ازمور انفو24 المتابعة:عبدالواحد سعادي.بقلم بوشعيب لسان الدين
امحمد التريعي بن المعطي ،من الزعماء المشهورين الذين عرفتهم قبائل دكالة في بداية القرن العشرين .ترجع شهرته إلى ما طبع حياته من جهاد ضد الاحتلال الفرنسي .ولد حوالي 1273 ه / 1856 م ،إذ قدرت بعض الاستخبارات الفرنسية السرية عمره سنة 1911 بحوالي 55 سنة ،ينتسب بالضبط إلى دوار أولاد بومغزل من فخذة التريعات وهي إحدى الافخاذ الأصلية المكونة لقبيلةالحوزية التي توجد مدينة آزمور بترابها.
ويستفاد من الوثائق المغربية الرسمية أن محمد التريعي كان قائدا سنة 1312 ه/ 1894 م ،أيام كان عبدالرحمن بركاش قائدا على مدينة الدارالبيضاء وأحمد بن العربي قائدا على مديونة، كما نجد أن محمد التريعي قد ألقي عليه القبض من قبل الجيش الفرنسي المحتل وسجن بالدار البيضاء مع قائدين آخرين من دكالة هما أحمد البوعزيزي قائد أولاد بوعزيزي وسعيد الفرجي قائد أولاد أفرج ،وقد نقل القياد الثلاثة إلى سجن الرباط بأمر من الصدر الأعظم أحمد بن موسى الذي يبدو أنه أبقاهم في السجن الى وفاته سنة 1318 ه/1900 م ،فيما أشارت بعض التقارير السرية سنة 1329 ه / 1911م ،الى ان محمد التريعي كان متوليا القيادة منذ حوالي 12 سنة ،وعلى هذا الأساس يبدو أنه رجع لقيادته قبيل أو عقب وفاة الصدر الأعظم المذكور في ماي 1900 ذلك الوزير الذي اشتهر بإلقاء العديد من قواد القبائل في غياهب السجون.
الواقع أن محمد التريعي تولى القيادة خلفا لشقيقه الأكبر الذي كان قائدا على قبيلة الحوزية ،هذا الأخير الذي خلف هو أيضا والده القائد المعطي الذي كان مقدما للطلبة حفظة القرآن الكريم ،فعين قائدا بالحوزية بظهير شريف من السلطان مولاي الحسن الاول،كما كان نجله محمد التريعي طالبا حافظا للقرآن العظيم بدوره وكان على صلة وعلاقة حسنة مع القياد الكبار بالمملكة مثل عيسى بن عمر العبدي الذي ترقى إلى منصب وزير الداخلية أنذاك .إلا أن محمد التريعي الذي كان يقود قبيلة تحرس المجال الممتد من مدينة ازمور إلى جوار مدينة الجديدة ،وبما أن النفوذ الأجنبي بالجديدة كان يتزايد باستمرار ،حيث أن قناصل الدول الأجنبية وخاصة قناصل فرنسا واسبانيا وإنجلترا، كانوا نشيطين في نشر نفوذ بلدانهم بين اعيان دكالة وخاصة بين القياد ،نظرا لكل ذلك ،فقد أصبح محمد التريعي محل مراقبة شديدة من طرف الفرنسيين الذين لم يرغب في وضع يده بأيديهم ،وتؤكد استخبارات الفرنسيين إلى أن علاقة الرجل بهم كانت سيئة إلى سنة 1329 ه / 1911 م ، وسنرى أنها ظلت سيئة إلى ما بعد ذلك التاريخ بل ازدادت سوءا.
طبعت حياة ولد التريعي بالصراع المرير ضد الأجانب ،علاوة عى أن الرجل الذي اشتهر بالشجاعة والصرامة كان مصمما على عدم خدمة أهداف الفرنسيين ،ويظهر نتيجة لذلك انه انظم للحركة الحفيظية (مولاي عبدالحفيظ ) حيث أصبح من أعمدتها في حوز ازمور والجديدة ،وأنه اختار طريق الجهاد ضد التدخل الفرنسي في المغرب .
أصبحت الدعاية الحفيظية نشيطة جدا بالمنطقة بفضل القايد التريعي ،حتى أن الفرنسيين الذين احتلوا الدارالبيضاء هددوا باحتلال مدينة الجديدة في صيف 1907 .وبالرغم من ذلك فقد تمكن الحفيظيون من السيطرة على ازمور بمساعدة التريعي ،ونظموا عملية تهريب الأسلحة إلى مجاهدي الشاوية عبر الجديدة وازمور.
ثم انتقل إلى الشاوية حيث اصطدم بقوات الجينرال”داما” في بداية 1908 ،حيث كان القائد التريعي يجاهد في المذاكرة مع بطلها الأحمر بن منصور ، ولا غرابة في ذلك ،فقد جذب مؤذن الجهاد بمنطقة المذاكرة أبطال من الحوز مثل عمر السكاني ومن الأطلس مثل موحا وسعيد الوراوي وموحا وحمو الزياني ،وهؤلاء قواد مشهورين في قبائلهم، أما غيرهم من المجاهدين فكانوا كثيرين.
عاد محمد التريعي إلى بلاده بعد سيطرت القوات الفرنسية على الشاوية ،كما تمكن قائد قوات الاحتلال من الحوز إلى ازمور التي احتلها، وابعد منها القائد الحفيظي حاسي الكلاوي ،كما عزل محمد التريعي عن قيادة الحوزية وولى مكانه في يوليوز 1908 ،غيره المؤيد للاستعمار ،لكن بمجرد عودة قوات الاحتلال إلى الشاوية عاد محمد التريعي إلى قيادته حيث قتل القائد الخائن الذي ولاه الفرنسيون وعلق رأسه على أبواب ازمور ،وفي هذه الأثناء حصل محمد التريعي على ظهير السلطان مولاي عبد الحفيظ بالتولية من جديد .
يتهم الفرنسيون المجاهد محمد التريعي بالتعسف والقسوة ضد محكوميه، وخاصة بعد احتلال مدينة آزمور من طرف القوات الفرنسية وخروجها منها. أما بالنسبة لعلاقته بالأجانب فيتهمونه بأنه كان يضيق عليهم المرور ويفرض عليهم اتاوات كبيرة وخاصة على الفرنسيين الذين يريدون قطع وادي أم الربيع إلى الشاوية ،أما فيما يتعلق بالحصول على الحماية الاجنبية،فكان التريعي ينكل بكل من يدعي تلك الحماية ولذلك تكاثرت شكايات الفرنسيين ضده عند السلطان مولاي عبد الحفيظ ودخلوا لديه لعزله، فلم يفعل ذلك إلا سنة 1912.ومنذ الحملة الفرنسية على فاس سنة 1911 وحصول الاتفاق الألماني الفرنسي حول المغرب في نونبر 1911 أخذ محمد التريعي يحتاط لنفسه ،دون أن يطلب الحماية الأجنبية إلا بعد أن أصبح مهددا لما تمكن الفرنسيون من فرض الحماية على المغرب كله في مارس 1912 واستصدروا قرارا بعزله.
وفي ابريل 1912 ذهب القائد المجاهد التريعي إلى القنصلية الاسبانية بالجديدة ليطلب من القنصل “لويس فباس” الحماية من بلاده وبمساعدة السيد “بوخول” كاتب القنصلية واليهودي المغربي يوسف ماهون، وهو سمسار إسباني ،تمكن القائد التريعي من الحصول على بطاقة الحماية الاسبانية ، وقد عارض الفرنسيون وحزبهم، منح اسبانيا حمايتها للقائد المجاهد ،فاحتج النائب محمد الحباص والوزير المقري على تلك الحماية،لكن البعثة الاسبانية بطنجة لم تتخل عن حماية الرجل وظل محمد التريعي بالرغم من توقيفه يمارس مهامه كقائد بقبيلته الحوزية إلى شهر يوليوز 1912.
وفي 23 يوليوز احتل الكولونيل “مانجان” مدينة آزمور ،وجعلها مركزا لعملياته بدكالة ،فقد عين قائدا عاما ومشرفا سياسيا مكلفا بتهدئة المنطقة،بمعنى مكلفا بالقضاء على كل نفوذ معارض للاحتلال الفرنسي بالقبائل الدكالية ، وكان القضاء على نفوذ القائد التريعي في مقدمة اللائحة ،ولذلك قرر الكولونيل مانجان قنبلة قصبة التريعي وإلقاء القبض على الرجل في فجر يوم 4 غشت ،لكن محمد التريعي الذي فطن الأمر غادر القصبة ليلا ،والتجأ إلى دار صديقه المخلص اليهودي “سيكسو”وهو محمي إسباني يسكن بقرب مدينة الجديدة “المويلحة حاليا” وفي الغد قنبلت قوات الاحتلال قصبة التريعي وصادرت املاكه، وجميع ما تحتويه من سلاح ووثائق.
كما أقدم المستعمر على تجنيد كل ما عنده في الجديدة و حاصر دار “سيسكو” بمساعدة طابور بوليس الجديدة لينقض على التريعي ،وتشير بعض المراسلات الفرنسية إلى أن القائد محمد التريعي ،طلب التفاوض مع القنصل الفرنسي ،فذهب هذا الأخير بصحبة قائد طابور البوليس وضابط صف إلى دار “سيكسو” حيث خرج إليهم التريعي مع بعض رجاله ،ووعد القنصل بالاستسلام للقنصلية الفرنسية،وتتهم الروايةالفرنسية القنصل الاسباني بالتدخل في الأمر مما دفع التريعي إلى التراجع عن وعده.
عزز الفرنسيون في يوم 5 غشت طابور البوليس برفقة من الرماة لتشديد الحراسة حول دار اليهودي خوفا من خروج التريعي منها ،وفي المساء حدث تبادل لإطلاق النار بين دار سيكسو والقوات المحاصرة لها ،وفي هذه الأثناء تجمعت الجالية الفرنسية بالجديدة ،بدار القنصلية الفرنسية،حيث تسلح افرادها وبدأوا يقومون بأعمال دورية بضواحي المدينة ،ونتيجة لهذه التطورات ،ونظرا لما قام به الفرنسيون من استعدادات حربية ،خيم على الجديدة في صباح يوم 6 غشت جو مكهرب، فلم تفتح المتاجر أبوابها وظلت مصالح الديوانة والمصالح التي يراقبها الفرنسيون كالبنك المخزني ومراقبة الدين مغلقة بدورها،وكان الجميع يحس بقرب حدوث انفجار ما ،وفي الساعة الواحدة بعد زوال يوم 6 غشت أي في الوقت الذي تشتد فيه وطأة درجة الحرارة ،فوجئ المحاصرين لدار سيكسو باندفاع الفارس المغربي المجاهد متجردا من ملابسه ولم يبق عليه سوى الجلابة،يتجه بعض رجاله ونتيجة للمفاجأة وللسرعة الفائقة التي اندفع بها حصان التريعي خارج دار سيكسو ،لم يتمكن الجنود الفرنسيين من إصابته بالرغم من النيران التي صوبت نحوه.
هكذا تمكن القائد المغوار من التخلص مرتين متتاليتين من الجيش المستعمر المحاصرين له الأولى بقصبته بالحوزية والثانية بدار صديقه سيكسو بالجديدة، ثم اختفى التريعي وسط بادية دكالة دوم أن يجرأ أحد على مطاردته، ومع ذلك واصل القائد المجاهد نضاله ضد المحتل الفرنسي بعد انضمامه إلى مجاهدين آخرين بالاطلس المتوسط إلى جانب موحا وحمو الزياني حيث شارك في جهاد قبائل المنطقة ضد الاستعمار الفرنسي ،الى ان وافته المنية هناك ودفن بالأكل المتوسط كذلك.
الهوامش:
– وثائق خ.ح .الوثائق الدبلوماسية بمدينة نانت الفرنسية
– نشرة أفريقيا 1912.
– الرواية الشفاهية .الحاج بوشعيب لسان الدين بن الحاج العربي ابن خال القايد امحمد التريعي.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=22522