بقلم عباس فراسي
قبل أن التحق للعمل بعبدة وتحديدا قبيلة احمر، لم أكن اعرف شيئا عن فن العيطة، سوى سهرات التلفزة المغربية أيام السبت مساء. لكن مصادفتي لإحدى المهرجانات سنة 2004 بمدينة اليوسفية او مدينة التراب كما كان يحلو لزفزاف تسميتها، جعلني اعشق هذا الفن المغربي الاصيل، بل و تمادى عشقي للعيطة الى درجة اني قمت رفقة احد اصدقائي بزيارة للفنانة الشعبية الشيخة عيدة بشارع مولاي الحسن باسفي، و كم كان ترحابها بنا كبيرا، وكرمها لا يوصف رغم انها بلغت سنا متقدما، لقد وقفنا في تلك الزيارة على معاناتها من الاهمال من طرف المسؤولين، و وعود احد العمال بالكريمة، و جفاء شيخات شابات، و حكاية مثقفين نهلوا منها ليغذوا ابحاثهم التي اشتهروا بها و لا يزالون الى الان. تحدثت عيدة اطال الله في عمرها عن عصرها الذهبي رفقة زوجها الشيخ الدعباجي الذي صنع معها ربرتوارا لا يعاد في فن العيطة بشتى ايقاعاتها. نفس الحكاية ستتككر عندما سالتقي صدفة بالفنانة السعدية الزمورية بمدينة ازمورالعتيقة فكان لي معها لقاء شيق، وقفت فيه على مسيرة فنانة عصامية قنوعة و عاشقة لمدينتها التي سيرتبط اسمها بها فمن هي السعدية الزمورية؟ تجيب السعدية بتلقائيتها المعهودة: انا السعدية الزمورية و اسمي الحقيقي السعدية بنمنصور بنت ازمور المدينة التي لا ارضى بديلا عنها، لان بدايتي الفنية كانت بها، اذ لم اكن افارق صديقاتي في الحي و كنا نغني لوقت طويل لدرجة ان والدتي كانت تتبعني لتمنعني من ذلك لانني كنت اساعدها في مختلف اعباء البيت و اعمال الفلاحة التي تشكل نشاطا اقتصاديا لا محيد عنه في دكالة. و في مرحلة الصبا هذه حفظت مختلف الاغاني التراثية بدكالة من عونيات و عيوط فانا محبة للفن و شغوفة بالحفض. متى كانت اول مرة غنت فيها الزمورية امام الجمهور؟ كان ذلك عندما كان سني لا يتجاوز 12 سنة اي تقريبا سنة 1981 مع فرقة غنائية تشتغل في الاعراس و ساعدتني قدرتي على حفظ اشرطة الغناء التراثية في تثبيت مكانتي بحفلات و افراح مدينة ازمور، و رغم ان والدتي – كما قلت لك – كانت تمنعني خاصة في العواشر، الا اني كنت انتظرها حتى تخلد للنوم لاتسلل رفقة نساء الحي اللواتي كن يرغبن في غنائي و يعتبرن حضوري ضروريا. هل للسعدية البومات غنائية توثق لمسيرتها الفنية المستمرة الى الان؟ لي اكثر من ثلاثة عشر البوما غنائيا منها ما ماهو مسجل على اشرطة الكاسيط و كذلك الاقراص المدمجة. و قد سجلت هذه الالبومات مع تسجيلات العرباوي الذي ساعدني كثيرا في الانتشار و الذيوع خاصة خارج الوطن. ثم كذلك سجلت مع شركات اخرى كوحيد و الطاوسي و الصافي، الا ان الفضل في الحقيقة يعود للعرباوي لانني اعيش بايرادات الالبومات المسجلة معه. فلولاه ما كنت لاصل الى ما وصلت اليه الان لانه شخص كريم و متواضع. قلت انك حققت شهرة خارج ارض الوطن، الم تفكر الزمورية في مغادرة المغرب للاستقرار بالخارج؟ تضحك السعدية و تقول: لم افكر حتى في احياء سهرات هناك رغم الحاح الكثير من الصديقات و الاصدقاء، لاني لا اطيق مغادرة مدينتي، بل انني لا اطيق حتى المبيت في مدينة اخرى غير ازمور فكثيرا ما كنت اعود للمبيت في بيتي من مدن بعيدة مهما كلفني الامر، ولا زلت اتذكر انني عدت من مدينة خريبكة لازمور ثم عدت اليها صباحا لاتم باقي فقرات المهرجان الذي كنت مشاركة ضمن فعالياته ليومين متتاليتين. كمتتبع للفنانة الزمورية لاحظت غيابك عن التلفزة المغربية ما السر في ذلك رغم ان الابواب مشرعة امام الفنانين الشعبيين؟ كفنانة شعبية، يكفيني حب جمهوري لي و صراحة لم اعتد ان اطرق باب احد، لكن بفضل الاعلامية نسيمة الحر تمكنت من المشاركة في احدى البرامج الفنية للقناة الثانية دوزيم و كان ذلك قبل عشر سنوات تقريبا. غيابك ليس عن التلفزة فقط بل غياب عن المهرجانات المحلية كذلك، كمهرجان جوهرة مثلا؟ هذا صحيح لكني لم اتلقى اية دعوة. فقبل مهرجان جوهرة كنت اشارك رفقة فنانين كبار كالفنان عبد العزيز الستاتي في مهرجان ازمور، كذلك الشان بالنسبة لمهرجان الولي الصالح مولاي عبد الله امغار. ففي كل مرة توجه لي الدعوة البيها بفرح و حب. و رغم اني شاركت في الكثير من المهرجانات الوطنية كخريبكة و البرنوصي بالبيضاء و اسفي و سطات الا اني احب كثيرا دكالة. فالمجلس البلدي لازمور كان دائم الاهتمام بي خاصة في المناسبات الوطنية التي احييها بشغف و حب، الا اني اعتقد ان عمالة الجديدة الان هي المسؤولة عن مهرجان جوهرة. ما هي اضافات الزمورية للتراث الدكالي او المغربي؟ كل ما يمكن ان اقول كاجابة عن هذا السؤال، هو اني اضفت لفن العونيات النسائي بامتياز، ادخال الة الكمان و هو ما لاقى استحسانا كبيرا من طرف محبي هذا الفن، كما اضفت الة الاورك، فلم يعد هذا التراث مقتصرا على الالات التقليدية فقط، بل ادخلت هذه الالات العصرية و كذلك ادخلت الرجل ايضا، لان النساء هنا لا يعزفن هذا اللون. و قد اجتهدت رفقة فرقتي في تطوير فن العونيات بادخال قصائد زجلية من تاليفي الشخصي مستلهمة الوضع الاجتماعي الذي اعيشه و كذا تاثري ببيئتي و مشاكلي الخاصة، و لي قصيدة مثلا حول امي و اخرى حول ابني، و فيهما ابث ما يخالجني تجاههما من مشاعر و حب. اما فيما يخص العيطة، ليس لي انتاج او تاليف شخصي، لكنني اؤدي قصائد العيطة رفقة فرقتي المخصصة للعيطة و انهل من مختلف الوان هذا التراث كالحصبة و المرساوي الى غير ذلك، و يساعدني في ذلك الفنان مصطفى ولد الدكالية الذي يعتبر فنانا قديرا يذلل صعاب هذا الفن في غياب شبه تام لشيوخ العيطة. كيف تعيش الان الفنانة السعدية الزمورية، و ماهي انشطتها؟ بعدما افترقت عن زوجي منذ سنوات اعيش الان رفقة ابنائي وهم الان في مقتبل العمر، و رغم اني تجاوزت الاربعين الا اني لا زلت اشتغل كفنانة في احدى مطاعم ازمور، و بفضل عناية صاحبة المحل و رعاية الله عز وجل، استطيع اعالة ابنائي الستة، كما اني اشتغل في احياء المناسبات العائلية للمعجبين بي، و لا اخفيك سرا ان تعلقي بالفن يزداد و يستمر بفضل جمهوري، و بفضل المعجبين بي، و نتيجة احساسي الذي لا يفارقني بانني ادخل البهجة الى قلوب الناس. الم تفكر السعدية يوما في ترك الفن؟ لا لم افكر في ذلك. فكما قلت لك في البداية انا عاشقة للغناء و متيمة بفن العونيات و العيوط، كما ان الفن هو مصدر عيشي و مصدر حب الناس لي، و لا استطيع ان افرط في هذا الحب الى اخر يوم في حياتي، ان عشقي للفن لا يعادله الا عشقي لوالدتي و لمدينتي الحبيبة ازمور. هل من جديد للفنانة الزمورية؟ نعم انا الان بصدد انهاء البوم جديد و لا انتظر سوى تسجيل اغانيه و نشره في السوق في الايام المقبلة انشاء الله. و كل ما اتمنى هو ان يلاقي اعجاب جمهوري الحبيب.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=6566