أزمور أنفو 24 المتابعة: عبد الواحد سعادي
في هذا الليل الطويل من ماساتنا ،يطل علينا اسم القدس كنجمة ترسم لنا طريق الخلاص ،وتطلع علينا القدس لحنا ملهبا يزرع النار في جراحنا الدفينة فيزهر الغضب في كل القلوب فتبقى القدس خالدة تتحدى المحنة ،وذكرى لمن نسي تراثنا ، فهل يذكر إلا أولو الألباب.
فيا قدسنا ،يا غائبة الشمسين ،يا أولى القبلتين وثالث الحرمين ،ستبقين اغرودة التحدي على شفاه المجاهدين من أحرار العرب والمسلمين ،والإيمان الذي يزلزل الأرض تحت أقدام الغاصبين ،حتى تمحى الأكذوبة ويزول باطل الأباطيل وينتهي ما يسمى ب ″إسرائيل″ فتعود أمجاد الفاتحين وترتفع فوق جبال الزيتون أصوات المسلمين مهللة مكبرة وترتفع رايات الفتح المبين.
مما يرويه المؤرخون الثقات ،وأثبتته الحفريات في القدس ا ناول من بناها واستقر بها واتخذها موطنا هم الكنعانيون ..القبيلة العربية التي جاءت من الجزيرة العربية منذ أربعة آلاف سنة قبل الميلاد ،وحطت القبيلة الكنعانية رحالها حول نبع غزير فوق احد جبال القدس ،فالنصوص المصرية القديمة التي عثر عليها المؤرخون والتي يرجع تاريخها إلى ألفي سنة قبل الميلاد تشير إلى وجود الكنعانيين في القدس وأنهم كانوا يعيشون في جماعات منظمة ،وطوال الأربعة الآلاف سنة التالية ظلت القبائل العربية تستوطن القدس.
بعد الكنعانيين جاء العموريون وهم قبيلة عربية جاءت من الجزيرة العربية وكانوا اول من بنى سورا لمدينة القدس ،وفي سنة 1405 ق.م احاطت بالقدس بعض القبائل المهاجمة،فاستنجد ملكها العموري بفرعون مصر تحتمس الثالث الذي سارع إلى نجدة عرب القدس وأنقذ القدس من الأخطار المحدقة بها.
ويمضي التاريخ في دورته ،وتتعرض القدس لغارات اليهود الفارين من أرض مصر في سنة 1186 ق.م ويؤسس الغزاة مملكة ″إسرائيل″ التي اندثرت بعد اقل من ثلاثة قرون ،لتقوم بعدها مملكة ″يهودا″ وتندثر بعد اقل من قرن واحد نثم يغزوها الفرس والبطالمة والسلوقيون،وفي سنة 63 ق.م يغزوها الرومان ويحتفظون بها حتى سنة 272 ميلادية حين حررتها جيوش الملكة زنوبيا ،ملكة تدمر العربية ،وتمر الأيام ،ويمر بها الرومان من جديد بعد هزيمتهم لزنوبيا كما مر بها الاسكندر فبطالسة مصر، ثم سبق ان غزاها الأشوريون بقيادة نبوخذ نصر ،واخرج من فيها من يهود وسباهم إلى بابل ،بينما ظلت القبائل العربية تستوطن القدس.
وذهب الغزاة وظلت القدس عربية لأهلها الكنعانيين الذين أقاموها على جبال الزيتون لتبقى شامخة ترد الأعداء المغيرين مهما كانت قوتهم ومهما طال ليلهم فآخر الليل النهار .
وفي يوم الخميس 12 مايو 636 م الموافق للعام السادس من وفاة الرسول ″ص″ أطلت على جبال القدس شمس الهداية عندما وصل الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ليتسلم مفاتيح مدينة القدس من البطريرك سفرونيوس في احتفال بسيط ليعلن خلاله مبدأ رئيسا من مبادئ الإسلام في التعامل مع بقية الديانات والمعتقدات ،معلنا بذلك بداية عصر جديد من عصور التسامح الديني الذي يشهده العالم من قبل،فقد كانت العادة ان يقوم الدين الجديد على أنقاض الدين الذي سبقه ،وكان الفرس والرومان أنفسهم قد هدموا الهيكل اليهودي أكثر من مرة أما عمر بن الخطاب خليفة وأمير المؤمنين والمسلمين فلم يرض ان يصلي في كنيسة القيامة ،لأنه يخاف أن تصبح نهجا من بعده ،بفضل هذا المبدأ الإسلامي المتسامح تعايشت في القدس جميع الديانات جنبا إلى جنب وظلت القدس أرضا مقدسة لكل المؤمنين بالله.
اليبوسيون العرب وهم احد بطون الكنعانيين هم الذين بنوا القدس،وهم الذين سموها ″ايلياء″،وان ايلياء كما يقول ياقوت الحموي ،هو ابن أرم بن سام بن نوح وهو اخو دمشق وحمص وأردن فلسطين .ومن أسماء القدس ″أرشاليم″ الذي كان معروفا وموجودا قبل الغزو ″الإسرائيلي″ وسلبها من أصحابها اليبوسيين الكنعانيين على ما تجمع جميع الروايات التاريخية،فكلمة أور الكنعانية تعني مدينة ،وشاليم تهني السلام وعليه يصبح اسم مدينة القدس مدينة السلام وأن العرب هم الذين بنوها وأسسوها وسموها اورشاليم وليس اليهود،الذين حاولوا خداع العلم فادخلوه في توراتهم المحرفة لتحقيق أغراض صهيونية حشروها في التوراة وأما المسلمون فقد سموا القدس بيت القدس.
حينما انبعثت في اوربا موجات التعصب والحقد الاعمى على المسلمين ،كانت الحروب الصليبية الهمجية الشادة باسم الدين حتى احتلوا القدس عام 1099 ميلادية واقاموا المملكة الصليبية كاسفين في قلب الوطن العربي للحيلولة دون قيام اي اتحاد بين العرب والمسلمين .ومنذ ذلك التاريخ اصبح تحرير القدس هاجس المسلمين في الارض ،وعلى هذا اتحدت مصر والشام بعد قرابة قرن على وقوع القدس في ايدي الصليبيين تحت راية الملك الناصر صلاح الدين الايوبي لاسترداد القدس.
وفي يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب عام 572 لوفاته صلى الله عليه وسلم ،20 اكتوبر 1187 م وفي ذكرى الاسراء والمعراج دخلها صلاح الدين وطهرها من الصليبيين وارتفعت رايات التوحيد وحدها من جديد فوق جبال القدس العربية ،وجاء العثمانيون الاتراك ،بعد المماليك الذين استولوا على الحكم بعد ذهاب الأيوبيين ،وكانت القدس في حوزة ممتلكات الأتراك حتى انهزموا في الحرب الأولى وتقاسم الحلفاء الغنائم ،فكانت فلسطين وعاصمتها القدس من نصيب ابريطانيا التي وعدت اليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين ،تلك هي مأساة القدس وأهلها وبداية ليل لا تعرف نهايته.
وطيلة انتداب بريطانيا واستعمارها للقدس وفلسطين ،وخلال أربعين عاما ،استغل اليهود والصهاينة وجود أبريطانيا في فلسطين فقاموا بتأسيس المنظمات والعصابات المسلحة والشرطة الخاصة التي تحولت الى جيش منظم ومهيإ لاغتصاب فلسطين بعد جلاء بريطانيا.
وفي يوم 15 ماي 1948 أعلن الصهاينة عن قيام كيانهم العنصري واغتصاب فلسطين واعترفت أمريكا بهذا الكيان قبل إعلان قيامه ،بينما اعترفت روسيا بقيامه بعد 16 دقيقة ″ الكفر ملة واحدة″ من ذلك الإعلان ،وتم قبول إسرائيل عضوا في الأمم المتحدة التي نص ميثاقها على رفض التعصب الديني في جميع ألوانه ،ورفض سيطرة الأقلية على الأكثرية ،وكان عدد اليهود في فلسطين لا يتجاوز 8 في المائة من عدد السكان ،وكانوا يملكون 6 في المائة فقط من مجموع الأراضي ،وكان الاعتراف بإسرائيل خرقا لميثاق الأمم المتحدة ،وكان اتفاق الشرق والغرب على العرب والمسلمين الذين وقفوا وحدهم في وجه الصهاينة .
وانتهى الصراع العسكري في العشرين يوليوز 1949 بتوقيع اول اتفاقية للهدنة بل للهزيمة ومنذ الوقت احتلت القدس الجديدة ،وقعت في الآسر الصهيوني واخرج اليهود سكانها العرب بالقوة بعد جلاء القوات البريطانية ،وفي 5 يونيو 1967 شنت قوات الاحتلال الحرب العدوانية على سوريا والأردن ومصر وخلالها وقعت القدس كلها وبكاملها تحت سيطرة الغزاة الصهاينة.
ومنذ ذلك التاريخ وذاك الكيان العنصري يدمر ويخرب ،ثم بدأ في تغيير معالم المدينة المقدسة،ولم يسلم المسجد الأقصى من عبث الصهاينة الذي احرق في غشت 1969 حيث ابتلع الجناح الجنوبي والشرقي من المسجد واتت النار على المنبر المطعم بالعاج الذي اقيم في عهد صلاح الدين الأيوبي .ويستمر العدو الصهيوني في تهويد القدس،ويستمر الصراع حول القدس ،ليس صراعا على تراب وحجارة ولا على حدود ،بل هو صراع حضاري وعقائدي فإما ان تبقى القدس مسرحا للعنصرية المتغطرسة بشياطين القوة ا وان تعود القدس عربية،مدينة للتسامح والسلام فتفتح ذراعيها لكل من يسعى إليها مؤمنا بالله.
لقد دخلها عمر الفاروق رضي الله عنه فجعلها المدينة التي تتعايش فيها جميع الديانات جنبا الى جنب فكانت ارض التسامح ،ودخلها الناصر صلاح الدين ليجلي عنها ليلا امتد نحو مائة عام ،وما زالت القدس تنتظر الفاتح الذي يحررها من الاحتلال الصهيوني والذي سيرفع أعلام الأمة العربية والإسلامية فوقها ،والواقع والظروف تتطلب ان يكون هذا الفاتح من قيمة عمر او صلاح الدين او طارق بن زياد وليس من طراز داعش والقذافي ،فالقدس هي المدينة الوحيدة التي وردت في لغات أهل الأرض وفي كل الكتب السماوية وقد ورد ذكرها اكثر من مرة في القرآن الكريم وفي حديث الرسول صلعم وفي كلام السيد المسيح عيسى.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=9295