بقلم: عبدالواحد سعادي
أصبح يظهر بين ظهرانينا كل ثانية فنان ،حتى صرنا نتقدم العالم في عدد الفنانين ،وصار لكل مواطن عربي ألف فنان.
أين الموسيقار الكبير عبد الوهاب الدكالي،أين أمثاله ،أين غيثة بنت عبدالسلام ونعيمة سميح وبهيجة إدريس ،أين ابن إبراهيم العلمي وافيتح والحياني والغيوان ،مات أحمد زكي الفنان العظيم ومات نجيب محفوظ الكاتب الاستثنائي والكاتب العالمي صاحب جائزة نوبل للآداب ،ومات فريد شوقي والمليجي وعبدالحليم أسود الشاشة والنغم الجميل ،ومات نقولا زيادة المؤرخ الكبير وصاحب الموسوعة التاريخية في العالم العربي،ومات فؤاد المهندس الكوميدي العربي الذي يلتزم بالنص والأداب ،وعاش أشباه الممثلين والفنانين مع بعض الاستثناء ،وعاش أشباه الكتاب والمفكرين مع قليل من الاستثناء أيضا ،وعاش المؤرخون وأشباههم،مؤرخوا البلاط والأنظمة الاستبدادية مع بعض الاستثناء كذلك ، وما بقي في عالمنا العربي من يضحكنا سوى بعض الممثلين الذين ان اقتحمنا صفحات حياتهم وجدنا أكثر سوادا وبكائية ،فعن أي كوميديا وأغنية يتحدثون؟ عن أي عفن مغربي يتكلمون؟ ما من أمة فقدت مثل هؤلاء الأهرام وصار مصيرها العبث والضياع فنيا وتاريخيا وروائيا وأدبيا وثقافيا ،وما من أمة فقدت أعظم ما عندها من الرجال والكبار،وأنقى ما فيها من أشخاص إلا وصارت كغثاء السيل.
هذه حقيقة يتجاهلها السواد الأعظم منا ،ليس لأننا لا ندرك هذه الحقيقة ،ولكن لأن البعض منا ما زال متكبرا ثقافيا ،ويظن نفسه كأنه مثل هؤلاء الراحلين أو أفضل منهم ففي زمن هؤلاء كان في مستطاع هذه الأمة أن نفتخر بأنها تضم بين رجالها من هم فوق الشبهات ،ومن هم في مرتبة العالمية والكونية ،ومن هم يعطون لها قيمة بين باقي الأمم لتفتخر بهم في كل الأماكن وفي كل الأزمان ،ولكن المنية غيبت هذه الحقيقة الى الأبد في انتظار من يعوضهم ،ويكفينا شر هيفاء ونانسي وفيفي عبده ،وغيرهم من فناني وفنانات الزمن الرديء ،يكفينا أصحاب السراويل المهلهلة والنازلة تحت سدرة العورة.
ولأننا نكثر الصراخ والضجيج ونغلب البهرجة في حياتنا وثقافتنا ،فقد أصبح بين ظهرانينا كل ثانية فنان ،حتى صرنا نتقدم العالم في عدد الفنانين وصار لكل مواطن عربي ألف فنان ،ولأننا نهمل الغث والسمين من ثقافتنا وأدبنا فقد أصبح لدينا ملايين الكتاب والأدباء لا يبدعون ولا يكتبون سوى ما يريدون أن يكتبوه هم وما يحبون أن ينشر لهم لا ما يريده القراء والمرحلة التاريخية التي نعيشها ،فصارت الثقافة عندنا مثل الماء لا طعم لها و لا لون ولا رائحة ، اللهم رائحة الفقر الإبداعي ، رائحة التشرميل في التمثيل التلفزي والمسرحي ورائحة الدعارة في الأغنية العصرية والشعبية أما الأغنية الشبابية فعاهرة كما تسمع وترى في أي مكان ولأننا أيضا نحترم تاريخنا ولا نريده أن يفضحنا ويفضح عوراتنا الثقافية وتدهورنا وتخلفنا الفكري والاقتصادي والعلمي ،فإننا ننجب مؤرخين لا هم لهم سوى تجميل الصورة التاريخية للعرب والمسلمين ،وسرد المنجزات والعبقرية العربية التي اخترعت الصغر فصارت صفرا ،واخترعت الإسطرلاب فنسيت كيف تستفيد منه واكتشفت الدورة الدموية فصارت هي بدورها دورة فارغة في حياتها ولم تمنحها دماء جديدة للخلق والإبداع ،واكتشفت وليتها لم تكتشف شيئا لقلنا أمة عاشت متخلفة وماتت متخلفة غير مأسوف عليها.
فهل يمكن تصور أمة بهذه المرارة ؟لا أبدا، فلذلك قلنا في البداية ،إن هذه الأمة مازالت تتمخض لتلد فئرانا كثيرة ،ولكنها بالمقابل تلد رجالا عظاما ونساء عظيمات رغم قلتهم فإنهم مازالوا يمنحونها الثقة في الاعتداء بنفسها أمام باقي الأمم الأرضية وسيكون من المجحف حقا في حق هذه الأمة أن لا تضم بين ظهرانيها من يمنحها هذه الثقة كاملة، فسيوف النقد والحقد مسلطة عليها منذ بداية التاريخ ،تكيل لها الضربات تلو الضربات ولكن الطامة الكبرى هي انضمام البعض من أبنائنا إلى أعدائها لقتلها ودحرها من الوجود باسم العديد من العناوين الكاذبة كالراب والراي وداعش والراسطا واتشرميل وكالليبرالية والحرية المفرطة والاسلاموية أو التطرف الديني.
إننا نعيش هذه الأيام حمى ظهور طوابير من أشباه الفنانين وأشباه المثقفين الذين يغرقوننا بتفهات وإبداعات أكثر ما يقال عنها أنها مهزلة فنية وثقافية بامتياز ،فصارت الثقافة العربية مثل ماخور تلجه كل الفئات من متشردين وشحاتين وفلاحين وأميين ومتعلمين أو متعاملين ،يجتمعون على إنتاج الترهات والنكات والروايات المقرفة والقصيدة المخرفة ،وصار على القراء أن يحتملوا رغما عنهم هذه الإبداعات لأنهم لا يجدون لهل بديلا ،فالعظيم من الإبداع والفن ثمنه غال جدا وصعب الحصول عليه،ولذلك نجد الكل عندنا يجتهد لتسويق هذه البضاعة عوضا عن البضاعة الجيدة ،ففي التفاهة مجد التافهين ذاتهم وملاذهم.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=9128