الطازوطا”
معلمة عمرانية وتاريخية.
د. عبد الفتاح الفاقيد.
1 ـ تقديم:
يمكن اعتبار دراسة العمران مدخلا لوجيستيكيا لفهم التطورات والتحولات الفكرية والاجتماعية لمجتمع معين، وتحديد أشكال التقاطع والتلاقح الكائن بين الثقافات والحضارات الإنسانية من جهة أولى، وفهم علاقة الإنسان بالطبيعة من جهة أخرى.
لذلك يأتي اهتمامنا بموضوع “الطازوطا” ضمن سياق انشغالنا بالمعالم الحضارية والعمرانية التي تميزت بها منطقة دكالة، وتحديدا القرى والبوادي المتاخمة لمدينة آزمور والتي تشكل، في اعتقادنا، امتدادا طبيعيا وجغرافيا للمدينة النواة. وتفسر الساكنة المحلية إنفراد المنطقة بهذا الإرث العمراني بكون القبائل الدكالية هي قبائل أمازيغية، ومن الأمثلة السائرة في هذا السياق: ” سبحان من عَرّبْ دكالة وشلَّحْ حاحا “. ثاني الاعتبارات هو الطبيعة الجيولوجية للمنطقة المتمثلة في انعدام التربة وامتداد المساحات الحجرية يجعل المنطقة موطنا للنشاط الرعوي بامتياز واهتمام سكان الساكنة ببناء الطازوطات والسطاير، كما هو حال قبائل أولاد سالم.
نشير إلى أن مقاربتنا لهذا الموضوع، ترتكز بالدرجة الأولى على تواتر الروايات والأخبار الشفهية التي تختزن الموروث التاريخي والجمعي للمنطقة، في انتظار تراكم الأبحاث التاريخية والأنثربولوجية التي يمكنها سد باب الظن والتخمين.
2 ـ دلالات اسم “الطازوطا”:
يثير مصطلح “الطازوطا”، من الناحية الإثيمولوجية، خلافا واسعا حول المصدر اللغوي للكلمة، إذ نجد في الأمازيغية مثلا: “الطازودا”: الإناء الخاص بشربة “أسكيف” (وتعني الحريرة والشربة معا)، أما في اللغة الإسبانية تشير كلمة (taza) إلى الكاس، ويرجح بعض المهتمين التسمية الإسبانية نظرا لانتشار هذا النوع من البنايات في الكثير من ضواحي المدن الإسبانية. وتذهب روايات أخرى إلى أن أصل الكلمة يعود إلى اللغة الرومانية إلى جانب كلمات كثيرة التداول منها مثلا: (التوفري؛ المطمورة؛ السطارة…).
تجاوزا لدائرة الاختلاف اللغوي، يمكننا تقديم صورة منسجمة تتحدد في التقارب الكائن بين الشكل الهندسي للطازوطا وشكل آنية الشربة أو الشكل الهرمي للكأس (كأس القهوة)، حيث يصبح اسم “الطازوطا” دالا على البنية أو الشكل الهرمي.
3 ـ الشكل الهندسي للطازوطا:
يدخل تشييد الطازوطا ضمن سياق تنظيمي واقتصادي، فهو أولا تجميع واستثمار لما تراكمه عملية تنقية الأراضي من الأحجار التي تملأ أغلب الأراضي الزراعية، ونظرا لضيق المساحات ومحدوديتها، يتم تحويل تلك الحجارة إلى البناء والتشييد.
عموما، يتطلب تشييد “الطازوطا” احترافية ومهارة عالية، فهي أولا: عبارة عن بناء دائري حجري يضيق في اتجاه الأعلى، وغالبا ما تبنى بعيدا عن “الخَيْمة”، وتسمى اليتيمة إلى حين بناء مثيلتها بجانبها. يتراوح سمك الجدار ما بين المتر والمتر ونصف، إذ يتم اختيار الأحجار الكبيرة التي يتشكل منها أساس البناية، بعدها تختلف أشكال وأحجام الحجارة دون تمييز( صقيلة ناتئة…)، وتكون التربة الطينية المادة الأثيرة للترصيص. كما تتميز الطازوطا بوجود نوعين من الأدراج تربطك الأولى بالقطر الأول، والثانية بالسقيفة العليا للطازوطا والتي يطلق عليها النوالة حيث تغطى بحجرة دائرية الشكل تسمى ” الصّفية”. غالبا ما يتم ترصيص الشق الداخلي للطازوطا بالطين، ومن أهم مميزاتها وحسناتها أنها تكون باردة صيفا ودافئة شتاءا. أمام الباب فهو لا يناسب حجم الطازوطا إذ يتميز بالضيق وصغر الحجم.
ومن أهم عجائب هذا البناء الهرمي، هو اعتباره بناءا ضد الكوارث، ففي حال سقوطه يكون تداعي الحجارة خارج المركز، وبالتالي لا يشكل خطرا على من بداخل الطازوطا.
4 ـ وظائف الطازوطا:
يخضع تشييد الطازوطا لاعتبارات طبيعية ومناخية، فالشكل الدائري يكون في مواجهة الرياح والأمطار التي تهدد سلامة الجدار. وتجنب انعكاس الأشعة الشمسية. فإلى جانب وظيفة السكن والاستقرار، فغالبا ما كانت خاصة برب الأسرة الذي يستعملها لاستقبال رفقته أو للهروب من متاعب ومسؤوليات البيت، ويتسلمها الإبن البكر بعده.
و تلعب الطازوطا العديد من الوظائف منها تحولها إلى مخْزن” لتخزين التبن والبصل والحبوب، أو استعمالها كحظيرة للماشية أو تسمين العجول. وقد تحولت مؤخرا إلى معلمة تاريخية وعمرانية للترويج السياحي.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=22636