ازمور انفو 24 بقلم د:عبدالفتاح الفاقيد
1 ـ إضاءات عامة:
تندرج السقايات ضمن المعالم الحضارية والعمرانية للثقافة العربية الإسلامية، ويأتي اهتمامنا بدراستها ضمن سياق البحث في الخصوصيات التكوينية للرموز التاريخية والحضارية لمدينة آزمور باعتبارها من أهم المدن العتيقة التي احتوت فضاءاتها العديد من السقايات وشكلت جزء ذاكرتها الثقافية والحضارية على امتداد التاريخ، ولازال بعضها صامدا أمام عاديات الزمن، وأمام التحولات البنيوية والاقتصادية.
2 ـ الدلالة اللغوية:
جاء اسم السَّقاية على وزن “فعَّالة” وهي صيغة من صيغ أسماء الآلة، ويدل على المبالغة أيضا، نظرا لكثرة الفعل وتكراره، ومنها اسم الفاعل “السَّقّاء” وهو من يتولى إعطاء وتوزيع الماء بكثرة.
وتجدر الإشارة إلى أن اسم السقاية من أشهر الأسماء تداولا داخل الثقافة العربية، وتنفرد مدينة آزمور بتداول أسماء أخرى من قبيل: “العوينة” نسبة إلى العين أو المنبع، و ” الطرومبا” اسم اجتهدنا في تأويل دلالته فوجدناه تعريبا وتحريفا للقول الفرنسي : ” les trous en bas “.
ورغم اختلاف الأسماء والنعوت تبقى السقاية مصدرا للتزود بالماء الصالح للشرب والذي كان مصدره أم الربيع أولا، قبل أن يتلوث و تغلب عليه الملوحة، وتحولت السقايات إلى المصدر الوحيد للحصول على الماء، بالنسبة للعديد من فقراء المدينة، خاصة بعد أن هيكلة قطاع الماء واحتكاره من طرف وكالة توزيع الماء.
3 ـ الخلفيات التاريخية والدينية والحضارية:
تستمد السقايات بعدها الوظيفي من معطيات تاريخية ودينية وميثولوجية، فالماء أصل الحياة، وأصل الخلق وضامن استمرارية المخلوقات، وهو أصل النظافة والطهارة، ومصدر الخصب والنماء. وقد احتفلت الثقافة العربية بالماء وبالسقاية حيث اعتبرت من أهم الواجبات الدينية، إضافة إلى الرفادة، حيث كان بنو هاشم يتولون توفير السقاية للحجاج، وبناء الصهاريج والأحواض قرب الآبار والعيون والواحات على امتداد الطرق. وكان يطلق على هذه السقايات اسم “الأسبلة” نسبة إلى عابري السبيل، هذا بالإضافة إلى ما كانت ترمز إليه بئر زمزم، البئر المقدسة، من دلالات وإيحاءات دينية وتاريخية مرتبطة بنبي الله إبراهيم باني الكعبة والأب الفعلي للمسلمين.
واستمر الاهتمام بالسقايات على امتداد التاريخ العربي وتقلب الخلافات والحضارات واستفادت من المستجدات الصناعية والعمرانية، وأضحت معيارا للثراء والتفاضل بين الطبقات الاجتماعية، إذ أضحت من أهم العناصر الجمالية للقصور العباسية والأندلسية، وتفنن المهندسون المعماريون في تزيينها بالزخارف والزليج والمرمر والنقوش الفسيفسائية. واتخذت أشكالا بديعة ومغايرة كالنافورات الدائرية والمستطيلة… ودخلت السقايات إلى المساجد والرياضات، ومازالت النافورة بالمسجد الكبير وببعض الرياضات (رياض بنجامع، الريم….) بآزمور شاهدة على الفن المعماري على تطور الصناعة التقليدية بالمدينة والتي كانت وقتها منافسة للصتاعة التقليدية الفاسية.
4 ـ السقايات بآزمور:
صراحة، لا يمكن فصل موضوع السقايات عن المعطيات التاريخية والدينية والصناعية والمعمارية للمدينة، فالماء في الثقافة العربية الإسلامية هو صدقة جارية وهبة مجانية للناس والدواب والهوام بدون استثناء. لذلك لم تخل أحياء مدينة آزمور من السقايات( القصبة، المدينة، درب الجديد، درب الشواي الحفرة…..) والتي كانت مزينة بالزخرفة والزليج البغدادي وبالنقوش وصنابيرها من النحاس الصافي، وفي كل سقاية صهريج ماء خاص بالإنسان وحوض إضافي لسقي الدواب والمطايا أيضا. وتوثق العديد من الصور القديمة للمدينة للشكل الهندسي والمعماري للسقايات والتي لم تكن تختلف عن نظيراتها بفاس ومراكش ومكناس وسبتة…
لقد أسهمت السقايات في إفراز العديد من الوظائف منها وظيفة “السقاء” أو كما يسمى “الكَراب” وهو الذي يتولى توزيع الماء على الناس مقابل أجر زهيد، ومازالت هذه الوظيفة حاضرة مع الكَراب الوحيد الذي يقاوم الشيخوخة والفقر في صبر وصمت. وفي بعض المدن الأخرى تحولت وظيفة الكَراب بلباسه التقليدي وقربته وكؤوسه النحاسية إلى وسيلة للترويج السياحي وأحيانا لاستجداء المارة والسياح.
كما ارتبطت السقايات ببعض الوظائف الأخرى، كالتصبين وغسل الصوف و فروة خروف العيد، و الاستحمام وغيرها من المآرب التي مازالت متوقفة على هذه المعلمة الحضارية والعمرانية والتي تحولت في الكثير من الأحياء إلى أطلال.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=20735