بقلم عبد العظيم حمزاوي
آفة العمل الجمعوي بآزمور… هل يستيقظ في يوم من الأيام ضمير هذه الجمعيات من سباته العميق و يقوم بدوره الإنساني النبيل في خدمة المجتمع ؟
حسب ظهير الحريات العامة لسنة 1958 “الجمعية اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو عدة أشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح بينهم” انطلاقا مما تذكر من التعريف، يعتبر العمل الجمعوي عملا تطوعيا محضا يقوم به الإنسان داخل مجتمعه،يهدف إلى الإهتمام بالإنسان على العموم غير متجال ذوي الحاجات الخاصة و تكوينه لخدمة المجتمع و الوطن. و هو بذلك ممارسة اجتماعية و تكييف ثقافي مع المجتمع…إنه حقل من حقول الممارسة الثقافية بشقيها النظري و الإبداعي، و يبقى ميدان للممارسة التربوية الخلقية، و مجال تنتعش و تربى فيه روح المسؤولية و روح المبادرة ، حيث يتم الرفع بالشباب للخروج من دائرة الفكر السلطوي المتحجر الاحتكاري التبعي في اتجاه تفكير عقلاني متحرر .و قد مر العمل الجمعوي بمدينة آزمور من مرحلتين أساسيتين ركيزتين للحرية و إرساء أسوس الديمقراطية و التعادلية:
1- مرحلة الاستعمار: حيث واكب العمل الجمعوي الآزموري نضال الشعب المغرب برمته من أجل التحرر و تحرير الوطن.
2- مرحلة ما بعد الاستقلال: أصبحت و صارت خلالها الجمعيات صوت الجماهير المطالبة بالتغيير ،مما عرض الجادة منها للتضييق و المضايقة و المنع باعتماد التعليمات المملات.
ظهور ضعف البنيات التحتية اللازمة،و عدم التزام الدولة بواجبها نحو الجمعيات فترة طويلة بعد الاستقلال ،فمند بداية الثمانينات لم تخصص الدولة لقطاع الشبيبة و الرياضة، باعتباره القطاع الوصي على الشباب و الجمعيات إلا %1 من ميزانية الدولة و يبقى رقما محتشم،إضافة إلى قلة دور الشباب حسب بعض الإحصائيات دار شباب واحدة لكل 70 ألف شاب . كما تقدم الوزارة الوصية على إثقال كاهل الجمعيات بمصاريف الملف الإداري ،و خلق جمعيات صفراء تصفق للاديمقراطية و منحها صفة المنفعة العامة و إغداق المساعدات المالية عليها بطروق غير مباشرة،في مقابل التضييق على الأنشطة المنظمة من طرف الجمعيات الجادة و العاملة المتابرة .
إن المتتبع للعمل الجمعوي في آزمور الحبيب يلاحظ أن أغلب الجمعيات تفتقر لرؤية و توجه واضح المعالم ، و محددي المقاصد ، و هذا ما يفسر سيادة العفوية و البراغماتية و الإرتجالية في العمل و الحقد على الجمعيات الناشطة و العملة في حياد تام ،و يكرس جملة سلبيات منها: الإكتفاء بالجاهز و التقوقع في حلقة التكرار المفرغة دون تفعيل آليات الإبداع و الابتكار ،وتكريس علاقة غير فعالة بين الجمعيات و الفاعلين المجتمعيين .
لقد عرف العمل الجمعوي تراجعا خطيرا على مستوى المردودية و التنظيم، في الوقت الذي عرفت فيه الجمعيات انتشارا كبيرا، الشيء الذي ساهم في تكريس المفهوم الذي تسعى الإطارات الرسمية بمدينة آزمور لترسيخه حول اعتبار الجمعية مكانا لتزجية وقت الفراغ و فضاء لملء الوقت الثالث لا غير.
و لذلك لوحظ في الساحة الآزمورية في الفترة الأخيرة تناسل الجمعيات في جميع مناطقها كمثل حتى و صل صداها و مداها القرى و المداشر،محاولة أن تلعب دور الأحزاب التي ماتت موتتها الطبيعية ،و هكذا صار الحقل الجمعوي الآزموري يضم ألوان الطيف من الجمعيات .و الواقع أن أكثرها أصبحت بعيدة كل البعد عن الأهداف النبيلة للعمل الجمعوي ،و أصبح العديد من الأفراد بلطجية يسعون لمطامح شخصية خسيسة كالسعي لتصفية حسابات شخصية ضيقة مع أعضاء جمعيات أخرى لها بصمات عمل جمعوي قح و محض و متميز و جاد ،و قد يكون التأسيس لتلك الجمعيات المزعومة ناتجا عن تعليمات جهات تتخصص في توزيع منح أو في توظيف الإطارات الثقافية لأهداف خبيثة تحت ذريعة خدمة الطفولة و الشباب وتنمية العلم القروي ،فهناك العديد من الجمعيات تغلق أبوابها مع نهاية الحملة الإنتخابية و تبقى متربصة لإفشال كل عمل جمعوي هادف يهدف إلى إشراك و إدماج الطفل المعاق و ذوي الحاجات الخاصة في المجتمع و تكريمه في الملتقيات الثقافية و الدورات التكوينة .
لقد سعت بعض الجمعيات ذات مصداقية و رؤى واضحة البحث عن شركاء لتمويل مشاريعها التنموية مع متدخلين ،و قد تأتى لها ذلك و هذا من حقها،لكن بدأ البعض الآخر من الجمعيات الموسمية يتخذ من ملفات حساسة بابا للتسول واغتناء أعضائها،خاصة في مجال التكوين التي تشرف عليها جهات متعددة ،بل هناك من نصب نفسه كوسيط مع جمعيات محلية لتحقيق الهدف نفسه بمبالغ مضاعفة .و ثمة أسلوب آخر يساهم في مأسسة هذا الفساد الجمعوي، يتمثل في منح صفة المنفعة العامة، بعيدا عن المعايير الموضوعية بل و في خرق مفضوح لها، مما يوسع آفاق الحصول على الموارد من الداخل و الخارج . و من مظاهر الفساد الجمعوي أيضا ما عرفته و تعرفه عملية رصد المنح و تمريرها من لدن قطاعات حكومية، وبمائات الملايين الدراهم، منذ صدور دورية الوزير الأول إدريس جطو سنة 2003 في موضوع المنح للجمعيات ، و ما يتفجر بين الفينة و الأخرى دوما في الجماعات المحلية الحضرية و القرويةلدائرة آزمور من اتهامات متبادلة بين المستشارين حول تمويل جمعيات بعينها لكونها محسوبة على هذا العضو أو الرئيس أو أقاربه و زبانيته أو متقاسمي المنافع معه. و غالبا ما تستعمل هذه الأساليب للإبتزاز و نيل نصيب من “البقرة الحلوب” لكنها لا تذهب أبدا إلى حد فضح الفساد في أفق قطع دابره. و هكذا، يتمأسس هذا الريع الجمعوي مادام الجميع ينال نصيبه، وحين يتم الإخلال بهذه القاعدة تتحرك آلة الإبتزاز حتى لا يتوقف صبيب الريع الجمعوي نحو الجيوب. و لقد كشف تقرير رسمي ، أن 98 في المئة من الجمعيات في المغرب تبتلع من ميزانية الدولة ، ما يقرب من 8،8 ملياردرهم حسب معطيات ترجع لسنوات الأولى من 2000.
إن هذه السلوكات اللامسؤولة أجهزت فعلا على العمل الجمعوي و دوره الإنساني النبيل بمدينة آزمور و جعلت المصالح الضيقة هي المتحكمة في حركاته و سكناته ،فحق بالتالي للشباب الآزموري أن يعزف عن هذه “المقاولات البراغماتية” كما عزف من قبل عن مثيلاتها من أحزاب “التنويم المغناطيسي”،و لا أعمم فهناك العديد و الحمد لله من الجمعيات الجادة، لكن كما أسلفت تعيش ضيقا و اختناقا من طرف المخزن و أعوانه و البلطجية .
هذه الجمعيات لاتصرح و لاتكشف عن أوجه صرف الدعم المالي المخصص لها ، و حتى إن تم ذلك ، يكون في غياب الوثائق الرسمية التي تبرر طريقة تدبيرها للدعم الذي تم رصده لها من قبل الجهات الداعمة و على رأسها بطبيعة الحال المؤسسات العمومية . و على ذكر المنح والميزانيات و أوجه صرفها ، لا يمكن المرور على هذه المسألة من دون الإشارة إلى صنف آخر من الجمعيات ذات المنفعة العامة و جمعيات “هز يا وز” ، و من دون طرح سؤال عريض حول ماذا تقدم هذه الهيئات و الكيانات الجمعوية لمدينة آزمور و أبنائه غير تنظيم مهرجانات البذخ و الرقص و السهر و الصهيل و الفلكلور و الحفلات الكبرى و الملتقيات الدراسية النخبوية و غذاءات و عشاءات العمل و المناقشة ، و هي التي تلتهم من أجل ذلك من أموال دافعي الضرائب ميزانيات ضخمة كافية لتمويل ملايين الأنشطة الجادة و القريبة من الهموم اليومية و الحقيقية للمواطنين تهم تربية و توعية و تثقيف و تنشيط و تطبيب و علاج أبنائهم و تنقية و تنظيف و تزيين شوارعهم و أزقتهم و أمام مساكنهم.
خلاصة القول، إن العمل الجمعوي في حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى الى إعمال القانون من أجل وضع حد لهذا الريع السرطاني الذي لا ينخر مقومات العمل الجمعوي فحسب، بل ينخر أيضا قيم المجتمع ويهدمها ويسمم إحدى أهم خلاياها التي هي الجمعيات. وليست هذه الملاحظات التي قدمناها دعوة للنفور من العمل الجمعوي أو انتقاصا من المجهودات الجبارة التي تبذلها العديد من الجمعيات الجادة و التي تقدم خدمات جليلة للمجتمع ، فالغرض من كتابة هذه السطور هو تسليط الضوء على بعض الممارسات المشينة التي ترافق العمل الجمعوي في مدينة آزمور ، و ذلك حتى يتسنى لنا تصحيح المسار و تطهيره من الطفيليات الآدمية التي يبقى همها الوحيد هو الاسترزاق و نهب المال تحت غطاء جمعوي و انتهاز الفرص لتسلق المراتب و خدمة أفراد و تطلعات مَرَضية … فهل يستيقظ في يوم من الأيام ضمير هذه الجمعيات من سباته العميق و يقوم بدوره الإنساني النبيل في خدمة المجتمع ؟ ومتى يعلم المفسدون بأن حبل الكذب قصير و مصير الفساد إلى الهاوية لامحالة..؟
إن هذا الواقع المزري و المرير للعمل الجمعوي بمدينة آزمور، يفرض على كل الغيورين التشمير على ساعد الجد لرد الإعتبارلهذا الميدان الحيوي ،و كنس جميع الفيروسات التي تسللت داخله و خربت جميع ملفاته…و ضربت بالمصداقية عرض الحائط و صار من هب و دب يزكي نفسه و يتكلم باسم المواطن الآزموري الرافض للوصية المزعومة .
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=7002