د. عادل محمد عايش الأسطل
من السهل الصعود على الشجرة لكن من الصعب النزول عنها، فبعد 66 عاماً من إقامة الدولة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو”، بتكرار الاعتراف بأن إسرائيل أمامها تحديات كثيرة، وأن على الإسرائيليين الاستمرار في توفير القدرة اللازمة للدفاع عنها باعتبارها أساس الوجود، ونوّه لأجل طمأنة الكل(متدينين ويمينيين علمانيين ويساريين، وغيرهم، إلى أن إسرائيل هي الآن أكثر قوّة عن ذي قبل، وتزداد كلما مر الزمن، بسبب أن الأحداث على مدى استمرارية الدولة، لم تجعلها تنس دروس التهديدات القاتلة، وفي نفس الوقت بالطبع، رغب في إيصال رسالة واضحة، تفيد بأن إسرائيل لديها جيش قوي وعتاد متقدم، وأطراف دولية تقوم برعايتها تكتيكياً واستراتيجياً، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وفي استطاعتها محاربة والتغلب على كل أعداءها شرقاً وغرباً بمن فيهم إيران، وإخضاعها للمشيئة الإسرائيلية.
من الطبيعي جداّ أن يدّعي “نتانياهو” بأن دولته تتفوّق في القوة على كثير من الدول ودول المنطقة بخاصة، وبادعاء الشجاعة والبذل والتضحية من أجل بناء الدولة واستمرارية وجودها، إلاّ أن ذلك كله لا يمهّد الطريق أمام الاستقرار المطلوب، بل يساهم بطريقة أو بأخرى نحو العنف والفوضى، وهذا ما يخشاه الخبراء من السياسيين والعسكريين على حدٍ سواء، لما ينطوي عليه الحديث، بأن إسرائيل تعتمد على القوة، وليست معنية بالبحث عن السلام.
ربما الذي شجع “نتانياهو” على التفوّه بهذه الشحنة من الكلام، ليس بسبب الطقوس الاحتفالية باستقلال الدولة، أو بسبب تخليد ذكرى النصر- الحلفاء- على الألمان، أو لاسترضاء المتطرفين في داخل الحكومة أو الدولة بشكلٍ عام، بل لبلوغ ذروة نشوته، في أعقاب شعوره بوضوح، بنزوع المجتمع الإسرائيلي وبخاصةً جيل الشباب نحو اليمين الذي يعتز بقيادته، والذي لم يكن هكذا فجأة وبلا سابق معرفة، فعلى الرغم من عدم رضى ذلك المجتمع بإنجازات الحكومة على المستوى الداخلي وخاصة فيما يختص بالنواحي الاقتصادية، التي لا زالت دون طموحه العام، لكنه لم يُخفِ بأن هناك من الأعمال المُنجزة باعتبارها جديرة بالتقدير وتجلب التفاؤل إلى حد ما، حول مستقبل الدولة في السنوات المقبلة.
حتى في مسألة تأييده لخطط الحكومة في مواقفها بشأن التسوية والقضايا الجوهرية وباتجاه وقف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني على المستوى التفاوضي، حيث نجحت حكومة “نتانياهو” من خلال آلتها الإعلامية والدعائية في استقطاب فئات مهمة وكبيرة من كافة الأوساط الإسرائيلية، مغتنمةً – كما الزعم- على الأخطاء الفلسطينية، سواء بإثبات إفسادهم لجهود السلام، أو بأنهم استبدلوا السلام بالتهديد باللجوء إلى الأمم المتحدة وبمحكمة الجنايات الدولية، ثم بسبب اتفاق المصالحة الذي تم التوصل إليه بين حركتي فتح وحماس، لِما ما يعتقدون به من أن الاتفاق من شأنه أن يعرض للخطر إسرائيل، على الرغم من تأكيدات فلسطينية أمام الكل، بالتزامها التام والكامل بمفاوضات السلام، وبأن المصالحة هي شأن داخلي وأنها لن تؤثّر على العملية السياسية، كما أن حالة الهزال العام التي يُعانيها اليسار الإسرائيلي حيث بات مختفياً عن الساحة السياسية الإسرائيلية طوال الفترة السابقة وإلى الآن، ساهمت في استدراج اليمين وإمالته نحو السعي إلى مباركة خطوات الحكومة.
تلك الحكومة التي استطاعت إمالة أغلبية الجمهور إلى نحوها في كافة القضايا السالفة الذكر برغم صعوبتها واحتمالات أن تكون لها تداعيات مؤلمةـ، هي ولا شك قادرة على تمرير قانون الدولة اليهودية، وإن بحجة أن الإجراء ليس له أية صلة سياسية، وأن لا أحد سيعاني من الضرر، وأن الحقوق الفردية مكفولة لجميع المواطنين في إسرائيل.
قوة اليمين الإسرائيلي، هذه لم تقتصر على الإسرائيليين فقط بل تجاوزت إلى الأمريكيين أيضاً، بحجة المصالحة الفلسطينية على الأقل، على الرغم من النسبة الكبيرة لديهم، تداوم التشكيك في إتمامها، حيث سعت الحكومة الإسرائيلية إلى التأثير على صانعي القرار هناك، في اتجاه مد الخطى في اتجاه تعزيز الأمن والاقتصاد الإسرائيليين، ومن الناحية الأخرى نحو التأهّب لعرقلة أيةّ مساعٍ للفلسطينيين في شأن انضمامهم للهيئات والمحافل الدولية التابعة للأمم المتحدة وأهمها محكمة الجنايات الدولية، إلى جانب ضرورة اتخاذ خطوات تشريعية حقيقية، نحو قطع المساعدات المالية المخصصة للسلطة، في صورة قانون على الرغم من أن هناك تشريعات سابقة تمتلك بند متعلق بقطع تلك المساعدات أو تقليصها على الأقل، باعتبارها ضغوطات تعمل على الحيلولة دون اتمام تحقيق الطموحات الفلسطينية ككل، لا سيما في ضوء الضمانات الأمريكية بأن مسألة أن تتكفل أغلبية الدول العربية بتغطية المعونات، هي غير واردة ولن تكون متواصلة بسبب رضوخها للولايات الأمريكية، وعلاقاتها المفترضة مع الدولة الإسرائيلية، الأمر الذي فيما لو تحققت مثل هذه الضغوطات، قد تؤثر على جملة المشاريع الفلسطينية بما فيها المصالحة.
لكن “نتانياهو” نفسه وحكومته واليمين الذي يدور حواليه، وعلى الرغم من محاولتهم من إثبات أنفسهم على الواقع من خلال مداومة اغتصاب الأرض الفلسطينية وتغيير ملامحها، واعتماداً على تهجير سكانها وسلب مقدراتها، بعد حروب وجرائم واعتداءات متكررة، وحصار على مدى الوقت وفي الأثناء، يعلمون جميعهم، بأن دولة اسرائيل لا تزال غير مُدرجة بالمعنى الحقيقي لدى العرب عموماً، ولا تزال غير مفهومة لدى الفلسطينيين على نحوٍ خاص، وإن كانت هناك اعترافات (علنية وسريّة) فهي آنيّة وهامشية ولا يُعتد به، وإلاّ ما معنى أن سواد الدولة من قادة وساسة وخبراء ومواطنين وعلى اختلافهم يشككون في هذه الاعترافات جملة وتفصيلاً، وحتى في امكانية استمرار وجود الدولة من الأساس، ولذلك فإن من الصعب في الآن وفي المستقبل، أن يتصور أحد ما في إسرائيل بإمكانية العيش في مأمن، ودون أن يُعاني في كل يومٍ نكبة، حتى في ظل وجود سلام، لأن آثار النكبة الفلسطينية لا تزال ماثلة أمام الأعين ومحفورة في داخل الأنفس، وليس بالإمكان محوها أو شطبها من أجندة التاريخ وإلى الأبد.
خانيونس/فلسطين
8/5/2014
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=7208