أزمور أنفو24 :بقلم محمد الماجي
يحتفل العالم الاسلامي في هذه الايام المباركة بحدث الاسراء و المعراج ، الذي اتصلت فيه الارض بالسماء ، من خلال تلك الرحلة المباركة التي أكرم بها الله سـبحانه رسوله صلى الله عليه و سلم ، و من خلاله الامة المحمدية جمعاء . و التي ربطت بين مكة و سدرة المـنـتهـى ذهـابا و ايـابا مـرورا بالـمسجد الاقصى .
و هي الرحلة التي أسري فيها بالرسول صلى الله عليه و سلم من المسجد الحرام بمكة الى المسجد الاقصى بفلسطين . ثم عرج به مـن هـناك الى سدرة المنتهى ثم العودة من جديد عبـر نفـس المسار . وقد رأى فيها من آيات ربه الكبرى ، حيث فرضت عـلـيه الصـلاة هـنـاك . كـما رأى أكلة الربا، و الـزنـاة ، و مـــانــــعي الزكاة … يعذبون …
و على الرغم من اختلاف الروايات بخصوص تاريخ الاسراء و المعراج ، هل فعلا وقع خلال شهر رجب ام خلال شهر اخر ( رمضان ، المحرم ، ربيع الاول …) فان ما يـهـمـنـا مـن هـذا الـحـدث العظيم هو تلك الدروس و العبر ، التي ينبغي ان نسـتـفـيدها منـه وهي بالـمنـاسبة كـثـيـرة و مـتـنـوعة ،
و من بينها :
1– تسلية الرسول صلى الله عليه و سلم و مواسـاتـه تـعـويـضـا لـه عـمـا لاقــاه مـــن أذى المشركين ، لاسيما في الوقت الذي فقد فيه ذراعين كان لهما أثر كـبـيـر فـي نجاح الدعوة : أولهما زوجه خديجة ام المؤمنين ، أول من أسلم على يدي المصطفى . و ثانيهما عمه ابو طالب ، الذي وقف في وجه أعتى صناديد الشرك الطامحين الى قتل الدعوة الاسلامية في المهد ، الى درجـة أن الـنـبي عـلـيـه السلام حزن حزنا شديدا على هذا الفراق ، مما جعل مؤرخي الاسلام يسمون هذا العام بعام الحزن ،
2 – تطمين الرسول صلى الله عليه و سلم بأن دعوته لا محالة في طـريـق الـنـجـاح ، فاذا ضاق بها أهل الارض و لم تقبلها نفوس صناديد قريش فان أهل السماء مستعدون لنصرتها ،
3 – ابراز منزلة الصلاة و قيمتها عند الله سبحانه و تعالى ، لذا شـاء لـهـا أن تـفــرض فـي السماء فيكون أداؤها في وقتها بشروطها و فرائضها و سننها صلة بين العبد و ربه ،
4 – ابراز مكانة القدس في الاسـلام ذلـك أنـه مـسـرى رسـول الله صلى الله عليه و سلـم ، و كان ذات يوم قبلة المسلمين . و لذلك يجب أن يستحضر المـسلـمـون الـيـوم تلك المكانة الرمزية ، و ما قام به الاجداد لاسترجاعه فتحيى عزيمتهم و تنهض هممهم مرة اخرى لاستعادته ،
5 – توحد الامة الاسلامية من جديد من خلال التفافها حول نهج رسولها الكريم ، باعتبار هديه خير الهدي ، و باعتباره الواسطة بين الله و عباده يبين لهم شرائعه و يبلغهم كلامه ، و ذلك بهدف استعادة أمجادها حين كانت قائدة للعالم على كافة المستويات ،
6 – نصرة أهل فلسطين باعتبارهم جيران الاقصى و حماته لاسيما و أنهم يعانون اليوم القهر و الظلم و الاضطهاد … ،
7 – نقل تلك المشاهد التي تبرز عاقبة العصاة من زناة و اكلة للربا و مانـعي الزكاة … ، و ما يتعرضون له من تعذيب جراء خروجهم عن حدود الشرع و انتهاك حرماته . و للأسف الـشـديـــــد و رغم ما اخبر به المصطفى الا أن الكثير ممن ينتسبون الى هذا الدين لا يتورعون في اقتراف مثل هذه الذنوب ،
8 – كلما اشتدت الشدائد و المحن كان ذلك ايذانا بدنو انفراجها ، ما دام العبد راضــيـــــــا بقضاء الله و قدره ، متوكلا عليه في كل أموره حق التوكل راهنا مستقبله بيده ، اخذا بالأسباب الـمطلوبة شرعا . و لذلك فان حدث الاسراء و المعراج وقع في الوقت الذي تكــالــب فـيـه الأعــداء عـلـى الدعــوة المحمدية ، و حاصروا صاحبها و من تبعه من المسلمين في شعب ابي طـالـب مـدة لـيـست بـالـيــسـرة ، و تعاهدوا أن يقاطعوهم مقاطعة شاملة ، و كتبوا في ذلك وثيقة و عـلـقـوها في جوف الكعبة لكن كما قال الحق سبحانه و تعالى ( يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين ) ،
9 – تمحيص أهل الحق من أهل الباطل ، فما ان أخبر الرسول صـلـى الله عـلـيه و ســلم الناس بذلك حتى سارع الكثير منهم الى تكذيبه ، و الاستهزاء منه ، بما في ذلك الذين أسلموا حديثا حيث ، ارتد منهم من ارتد عن الاسلام . لكن أهل الحق الصادقين لم يكن ذلك ليثنيهم عن الطـريـق المــستقيم ، فقد رأوا من آيات ربهم التي تتحقق على يدي نبييه ما لا يدع مجالا للشك في أمر الرسالة ، و من هؤلاء أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، حيث سارع اليه أهل الشرك مستـغربـين مـمـا قـاله محمد ( صلى الله عليه و سلم ) فما كان منه رضي الله عنه الا أن قال : ان كان قال ذلك فقد صدق … ،
10 – تهيئ الرسول صلى الله عليه و سلم لمـا يـأتـي في المستقبل القريب ، حيث ان أمــر الدعوة سينتقل الى مستويات أخرى ، تتمثل في الهجرة و مفارقة الأهل و الأقارب و البلد ، و الانـتــقـال الى بلد أخر ( المدينة المنورة ) و تأسيس دولة جديدة هناك ، ستجد نفـسـها فـي مـواجـهـة ثـقـافات أخرى ( اليهود و المنافقين ) ، و جهاد ضد أعداء الدين الطامـحـين الـى الـقضاء عليه ( من خلال الغزوات ) ، اضافة الى التشريعات التي ستأتي تباعا ( الصوم و الزكاة و الحج ) و تقنين المعاملات …. ،
11 –تذكر و استحضار حياة ذلك الجيل العظـيـم ، الـذي تـحمـل الشـدائـد و الـمـحـن علــى اختلاف انواعها ، و ضحى بالغالي و النفيس في سبيل نجاح الدعوة الاسلامية ، التي جــاءت لـتـخـلــص الناس من عبادة العباد الى عبادة رب العباد ، و من جور الأديان الى عدل الاسـلام ، و فــي ذـلـك رسـالـة عظيمة الى شباب اليوم ، هذا الذي غابت عنه القدوة الصالحة ، فراح يقلد من هب و دب ، وصــار كـل همه هو شكل اللباس ، و طريقة حلاقة الشعر ، و قتل الوقت بالدردشات و ارسال الرسائل عبر شــبـكــة الانترنيت و الهواتف النقالة ، ففقد الى حد ما عزته و كرامته و تنكر لهويته و تنـاســى – أو قل جهل – مجد أجداده الذي سطروه بدم الشهادة و علو الهمة والاعتماد على النفس بعد التوكل على الله ، فصار مثل ذلك الغراب الذي أعجبته مشية الحمامة فأراد أن يقلدها ، و استغرق في ذلك زمانا فلم يستطع ، و اراد أن يعود لمشيته فنسيها ، فما كان منه الا أن مشى يتعثر هنا و هناك …
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=16435