أمبراطورية الفساد فى آزمورالمنهوبة….
يعتبر الجهاز الإداري الأزموري من أقدم الأجهزة الإدارية فى جهة دكالة عبدة، إن لم يكن فى الجنوب الغربي للمملكة ، وقد مر هذا الجهاز بالعديد من مراحل التطور ارتبطت فى الأساس بالمذهبين الاقتصادى والسياسى اللذين اعتنقتهما الحكومة فى المغرب، بداية من النظام الاشتراكى وسيطرة القطاع العام وانتهاء باعمال آليات السوق والحرية الاقتصادية واتساع دور القطاع الخاص.
ولأن الفساد موجود أينما وجد البشر، فإن الفساد كان موجودًا فى الجهاز الإدارى الأزموري طوال تاريخه شأنه فى ذلك شأن الجهاز الإداري فى كل جهة من جهاد البلاد ولكن الجديد فى مدينة آزمور هو اتساع دائرة هذا الفساد لِيَلْتهم جزءًا كبيرًا من “كعكة” الاقتصاد الجهوي بعد أن كان يؤكل على استحياء فى الماضى .
ويرى البعض أن حجم الفساد فى الاقتصاد الأزموري لم يتزايد فى السنوات الأخيرة وإنما الذى تزايد هو معدل الحديث عن الفساد ومحاولات كشف الفساد فى ظل مناخ الحرية الراهن الدي دشنه مند اعتلائه عرش أسلافه الميامين الملك محمد السادس نصره اللة و أيده و حفظه من كل مكروه، فقد كان هناك فساد فى ظل القطاع العام، وكذلك أصبح متواجدًا فى ظل القطاع الخاص ولكن المؤكد أن حجم الفساد تزايد مع تزايد حجم النشاط الاقتصادى الاقليمي وتزايد عدد المشروعات وتزايد حجم الأموال التى تتعامل فيها هذه المشروعات فى نفس الوقت الذى لم تتمكن الحكومة الحالية من تطوير الإطار التشريعى لكى تلاحق هذه التطورات فى حجم المشروعات وفى حجم الأموال التى تتعامل فيها أو لتكوّن تشريعات أكثر إحكامًا وضبطًا للحرية الاقتصادية التى دبت فى النشاط الاقتصادى الدكالي.
ولأن الفساد تطور، فقد تغيرت أيضًا طريقة تعامل الحكومات المغربية المتعاقبة مع قضايا الفساد حيث ظلت بعض الحكومات تفضل عدم التحدث صراحة فى قضايا الفساد انطلاقًا من أن الحديث فى هذه الموضوعات وإثارتها فى الوسائل الإعلامية يؤثران على مناخ الاستثمار ويؤثران على تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى الاقتصاد المغريبي ولكن بعد أن تأكد أن ذلك لم يجذب رؤوس الأموال إلى الاقتصاد الوطني بدأت الحكومات تسمح بالحديث والنشر فى قضايا الفساد بغرض إشاعة مناخ من الشفافية وخلق اتجاه عام نحو كشف هذه القضايا والقضاء عليها.
وقد جاء ذلك مصاحبًا أيضًا لتطور حجم الفساد بعد أن كانت الحكومات تغض الطرف أو تتساهل بشأن حدوث سرقة أو إهدار لجزء بسيط من المال العام فى سبيل إضافة مشروع جديد إلى الاقتصاد المحلي، وهو ما يعنى كون المشروع هو الأساس والفساد هو العرضى، وفى ظل الظروف الراهنة أصبح الفساد هو الأساس والمشروع هو العرضى، ومن ثم لم يعد هناك ما يدعو الحكومة إلى التساهل مع قضايا الفساد.
ولا يمكن إنكار أن الجهاز الإدارى المغربي كان -ومازال- يعانى العديد من المشاكل حيث يوجد تعقد وبيروقراطية فى الإجراءات وانخفاض فى كفاءة ومهارات وقدرات العاملين بالجهاز الحكومى والقطاع العام خاصة فيما يخص قدراتهم على الابتكار والتجديد.
وقد ساهمت هذه المشاكل بدور كبير فى انخفاض الإنتاجية وتدهور معدلات الأداء فى القطاع العام لذلك كان لابد من تطوير هذا الجهاز على جميع مستوياته العليا والدنيا ومن هنا كان طرح فكرة التطوير الإدارى فى البلاد.
وبدلاً من أن تقوم الجهات الحكومية والوزارات بإعادة تدريب وتأهيل العاملين بها وإكسابهم مهارات جديدة ورفع معدلات الأداء والإنتاجية لهم وتزويدهم بالإمكانيات التى تساعدهم على أداء وظائفهم -كما هو متعارف عليه فى جميع دول العالم- قامت بعض هذه الجهات بتبنى فكرة الجهاز الإدارى الموازى والجراج الكبير.
وتنطلق هذه الفكرة من أن العاملين القدامى والحاليين بالجهاز التشريعي المحلي و الجهوي عناصر غير مرغوب فيها لأنها معوقة لمسيرة التطوير وغير قادرة على القيام بدورها بكفاءة ولذلك يجب استبعادها تمامًا من مجال العمل أو اتخاذ القرارات أو رسم السياسات.
ولأن القائمين على اتخاذ القرار فى هذه الوزارات، خاصة هؤلاء الذين حصلوا على الدكتوراه من أمريكا أو بريطانيا وتأثروا بالفكر الرأسمالى على طريقة هذه الدول -يدركون صعوبة التخلص من كل هؤلاء الموظفين فى الجهاز الحكومى، فقد جاءوا بهذه الفكرة التى يصفونها بالنوع المفتخر من الأفكار وهى تنقسم إلى قسمين هما:
الأول: الجهاز الإدارى الموازي، حيث يتم تعيين أفراد جدد وتشكيل كيان تنظيمى يحل محل الكيان التنظيمى الرسمى فى هذه الوزارات، خاصة فى مكاتب الوزراء والمكاتب الأمامية ويعمل هذا الجهاز بالتوازى مع الجهاز الأساسى غير المرغوب فيه.
الثاني: وهو الجراج الكبير، حيث يتم التغلب على المشاكل التى يمكن أن تحدث بسبب الجهاز الموازى من جانب العاملين الأساسيين عن طريق وضع هؤلاء العاملين فى دائرة مغلقة معزولة عن باقى التنظيم الإدارى يطلق عليها “الجراج الكبير” وتسند إليهم بعض الأعمال التافهة والتقليدية التى يمكن أن توصف بأنها أعمال تسهيلات ولا تتم تغذية هذا الجراج بموظفين جدد حتى تنقرض هذه النوعية بمرور الوقت.
ورغم أن هذه الفكرة تسبب العديد من المشاكل مثل: الازدواجية وعدم المبالاة وعدم الانتماء والحقد وكراهية العمل فإنها كانت بوابة الفساد وإهدار المال العام كمثال لما حدث فى بلدية آزمور مع مر الزمن و العصور.
ويدخل الفساد من خلال هذه البوابة عن طريق تعيين العديد من أفراد الجهاز الموازى من أصحاب المحسوبية والواسطة وأبناء أصحاب المناصب المهمة فى الدولة وبذلك تقل أهمية المهارة أو الكفاءة أو السن أو سنوات الخبرة وهو ما يعد تعارضًا مع القوانين المعمول بها فى مجال التعيين فى الجهاز الحكومي.
وكذلك حصول أفراد الجهاز الإدارى الموازى على أجور ورواتب مرتفعة جدًا تفوق ما يحصل عليه “وزيرة” فى الجهاز القديم رغم هؤلاء الأفراد من حديثى التخرج ومحدودى الخبرة.. هذا إلى جانب حصولهم على جميع التسهيلات والتجهيزات ابتداء من مكان العمل المناسب وانتهاءً بالدورات التدريبية والسفريات إلى الخارج التى لا تحكمها قواعد، وكأن المؤسسات التى يعملون بها هى إقطاعيات توارثوها عن أجدادهم ويطلقون العنان لطموحاتهم وتطلعاتهم ويتخذون كثيرًا من القرارات التى يجانبها الصواب، خاصة فى إنفاق ميزانيات هذه المؤسسات التى تموّل من ميزانية الدولة ومن أموال الضرائب التى يدفعها الشعب المغربي.
وفى الغالب يتم تمرير هذه القرارات غير السليمة لعدد من الأسباب، أهمها أن الضالعين في معرفة القواعد التي تحكم العمل الحكومي واتخاذ مثل هذه القرارات فى الجهاز الأساسي من أصحاب الخبرة تم تجنيبهم وإدخالهم “الجراج الكبير“.
وأن المحيطين بمتخذى القرار من أفراد الجهاز الموازى ليست لديهم خبرة بهذه القواعد.
بالإضافة لانتماء أفراد هذا الجهاز إلى مكان العمل وحرصهم على المصلحة العامة يكون مشكوكًا فيه لإيمانهم بأن وجودهم وبقاءهم فى هذا المكان مرتبطان ببقاء متخذ القرار الذى أتى بهم إلى هذه المناصب.
وأن إهدار المال العام من جانب أفراد الجهاز الإدارى الموازى يرجع لأنهم يدركون أن المسئولية الحقيقية عن التعاملات ذات الجانب المالى هى مسئولية أفراد الجهاز الأساسى الموجود فى “الجراج” وذلك ثابت من واقع الأوراق والمستندات الخاصة بالمناقصات والمشتريات وصرف الحوافز والرواتب وغيرها من التعاملات المالية.
وتعتبر مهمة كشف الفساد من أهم وظائف الصحافة، حيث تقوم الصحافة بهذا الدور ببراعة فى أي دولة من دول العالم بما فيها المغرب، وقد تحدثت جميع الصحف على اختلاف مشاربها وانتماءاتها عن الفساد بلهجة واحدة لا فرق فى ذلك بين “الصحف الحكومية” أو الصحف الحزبية أو الصحف الخاصة.
ورغم أن دور الصحافة ووضعها فى المغرب رائد وفعَّال لا يمكن إنكاره فإنه لا يخلو من شيء عجيب، فإذا قرأ المواطن الصحف الوطنية و منها العنكبوتية شعر بأن المغرب ليست مجرد دولة عادية كمعظم الدول ولكنها دولة رائدة وعصرية وحكوماتها حكومات مثالية طوال العصور.. وتخرج بعد قراءة هذه الصحف بأنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان.
على الجانب الآخر إذا قرأت الصحف المعارضة أو المستقلة تشعر بأن الفساد متغلغل فى كل شيء وأن الأساس فى الاقتصاد هو الفساد والاستثناء هو الانضباط وهذا الوضع مستمر منذ سنوات ماضية، وهذا أوقع معظم المغاربة فى تناقض خطير مع أنفسهم فهم لا يعرفون من يقول الصدق ومن يكذب عليهم وإذا كانت الصحف المعارضة غير صادقة فيما تقوله فلماذا تتركها الحكومة دون محاسبة على ما تنشره من أخبار كاذبة عن الفساد والمفسدين؟
والأخطر هو ما ينشره عن علاقة الفساد ببعض الصحفيين ووجود عدد كبير من العاملين فى مجال الصحافة يتقاضون مبالغ شهرية من بعض رجال الأعمال أو من بعض الجهات الحكومية حتى يجعلوا من بعض الأفراد مادة لإخبارهم لتحقيق مصالح لهم.
وفى إطار قيام الصحافة بهذا الدور عملت على تلميع بعض الشخصيات فى الحكومة أو فى مجال الأعمال فجعلت من بعض الأفراد محدودى الخبرة خبراء فى مجال الاقتصاد، فهذا خبير فى أسواق المال وذاك مستشار اقتصادى وتلك مؤهلة لتكون وزيرة فى المستقبل وهؤلاء خبراء فى عمل ووووو…..وعمليات المقاصة.
حيث انتقلت هذه الظاهرة فى معظم المؤسسات حكومية وغير حكومية.. ولم يعد الفساد مقصورًا على مؤسسات الإنتاج أو الإدارة ولكنها انتقلت إلى المؤسسات التعليمية التى يتمثل هدفها فى الأساس فى بث القيم والالتزام بين أفراد المجتمع، خاصة الشباب الذى يمثل العنصر الأساسى فى عملية التطوير فلم تسلم الجامعات من هذه الظاهرة، فهناك سرقات مالية وإهدار للمال العام فى المناقصات الخاصة بالإنشاءات وهناك سرقات عملية من عمداء وأساتذة بعض هذه الجامعات وتعيين بعض الأفراد من أبناء الأساتذة فى الجامعة دون وجه حق.
ولا شك أن هذا الانتشار السريع للفساد جاء بسبب التأخر وعدم الصرامة فى محاسبة مرتكبى الفساد.. بالإضافة إلى أن عدم الجدية فى التعامل مع قضايا الفساد ، تغذّى الفساد بطريق غير مباشر ولذلك فإن الأمر يحتاج إلى تفعيل دور الأجهزة الرقابية مثل: الجهاز المركزى للمحاسبات وغيره من الأجهزة الرقابية لتتحول عملية الرقابة فيها من عملية شكلية إلى عملية محكمة تكشف عن الحقائق وتضع نهاية معروفة ومنطقية لما يُنشر عن قضايا الفساد حتى لا يكون الحديث عن الفساد فى المغرب من باب امتصاص غضب المواطن مع بقاء الحال على ما هو عليه وحتى لا يكون التطوير والتحديث بوابة الفساد فى المغرب.
ولا شك أن تقديم أكثر من مسئول مؤخرًا للمحاكم بتهمة الفساد بالجديدة خطوة مهمة لمحاربة هذا الفساد رغم أن هناك رؤوسًا كثيرة طليقة ولكن حبّات المسبحة كثيرة وفرط عقدها يستتبع كحبات المسبحة واحدة تلو الأخرى.
أن انتشار الفساد نابع من انعدام الضمير وضياع رهبة الموت من القلوب التى باتت بعيدة عن ربها فسيطر عليها الشيطان ونفخ فيها من سمومه وأحقاده، فسيطرت الدنيا وتراجعت الآخرة وعم الفساد والبلاء
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=906