيكون هكذا، مصير دعوة حركة حماس لدى مصر، في شأن مطالبتها بتشكيل لجنة تقصي حقائق محايدة برعاية جامعة الدول العربية أو منظمة التعاون الإسلامي، من أجل التحقيق في شأن الاتهامات المصرية ضدها، وذلك في أعقاب تلقيها المزيد من الاتهامات المباشرة وغير المباشرة، بعد أن كانت محل تحميلها المسؤولية عن سياسات وأحداث مختلفة طوال الفترة السابقة، من قِبل كافة المؤسسات المصرية المتنفذة – الحكومة، الجيش، الأحزاب، الإعلام الرسمي- ومؤسسات أخرى بوجهٍ عام.
كانت دعوة الحركة قد جاءت على هذه الشاكلة وفي هذا الوقت، بهدف أن تدفع عن نفسها مجموعة التهم المصرية الموجهة إليها، من خلال التأكيد على أنها لا تتدخل ولم تتدخل في الشأن المصري، سواء كان ذلك قبل أو أثناء أو بعد الثورة. وعلى أنها لم تكن ولن تكون طرفاً فيما يجري وليست ضد أي طرف من الأطراف على الساحة المصرية. وأوضحت بالمقابل، أن تلك الاتهامات هي سياسية باطلة ولا أساس لها من الصحة، ولا تستند إلى أي دليل، وأنها تأتي في تزامن مريب، تتقاطع فيه التهديدات الصهيونية بضرب القطاع وتشديد حصاره، وما يُحاك ضد القضية باتجاه تصفيتها عبر المخططات الغربية والصهيوأمريكية.
ودللت على أقوالها تلك، بأنه لم يثبت لأيّة جهة منذ تأسيسها، أنَّها تدخلت في أيّ شأن عربي أو إسلامي داخلي، كون ذلك أحد مبادئها– كما تقول- والذي لا تحيد عنه، على اعتبار أن الأمن القومي لأيّ دولة عربية أو إسلامية هو خط أحمر. ومن ناحيةٍ أخرى، فإنه من غير المفيد أن تُجادل أيّة جهة في ذلك، إذ لا يستقيم أن يقوم طرف مُحاصر في قطاع صغير بزعزعة استقرار دولة يعتبرها عمقه الاستراتيجي ومتنفسه الوحيد نحو أنحاء العالم. وقامت في مناسباتٍ عدة بإلقاء إثباتات لبراءتها من تُهم مختلفة، كانت نتيجةً لتحقيقات لجان عسكرية مصرية خلال أوقات سابقة. ومن ناحيةٍ أخرى، أكّدت على أن مصلحتها العليا، مرتبطة في أن تظل مصر آمنة ومستقرة، لمساندة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، كونها أكبر دولة عربية وتشكّل مفتاح الحرب والسلام.
لكن وكما يبدو، فإن مصر التي تعتبر سلوكها المعادي باتجاه الحركة هو سلوك صائب وغير خاضعٍ للنقد والملاحظة، وهو حقٌ أيضاً وهو غير قابلٍ للصفح والمسامحة، وفي ضوئه فليس لديها قابلية بالمطلق لمجرّد الاستماع إلى هذه الدعوة، وهي تجد نفسها وعلى كل جانب، بأنها مضطرّة إلى محاربة الحركة فكراً وممارسة- ليس بالضرورة عسكرياُ، على الرغم من صدور تصريحات مصرية مختلفة، رسمية ووطنية، وحتى من قِبل جهات دينيّة، باللجوء إلى هذا الخيار- بسبب أن النظام المصري الحالي يريد الاستقرار على ما وصل إليه بشأن السياسية الداخلية التي اختطّها لنفسه، ولا يريد على الأقل، أن يرى نبتة إخوانية تنمو إلى جواره الشرقي، ويشعر بأنها مؤثّرة كلّما تقدّم الوقت، لا سيما وأن الحركة أبت صراحةً من أن تقوم بتفكيك علاقتها بجماعة الإخوان أو من التنصّل من جملة العلاقات المرتبطة بها، في أعقاب دعوة فصائل فلسطينية في هذا الصدد، إضافةً إلى العلاقة القوية التي ترتبط مصر بها مع الرئاسة الفلسطينية في رام الله، تمنع حدوث أيّة تفهّمات مصرية أو أيّة ليونة في هذا الخصوص.
كانت الحركة محل اتهامات مصرية خطيرة ومتتالية، اشتدت بصورة كبيرة، منذ الإطاحة بنظام “حسني مبارك” في أوائل العام 2011، بسبب علاقتها القريبة من جماعة الإخوان المسلمين، ومنها: مساندة جماعة الإخوان المسلمين في إدارة الحكم وأنشطة التدريب العسكرية المختلفة، والضلوع في أعمال ونشاطات معادية، من شأنها زعزعة الاستقرار والأمن المصريين، إلى جانب اتهامها بإيوائها لعناصر وقيادات تابعة لجماعة الإخوان، وتعمل على تمكينها من إدارة أنشطتها ضد نظام الحكم المصري الجديد.
حركة حماس ليس مغضوباً عليها منذ التو واللحظة، بل هي كذلك وتحت وطأة الغضب، منذ ظهور نوياتها الأولى في أواخر العام 1987، باعتبارها امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين، وبسبب الحالة المعقدة التي نتجت عن عدم التوافق والانسجام، مع الحكومات المصرية المتعاقبة، حيث ظلّت مستبعدة من أيّة سياسات وعلاقات تعاونية ذات قيمة، علاوةً عن أنها كانت دائماً محل انتقادات وملاحظات لتلك الحكومات بالنسبة لأفكارها وأيديولوجيتها وجملة سلوكياتها أيضاً. وترتيباً على ما سبق، فإن من الصعب أن تلقى الدعوة الحمساوية أيّ صدىً يُذكر لدى الإدارة المصرية، وسواء كان ذلك في هذا الوقت أو في الزمن الآتي، لكن ربما تكون هناك مفاجئات.
خانيونس/فلسطين
29/1/2014
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=4809