لفترة طويلة جداً، تراجع ترتيب قضية التعليم العالمي في الأهمية مقارنة بحركات دولية عظيمة أخرى من أجل التغيير. والآن، ولسببين جديدين يكمنان في قلب مبادرة “التعليم للجميع”، التي أطلقت لاعادت التعليم إلى مكانه الصحيح على قمة أجندة السياسة الوطنية..
فأولاً وقبل كل شيء، جعل الشباب من أنفسهم الداعم الأكبر لتعميم التعليم الشامل للبنات والبنين. فبرفضهم التزام الصمت بينما يحرمون من الفرصة، أطلق الشباب -خصوصاً الفتيات- من حركات النضال من أجل الكرامة في مجال الحقوق المدنية في عصرنا.
قليلون هم من قد لا تتحرك مشاعرهم إزاء الكفاح الشجاع من قِبَل الفتاة القروية المغربية بعد أن أصرت على حق الفتيات القرويات الصغيرات في التعليم. وقليلون هم من لم ينتبهوا إلى الدعم الجماهيري الهائل المتدفق في القرى المغربية وأماكن أخرى من تخوم الصحراء المغربية الى البوغاز للقضية التي تناصرها الفتاة القروية بصفة عامة..
وعلى نحو مماثل، رأينا في الأشهر الأخيرة كيف أنشأ بعض فتيات المدارس في الجبال منطقة خالية من زواج الأطفال، بهدف الدفاع عن حق الفتيات في البقاء في المدرسة بدلاً من تزويجهن وهن في سن المراهقة ضد رغبتهن. ضد تشغيل الفتيات و الفتيات الأطفال و الاتجار فيهن، في إنقاذ الآلاف من الفتيات والصبية من حياة العبودية في المصانع والورش والخدمة في المنازل، وضمان عودتهم إلى المدرسة بعد الهذر المدرسي المفروض.
والواقع أن هذه التظاهرات من قِبَل الفتيات والفتيان المطالبين بحقهم في التعليم جعلت تجاهل الكفاح من أجل الحق في التعليم الأساسي مستحيلاً، وبالتالي فإن كل الحكومات بدأت تشعر الآن بقدر أعظم من الضغوط الرامية إلى حملها على تسليم الهدف الثاني من الأهداف الإنمائية للألفية (تحقيق هدف توفير التعليم الأساسي لكل أطفال الوطن ) بحلول نهاية عام 2015
ولكن هناك قوة وطنية ثانية عملت أيضاً على دفع التعليم إلى قلب أجندة السياسة في البلاد: الاعتراف المتزايد بأهمية التعليم من قِبَل الباحثين الذي يدرسون الأسباب التي تجعل البلدان تنجح أو تفشل. ولسنوات مضت، ناقش الأكاديميون المغربة ما إذا كانت الثقافة أو المؤسسات أو الايديولوجية أو الموارد تجعل بعض الجهات من مناطق المغرب تتخلف عن الركب. واليوم، يدرك عدد متزايد من الكتاب والباحثين وصناع السياسات الارتباط الحاسم بين التعليم والنجاح الاقتصادي الوطني
وقد أصبح نشر رأس المال البشري عاملاً مهماً في تفسير الأسباب وراء والقوع في “فخ الدخل المتوسط”، ولماذا نعجز أخرى عن الإفلات من حالة الدخل المنخفض؟. وتركز الأبحاث التي تهدف إلى تقييم رأس المال البشري في وطننا العزيز على كم وكيف المهارات الأساسية، والقوة العاملة من خريجي الجامعات المؤهلين، والخبرة في مجال البحث والتطوي.
ويُعَد إعطاء الأولوية للتعليم ضرورة ملحة في ضوء الكم الهائل من المواهب والإمكانات المهدرة في أنحاء البلاد . فحتى الآن
لايزال أطفل لا يذهبون إلى المدرسة، و فتيات لن يكملن أبداً تعليمهن الثانوي، و كم هائل من البالغين أميون !!!!
إن الارتباط بين التعليم والنجاح الاقتصادي يجعل تقديم التعليم الجيد والتدريب قضية بالغة الأهمية أيضاً بالنسبة للنمو الاقتصاد الوطني. فوفقاً لتقديرات ، سنواجه بحلول عام 2020 مشكلة مزدوجة تتمثل في العمال من ذوي المهارات العالية وفائض في عدد اليد العاملة من ذوي المهارات المتدنية يفتقرون إلى التعليم الإعدادي، وهو ما من شأنه أن يعوق الآفاق الاقتصادية للبلاد إلى حد كبير.
نتيجة لهذا، وفي غياب الإجراءات العاجلة، فمن المرجح أن تواجه الشركات نقصاً ضخماً في المهارات، خصوصاً في الأسواق الناشئة ببلادنا السائرة في طريق النمو، حيث ستتركز أغلب الأنشطة الاقتصادية خاصة منها الصناعية حديثة العهد. والواقع أن معدل الأمية بين البالغين يبلغ اليوم ما يتعدى 70 في المئة، و يتجاوز عدد الفتيات اللاتي يمتن أثناء الحمل والولادة عدد الفتيات اللاتي يكملن تعليمهن الثانوي.
وما لم نتحرك بسرعة، فإن الاقتصاد الوطني سيتميز بحلول منتصف هذا القرن بقدر هائل من إهدار المواهب وعدم تكافؤ الفرص. ووفقاً للأرقام الحديثة الواردة في كتاب من المنتظر أن يصدر قريباً عن “مركز فيتجنشتاين” بعنوان “سكان العالم ورأس المال البشري في القرن الحادي والعشرين ورغم أن النسبة من البالغين الشباب المتوقع أن ينالوا تعليماً عالياً أو جامعياً لشمال إفريقيا كلها تبلغ 60 في المائة.
تكشف هذه الأرقام عن مجتمعنا منقسم بين هؤلاء الذين يملكون فرصة التعليم وأولئك الذين يفتقرون إليها، في ظل عواقب ضخمة محتملة ليس من حيث عجز المهارات وإهدار الموارد الاقتصادية فحسب، بل من حيث الاستقرار الاجتماعي، أيضاً.
لم يتبق أمامنا سوى ما يزيد على العامين قليلاً لتحويل التعليم الأساسي من امتياز يتمتع به البعض إلى حق يناله الجميع. والواقع علينا العمل بأقصى قدر ممكن من الجهد كل يوم حتى حلول الموعد النهائي في ديسمبر من عام 2015 لضمان ذهاب كل طفل إلى المدرسة.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=1901