ازمورانفو24المتابعة:جامعيون بجامعة شعيب الدكالي
يعتبر الأستاذ الجامعي في المجتمعات الراقية من جهابذة العلم، يشكل أحد ركائز حركات التثقيف والتنوير، و ينخرط في قيادة المجتمع على جميع المستويات، معبدا له الطريق نحو المعرفة وتطوير الفكر ومحاربة شتى أنواع الأمية. ودأبت النخبة المثقفة في مجتمعاتنا على تحمل مسؤولياتها التاريخية فلسفيا بالتنظير للمقاربات والأنظمة القيمية التي تسهل العمل السياسي والاقتصادي، كما أنها عززت ذلك ببحوث و مجالات عامة للتفكير والمناقشة والتدافع السياسي.
وظل الأستاذ الجامعي عنصرا فعالا ضمن هذه الحركية الثقافية التنويرية، فشُيّدت جامعات عريقة أنجبت علماء وخبراء وتقنيين متخصصين في شتى المجالات، وساعد الأستاذ الجامعي ليس فقط في تطوير عجلة الاقتصاد، وصقل كفاءات الأمة، بل ساهم في تخليق الحياة العامة بنشر منظومة القيم التي تعلّمها، وتشبث بتطبيق أفكاره ومُثُلِه الأخلاقية بالرغم من الاضطهاد والقمع والتهديد بالتصفية الجسدية. هذا هو الأستاذ الجامعي القدوة الذي يفع جُلّنا بين أكنافه، أيقونة زمانه، ينبلج في ثوب راق، بمثابة أنموذج لتحصيل العلم و التأطير والبحث والمناقشة والانضباط الأخلاقي واحترام القانون، مُعلٍيا قيم الحضارة الاجتماعية والأخلاقية. وهكذا لم يجرؤ أحد منا آنذاك أن يشكك في مصداقية الأستاذ الجامعي، حيث كان من البديهي أن يلتزم أستاذ جامعي بقيم المواطنة، وأن يتحلى بروح المسؤولية الملقاة على عاتقه في إطار القيام بوظيفته، بالفعل هو القدوة لطلبته في تحصيل العلم والمعرفة، والكل يتهافت لكي يحدو حدوه.
لكن يبدو أن هذا النوع بدأ في الانقراض مع تطبيق شروط الرأسمالية الجديدة في إطار العولمة، و أصبحت الأخلاق تُسوّق على شكل منتجات وسلع تباع في وسائل الإعلام على الفضائيات، فظهر تدين استهلاكي جديد، أطلق عليه باتريك هايني، بالنسبة للتدين في الشرق، “إسلام السوق”، وفي الساحة الجامعية برز أستاذ هجين لا علاقة له بالمثقف بمفهوم كرامشي أو إدوارد سعيد.
ظهر مثقف هجين نفعي مفتت بين مصالح مادية ضيقة، و مكاسب حياتية كالسكن، والسيارة، والتلفاز، والكسوة، والسفر، والترفيه، متشبثا بكماليات الحياة ضدا في المبادئ التي تغنّى بها بوصفه طالبا، وبلغت درجة الاستهتار بمثقف الزيف هذا أن يأخذ لقب أستاذ جامعي، ويتاجر في الكلمات التي حفظها عن ظهر قلب دون استيعاب معانيها، فأصبح يركض كالحصان الهائج من مؤسسة إلى مؤسسة باحثا عن الربح والغنيمة.
وحتى نزود القارئ بمثال عن هذا الأستاذ المرتزق، نسوق مثالا من شعبة الدراسات الإسلامية بإحدى الكليات، حين تملص مجموعة من الأساتذة المثقفين، وبعد فصل “كامل مستوفى” من التحصيل والتدريس، من مسؤولية امتحان الطلبة أثناء شهر رمضان، بدعوى أن هذا شهر العبادة والغفران، وستُستأنف الدراسة بعد العيد، رغم أن هذا ليس قرارا رسميا، لكن المؤسسة تعلم بخبايا الأمور، وتقف مكتوفة الأيدي، وكأن مسؤوليها لهم يد في الموضوع.
في حقيقة الأمر، عجّل هؤلاء الأساتذة بامتحانات الدورة الأولى قبل استكمال المقررات و قبيل حلول رمضان، وقبل إعلان النتائج التي ظلت معلقة حتى كتابة هذه السطور، شدّوا الرحال نحو الديار الأوربية للقيام بوظيفة الإمامة في رمضان. وهذه وظيفة قد يسيل لها لعاب أستاذ هجين يطمع في التعويض الذي تقدمه وزارة الأوقاف، ويقدر بحوالي 2000 درهم عن كل يوم، هذا بالإضافة إلى الهدايا التي تقدمها الجالية المغربية في المهجر لهؤلاء أثناء شهر رمضان.
لا ندري كيف سنقيّم ظاهرة الارتحال في رمضان بين صفوف أساتذة الداراسات الإسلامية على حساب مصالح الطلبة؟ كيف لإمام في رمضان أن يتهرب من مسؤولية أخلاقية اتجاه طلابه ، ويقدم دروسا للناس في الأخلاق والقيم!؟
أليس هذا نفاقا وكذبا وضحكا على الذقون حين يهمل أستاذ مسؤوليته الوظيفية التي تتجلى في تدريس طلبته و تقييم إنجازاتهم خلال مدة زمنية محددة، مطلقا ساقيه للريح يُنقّر عن غنيمة تقدر قيمتها بحوالي 80.000 درهم؟! فلتذهب الامتحانات ومن يخُطّها إلى الجحيم؟ لازلنا أمام هول الصدمة، لا نصدق كيف يفكر معشر هؤلاء الأساتذة الذين تركوا الجمل بما حمل، و سافروا إلى الخارج، بالرغم من أن الامتحانات في طور الإنجاز؟ كيف تُعطل مصالح الطلبة والمؤسسة ليقتات نفر من الأساتذة على فتاة الجالية في المجهر؟ والنكتة أو الأضحوكة هنا هو أن هؤلاء الأساتذة ذهبوا لكي ينظّروا للأخلاق والمنظومة القيمية، وهم لازالوا في حاجة ماسة إلى أبجديات التخليق والتهذيب، وربما نضطر إلى العودة معهم إلى نصوص المطالعة التحضيرية كالنص الذي يرغم الولد على أكل البطاطس، تحت عنوان ” الولد والعصا “.
ما هذا الهراء يا رجال الأمة؟ أهكذا تقام الامتحانات في العالم الثالث؟ يجتاز الطلبة الاختبارات في الدور ة الأولى، ثم يشد الأستاذ الرحال إلى المهجر، و يرحل الطالب عن المدينة إلى القرية المجاورة، و تظل الامتحانات معلقة في وضعية ثابتة احتياطية (ستاند باي)، ويتوقف الزمن في رمضان، ليستأنف دورانه بعد حلول عيد الفطر، ورجوع الحجاج الميامين من المهجر غانمين سالمين، و تدبّ عقارب الحياة في الجامعة من جديد ، ويأتي الطلبة “المسلمون” للاطلاع على نتيجة الدورة الأولى ، ثم يخوضون معارك الامتحانات الاستدراكية، وهكذا تكتمل القصة بفوضى امتحانات فقدت قيمتها البيداغوجية بامتياز.
و في السياق نفسه، نتساءل عن طلبة الشعب الأخرى الذين يخوضون غمار الامتحانات الآن، ما الفرق بينهم وبين طلبة الدراسات الإسلامية؟ هل هم عجم أم ضعاف نفوس؟ هذه مهزلة بجميع المقاييس، إذ يبدو أن هناك تواطؤا بين البنيات الجامعية، فالكل صامت في الكلية و يتفرج على شعبة هامدة، لازال مكتبها شبه مفتوح، لإيهام العموم بأنها تشتغل، لكن لا أحد يعلم أين هي أوراق الامتحانات، ولا كيف تُصحح، فجل أساتذتها تمددت قاماتهم حتى وصلت إيطاليا ودولا أخرى، وكأننا نعيد إنتاج خرافة “عِواق بن عِواج”، ذلك الكائن الأسطوري الذي روت عنه الجدّة، فقالت إنه يصطاد السمكة بيده الطويلة من أعماق البحر، ثم يمد يده إلى عين الشمس ليشويها، “عِواق” هذا ظهر بين ظهرانينا اليوم، وهو أستاذ عملاق، له يد طويلة تصحح أوراق الامتحان بالمغرب، ورأسه يطل علينا من صومعة طورينو.
وهنا نضع السؤال: كيف رخصت المؤسسة لأساتذة الدراسات الإسلامية بإفراغ الكلية أيام الامتحانات والذهاب للوعظ والإرشاد في المهجر؟ هل هؤلاء الأساتذة فوق القانون؟ ما هذا العبث، ولماذا يغيب التنسيق بين الوزارات؟ فوزارة الأوقاف هي من ستكافئ هؤلاء الرّحل، ووزارة التعليم في شخص العميد هي من رخصت لهم. من المسؤول عن المجازفة بمستقبل الطلبة في سبيل ملء جيوب الأساتذة ضعاف النفوس؟ لقد كان من المفروض أن لا ترخص المؤسسة الجامعية لأستاذ لم ينه مهامه بعد بأن يغادر التراب الوطني، وحتى بدون امتحانات لا يمكن لأساتذة جامعيين أو غير جامعيين أن يتغيبوا لمدة شهر بالكامل عن الوظيفة بدون مبرر، و دون أن يقتطع من رواتبهم، ولا داعي للإشارة إلى أن الوعظ والإرشاد وإقامة الصلوات لا علاقة له بالبحث العلمي، وتكتمل فصول الأضحوكة حين يأتيك أستاذ جامعي بشواهد من جوامع أوروبا والجمعيات الدينية المرابطة بها تسجل مجموع أنشطته الدينية ، ثم يضعها في سيرته الذاتية ، ويقدمها باعتبارها وثائق صالحة للترقية العلمية.
أ هكذا يحتفل العالم المسلم برمضان، شهر الغفران والتوبة والكرم والعبادة؟ هل يعلم أساتذة الدراسات الإسلامية الذين هاجروا تاركين وراءهم مسؤوليات جمة أنهم يؤسسون لسلوك عبثي في صفوف الطلبة؟ كيف ستنتظر من الطالب في هذه الشعبة أن يحترم مواعيد الدروس والامتحانات مستقبلا؟ ما هي الصورة التي سترسم في ذهنه، حين يكتشف من خلال هذا المقال يا أيها المثقف المناضل أنك فضلت 80.000 درهم على أن تقوم بواجبك نحو طلبتك؟ أتعلم أنك تتقاضى شهريا في وطنك أضعاف ما ستجود به عليك يد الخير في المهجر؟ ألم تقف للحظة لتتأمل فيها أنك تتقاضى راتبك من جيوب الطلبة، لأن هذه الأسر التي ينتمون إليها هي من تدفع الضرائب لتأكل أنت وتنام وتشرب؟ لا تنسى أنك تعيش في بلد يتضاعف فيه عدد الدكاترة المعطلين يوما بعد يوم، و تذكر عزيزي، أن من صنف شهادتك تُستنسخ الآلاف!
في حقيقة الأمر، لقد أسقطت هذه المقاربة الرمضانية الإسلامية ورقة التوت عن دعاة التعجيل بتواريخ الامتحانات في مجلس الكلية الأخير، و لن تمر هذه الأحداث بدون رواسب ستعيشها المؤسسة لا محالة ، إذ سوف نؤرخ قريبا لضحايا 23 ماي، لأن السؤال المطروح على من يسير هذه المؤسسة هو كيف سيتم التعامل مع طلبة الفصل الرابع و الإجازة، عما قريب لما سيحتشدون للمطالبة بشواهد النجاح لاجتياز مباريات سوق الشغل؟ لا يعقل أن تتوقف شعبة بأكملها بحجة رمضان، وأين مجلس الكلية الذي خرج متشبثا بقرار التعجيل بالامتحانات، و انشغاله بمصالح الطلبة في السكن والغداء؟ هل أمسى يخطو كالسلحفاة رويدا رويدا؟؟ في رمضان سقط القناع عن قرارات تخدم مصالح صانعيها، فالسر الكامن في الموضوع هو نية مجموعة من الأساتذة السفر إلى الخارج قبل رمضان، فعجلوا بالامتحانات الكتابية في الدورة العادية، وتركوا الحبل على الغارب، وشدوا الرحال بحثا عن المروج الخضراء، ليعودوا بعد عيد الفطر قصد تصحيح ما أفسده رمضان ؟ ذلك لأن رمضان هو المسؤول الأول والأخير…ولكم التعليق!
جامعيون بجامعة شعيب الدكالي
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=23390