أزمور أنفو 24 المتابعة: عبدالواحد سعادي
بمناسبة احتفال الاسرائليين مساء عيد الفطر بإبادتهم لاطفال غزة كما شاهدناه على قناة الجزيرة يؤسفنا فعلهم وتاريخهم اللئيم.
كلمة ” معاداة السامية” من الكلمات الواسعة الانتشار وسط وسائل الاعلام يرجع تداولها وانتشارها الى سيطرة اليهود على اغلبية وسائل الاعلام الغربية،وقد ظهرت هذه الكلمة سنة 1873 عن طريق صحافي الماني يدعى فلهيلم مار في هجائيته التي تحمل عنوان “انتصار اليهودية على الجرمانية”.
غير أن العداء لليهود والحقد عليهم أقدم بكثير من ظهور هذا التعبير في القرن التاسع عشر تعود جذوره الى سنة 587 قبل الميلاد عندما استولى الملك البابلي “نبوخذ نصر على جودا” وتشتيت سكان مملكة اليهود ،غير انهم لم يندمجوا في المجتمعات التي اختلطوا بها ورفضوا باستمرار كل ما ليس يهوديا ،فانغلقوا على انفسهم ،مما جعل أحقاد الناس تتجه نحوهم.
لكن مع ظهور المسيحية وبروز الكنيسة مفصولة من العبد اليهودي وبداية العهد الجديد زاد حدة الصراع تجاه اليهود خلال القرون الثلاثة الاولى بعد الميلاد واحتدم الجدال وظهر عداء مسيحي واضح ضد السامية بدت ملامحه في الانجيل الاخير الرابع ،حيث اتهم اليهود بقتلة الرب وبكونهم عارضوا الدين الجديد.
انتصار المسيحية في القرن الرابع الميلادي كان بداية القهر والتمييز بالنسبة لليهود في ديار المسيحية ،وفي هذه المحنة لم يجد اليهود مسلكا للهروب من هذا الهوان سوى ديار الاسلام بعد ظهوره في القرن السابع للميلاد حيث يمارسون عبادتهم بحرية وامان وتصاعد العداء المسيحي ولم تخف حدته الا بعد الثورة الفرنسية،بينما ازداد نشاطهم ونمت حركتهم اقتصاديا وفكريا في ديار الاسلام ومنهم من احتل مناصب عليا في الدولة الاسلامية وبالاخص في الاندلس.
غير ان المذبحة الكبرى التي تعرض لها اليهود من طرف المسيحين كانت أثناء الحرب الصليبية ابتداء من سنة 1096 م التي دفعت بافواج هائلة من المسيحيين نحو ما يزعمون أنه قبر السيد المسيح،وكان من الطبيعي أن تكون مقدمة تحرير القبر المقدس ،هي ذبح اليهود أعداء المسيح،وكانت الكنيسة بصفة عامة تدعو الى الحيطة من اليهود وعدم التعامل معهم،وقداتهم اليهود بكل الاوصاف الرذيلة وبالهرطقة والشعودة ،واتهموا بتسميم منابع المياه وبنشر الطاعون وقتل الاطفال المسيحيين واستعمال دمائهم في طقوس غير انسانية وتدنيس الاماكن المقدسة ،ولم يكن منبع هذا الحقد دينيا فقط،بل كان يؤخذ على اليهود اختلافهم عن باقي البشر وانهم يحيون حياة مخالفة تماما ،ولهم طقوس خاصة بهم ويتمسكون بها، وقد منعوا من ممارسة بعض المهام والحرف كالفلاحة والجيش مما جعلهم يتعاطون التجارة وخاصة التجارة في الاموال”الربا” الذي تدينه الكنيسة.
وفي نهاية القرن الثاني عشر وبداية القرن الثالث عشر عندما برزت التجماعات المدنية الكبيرة انفرد بها اليهود،وبكونهم يوجدون في ديار المسيحية والاسلام معا فان الامراء سمحوا لهم بتعاطي العمليات المالية ليستنزفوهم فيما بعد،غير أن حقد المسيحيين على لم يهدأ على الاطلاق وكانت السلطات المحلية تشجع العامة على مطاردة اليهود بل وطردهم كما حدث سنة 1290 م عندما طردوا من بريطانيا وسنة 1394 م من فرنسا ،وأخيرا سنة 1420 م من اسبانيا عند سقوط غرناطة وضياعها من طرف المسلمين ،دون الحديث عن المطاردات المحلية التي عمت كل اروبا الغربية ،وقد شهد القرنان السادس والسابع عشر مطاردات كبرى على غرار ما ذكر ،فوجد اليهود ملجأ في انجلترا في عهد كرومول خصوصا في الجمهورية الليبرالية للاراضي المنخفضة التي كانت تحكمها سبينوزا من أصل برتغالي.
كان عصر النهضة مرحلة متسمة بالهدوء نسبيا بالنسبة لليهود، ولكن بعض ذوي الافكار الحرة كفولتير لا يحقدون حقدهم الشديد ضد اليهود ،ويرجع الفضل في تحريرهم الى الراهب غريغواو الذي نشر دراسة حول اليهود سنة 1781 م وصوت عليها في 27 شتنبر 1791 م حيث أصبحت بمثابة قانون محرر لليهود، وكانت حروب الثورة الفرنسية مناسبة كي يقوم جنود الثورة بتحطيم جدران وأبواب التجمعات اليهودية ليخرجوا من عزلتهم.
هكذا بدأت مرحلة جديدة من تاريخ اليهود وبداية نوع جديد من العداء ،وبدأ نوعا آخر من الدفاع ،فلم يعد همهم النضال ضد أعدائهم، بل الحفاظ على خصوصيتهم وسط عالم تضمحل فيه امتيازات الدم والعرق ،وهكذا احتل اليهود موقعا أساسيا في الثورة الصناعية التي أخذت تكتسح القوميات الاوروبية ،غير أن تمسكهم بقناعتهم انهم شعب الله المختار وخصوصياتهم أثارت من جديد دوافع العداء ضدهم سواء كانت دينية باعتبارهم ” قتلة المسيح” أم اقتصادية لكونهم يستحوذون على رؤوس الاموال وذلك حسب الظروف التاريخية والملابسات الطارئة.
حتى كارل ماركس كان يرى في اليهود رمز الرشوة بينما فاغنر يرى فيهم أكذوبة المجتمع الليبرالي وكانت الخلاصة التي توصل اليها ماركس مخاطبا اليهود عن الوسيلة الوحيدة لانقاذهم عندما قال :” يجب أن تعملوا أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن ينقذكم من اللعنة التي تطاردكم ” ابادتكم ” ولن تقف هذه الابادة الا بذوبان اليهود اما وسط الجماهير البشرية أو وسط القوميات التي ينتشرون فيها” حتى الفيلسوف الالماني المشهور نيتشه لم يتردد في مهاجمته لليهود ،وعندا اجتاحت المانيا والنمسا وهنغاريا أزمة اقتصادية قامت حملة ضد اليهود ورؤوس أموالهم وحملتهم مسؤولية هذه الكارثة وكان على رأس هذه الحملة الصحافي فلهلم مار اول من وضع كلمة معاداة السامية ،وتصاعدت الحملة ضدهم باعتبارهم وصوليين وانتهازيين ولا يترددون في استعمال كل الطرق والوسائل لتحقيق أغراضهم ،إذ سنت ضدهم اسبانيا في القرن 16 حملة كبرى بالرغم من أن العديد منهم قد اعتنقوا المسيحية ولكن ليس عن قناعة بل وسيلة لانقاذ حياتهم ،ولم تشفع لهم في شيء .
تعرض اليهود في اوروبا خلال القرن 19 الى مضايقات وصلت الى مجازر كبرى منها مجزرة 6 ابريل 1881 بمدينة كييف عاصمة أكرانيا فتكت بهم واستولت على ممتلكاتهم لان امرأة يهودية شاركت في اغتيال ملك روسيا القيصرية ألكسندر الثاني شمال بترسبورغ يوم 13 مارس 1881،وكانت هذه المذبحة وراء حملة الهروب الكبرى لليهود تجاه الولايات المتحدة وكندا عبر أوروبا الوسطى أو الغربية حيث استقر بعضهم فيها.
في سنة 1900 وزعت الشرطة السرية لروسيا وثيقة تحت عنوان 3 بروتوكول حكماء صهيون3 يدعي اليهود أنها صنيعة المخابرات الروسية،وتضم هذه الوثيقة عناصر التآمر الماسوني وهي عبارة عن محضر الاجتماع السري الذي عقد بمدينة بال السويسرية سنة 1897 بمناسبة المؤتمر العالمي الاول للصهيونية الذي حضره زعماء اليهود في العالم ،حيث اتفق هؤلاء الزعماء مع زعماء الماسونية ،على أن يفسدوا بطريقة عجيبة أخلاق اوروبا المسيحية وان يشتروا قيادتها،وتعاهدت القيادتان على الاستيلاء على الامبراطورية العالمية تحت أنقاض المسيحية.
في 24 اكتوبر 1870 اصدرت فرنسا مرسوما يمنح المواطنين اليهود الموجودين في الجزائر حق المواطنة الفرنسية ،فرد المواطنون الفرنسيون في الجزائر بعنف شديد أسفر عن مذابح ضد اليهود أهمها مذابح منطقة القبائل سنة 1871 وكان نفس الرد في قلب التراب الفرنسي سنة 1882 إثر الافلاس الذي أصاب مصرف الاتحاد العام،الذي كان يعتمد على توفير رؤوس الاموال المسيحية ،وترجع أسباب الافلاس الى دسائس اليهود والحقد عليهم كان آخرها النازية التي تزعمها هتلر ، وفي الوقت الحالي توجد في كل الدول الاوربية أحزاب يمينية تنادي بالعداء ضد اليهود،وكثيرا ما حرضت قيادة الكنيسة الجيوش الصليبية على سحق اليهود وابادتهم والتزمت الصمت في القرن العشرين تجاه ما لحق باليهود كما يزعمون أما الجرائم التي اقترفتها النازية ضدهم ،وكان من نتائج الحرب العالمية الثانية انشاء الكيان الصهيوني سنة 1984 وبروز نوع من العلاقة بين اليهود والمسيحية كتكفير عن ذنب الصمت تجاه ما تعرض له اليهود في أثناء هذه الحرب ،مما أدى بالبابا الحادي عشر أن يدلي بكلمته المشهورة روحيا كلنا ساميون.
وعشية آخر مجمع ديني لسنة 1961 زار جول إسحق ” مؤرخ فرنسي” البابا يوحنا الثالث والعشرين للعب دور كبير في التقريب بين اليهود والمسيحيين لكنه مات قبل أن يرى ثمار جهوده ،وبه يتم إصدار تصريح أطلق عليه اسم نوسترا أثينا يعتبر أهم ما صدر عن الكنيسة يتم به طي صفحة من تاريخ الكنيسة بحيث تدين هذه الوثيقة كل معاداة للسامية ،وهكذا لاول مرة في تاريخ الكنيسة تقر الرابطة الروحية التي تجمع بين اليهود والمسيحيين أي شعب العهد القديم وشعب العهد الجديد بعد مضي قرون من اللامبالاة والنكران ،ولما مات البابا يوحنا الثالث والعشرون سنة 1963 حضر الخاخام الاكبر لمدينة روما جنازته،وفي سنة 1964 كانت أول زيارة يقوم بها البابا بولس السادس للخارج هي زيارة القدس،ويمكن اعتبار هذه الفترة الذهبية للعلاقات اليهودية المسيحية ،عصر الالتفاتات ذات الرمز الاخوي ،ويمكن القول على غرار الحوار داخل المجتمع الكنسي” الكاثوليك والاصلاحيين والأرثوذوكس” أن أسس حوار دائم قد قام بين اليهود والمسيحيين ،ولكن مجيء البابا يوحنا بولس الثاني خيب هذه الاآمال ،إذ بالزغم من الكلمات الطيبة تجاه اليهود ومن اللقاءات مع زعمائهم وخاخاماتهم ،فاليهود لا يكنون له أية مودة،خصوصا عند استقبال هذا البابا للرئيس ياسر عرفات ،وفتح باب الفاتكان امام الرئيس النمساوي كولد فالد هايم الذي طارده اليهود،واخيرا لم يعترف بالكيان الصهيوني ،هذا مع العلم بان البابا بولس الثلني لم يترك مناسبة تمر دون أن يدين مناهضة السامية ودعوة المسيحيين لتوثيق العلاقات مع الشعب اليهودي كما جاء في كلمته شهر ابريل 1986 امام جمع من اليهود بالمعبد اليهودي بروما الذي زاره لاول مرة ” أنتم إخواننا المفضلون..إخواننا الاكبر سنا.. شعب الله المختار..جدور الزيتون الحرة” وجميعها عبارات دينية وبعد مرور عشر سنوات نلاحظ استعمالات العبارات العصرية :”الاخوة اليهود ..الشعب اليهودي”.
ويستمر العداء المسيحي اليهودي لبعضها البعض تحت الرماد وبآليات الذكاء والنفاق لكن ملة الكفر جميعها تقف صفا واحدا متماسكا ضد العرب والمسلمين في الزمان والمكان مصداقا لقول ما ورد من فوق سبع سماوات ” الكفر ملة واحدة” فصبرا أهل غزة إنكم لمنتصرون ولو بعد حين ” وبشر الصابرون الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون” صدق الرحمان أصدق القائلين سبحانه تعالى أصدق المبشرين ،وبذلك آمن أبو مشعل حين رد على غارات اليهود قائلا:” لن ننتظر أحدا لأن الله ناصرنا”.
وحرر يوم عيد الفطر الموافق 29 يوليوز2014 أمام الغارات الاسرائيلية المدمرة للارض والخلق بمدينة وقطاع غزة المقاومة
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=9407