أزمور أنفو 24 المتابعة هبة بريس
قراءة في التعيينات الأخيرة للولاة والعمال
تتسم المرحلة التي نجتازها في الوقت الراهن باتساع رقعة “المخاضات ” الدستورية على شتى الأصعدة ومختلف المناحي، مما يفرض على بلادنا الاستعداد التام والكامل لمجابهة تحديات هذه المرحلة. في هذاالإطارينبثق”المفهوم المتجدد للسلطة ” كمفهوم موائم وملائم، يعتبر تأهيل السلطة وإصلاحها وضمان أسس حوكمتها عبر مسايرةالواقع المرتهن بالعديد من الإشكاليات التنموية، والقدرة على التأقلم مع المنظور الترابي الجديد ( الجهوية الموسعة ) من أبرز الأوراش التي يجب انجازها استشرافيا.
هكذا يجسد هذا المفهوم المصاغ في السياق السياسي المغربي الحالي مقاربة عصرية / حداثية للتدبير العقلاني لسلطة “مواطنة” و”خدماتية” قادرة على تجاوز كل الشوائب و الاختلالات المرصودة، ورسم معالم سلطة الغد، السلطة المتجددة والمجددة، والتي تتوخى ربح رهان التدبير المحوكم وديمقراطية القرب.
في ظل هذه السياقات جسدت التعيينات الأخيرة التي عرفتها الادارة الترابية على مستوى مسؤوليها السامين من ولاة و عمال(15 والي و29 عامل)محطة أخرى حاسمة من محطات قراءة الرغبة التواقة و الارادة الملحة لبلادنا في تكريس “المخاضات ” الدستورية،عبر التنزيل الحقيقي لمقتضيات دستور فاتح يوليوز2O11،وكذا عبرالوقوف على مدى امكانية العهد الجديد/المتجدد في مواصلة مساراته الاصلاحية وتوطيده لمضامين” المفهوم الجديد للسلطة” و المنبثق منذ1999 ،بل و اضفاء الطابع ” المتجدد” على هذا المفهوم. فالتعيينات الاخيرة،وكما جاء في بلاغ للديوان الملكي ليوم الثلاثاء21يناير2014″تندرج في سياق التوجيهات الملكية والمفهوم المتجدد للسلطة الذي أسس له الملك محمد السادس والقاضي بتعزيزالحكامة الترابيةالقائمةعلى سياسة القرب والعمل الميداني والإصغاء إلى المواطنين والعمل على التجاوب مع انشغالتهم والانكباب على أوراش التنمية البشرية والاقتصاديةوالاجتماعية ” .إنها الإشارات القوية والدالة على كون الإدارة الترابية ستعرف انتقالا “كبيرا” من ” المفهوم الجديد للسلطة” إلى ” المفهوم المتجدد للسلطة “،والتعيينات الأخيرة بحمولاتها المتعددة هي الكفيلة بضمان شروط سلسة و مرنة لهذا الانتقال ” الضخم ” المعلن عن ” بداية تاريخ جديد ” لمفهوم السلطة، وذلك من خلال قياس درجة تمكن المعنيين بها ( الولاة والعمال ) من سلطة جديدة فعلا وممارسة،سلطة شفافة، فعالة، قريبة من المواطن وتتجاوز وبكل مسؤولية، الصورة النمطية السلبية التي كثيراماالتصقت بها، عبرما لوحظ عليها من شطط وتسيب وفوضى عارمة وعدم احترام القانون ومبدأ الشرعية الإدارية.
وعليه، ولإبراز كل ذلك سوف نعمل على قراءة هذه التعيينات قراءة متعددة المستويات وفق خمسة سياقات للفهم: 1- الفهم الدستوري 2- الفهم القانوني 3- الفهم البروفيلي 4- الفهم الحكاماتي 5- الفهم التجديدي .
اولا : الفهم الدستوري
لعل من أبرز ملامح دستور عهد” محمد السادس ” ترسيخ أسس ومبادئ الحكامة الجيدة على شتى مستوياته (صياغته، ديباجته، متنه وتنزيله ) .من هذا المنطق الارهاصي نجد أن كل متتبع وفي إطار دسترة الفهم، سيلاحظ أن هناك ثلاثة تمظهرات كبرى على صعيد تعيين الولاة والعمال وهي :
- التمظهر الأول : التنزيل السليم لمقتضيات دستور2011، وهوماترسخ من خلال مجموعة من الخطوات و المبادرات المرصودة في هذا الشأن، ومنها تلك المتعلقة بدراستنا هاته، وهي الحرص على الالتزام بمنطوق الفصل 49 من الدستور، والذي من بين ماجاء فيه ” يتداول المجلس الوزاري في القضايا والنصوص التالية………..*التعيين باقتراح من رئيس الحكومة، وبمبادرة من الوزير المعني، في الوظائف المدنية التالية: والي بنك المغرب والسفراء والولاة والعمال، والمسؤولين عن المؤسسات والمقاولات العمومية الإستراتيجية “.
ووفق منطوق هذه الفقرة من الفصل 49والصيغة التنزيلية المرتبطة بها يمكن الوقوف على ملاحظتين أساسيتين، تتعلق الأولى بكون التعيين بمهام الوالي والعامل يباشر بمقتضى ظهير شريف وباقتراح من وزير الداخلية، وفق مقتضيات المادة 2 من النظام الأساسي لرجال السلطة ل 31 يوليوز 2008، وباعتبار الدستور أسمى قانون في البلاد، فإن عبارة ” باقتراح من وزير الداخلية ” أضحت لاغية، إذ أن التعيين ووفق منطق دستوري يتم باقتراح من رئيس الحكومة وبمبادرة من وزير الداخلية. في حين ترتبط الملاحظة الثانية بضرورة القيام بمجموعة من الخطوات على مستوى هذا التعيين من قبيل “التنصيب الملكي ” ،وهي الخطوة التي تم الحسم فيها بالاستقبال الملكي ل 21 يناير 2014، أي يوما واحدا بعد التعيين من طرف ” المجلس الوزاري ” ثم خطوة ” التنصيب الوزاري ” والمتمثل في حفلات تسليم ظهائر التعيين وقراءتها من طرف قضاة المملكة، وتسليم السلط وتبادلها .
- التمظهر الثاني : تكريس التعيين في صفوف العمال والولاة لجملة من المبادئ الكبرى المنصوص عليها في الدستور، ومنها المساواة وتكافؤ الفرص ( الديباجة ) وكذا مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء ( الفقرة الثانية من الفصل 19 من الباب الثاني الخاص بالحريات والحقوق الأساسية ) ومبدأ مشاركة الشباب في التنمية ( الفصل 33) ،وهو التكريس الذي حرص بلاغ الديوان الملكي على التأكيد عليه من حيث النص على تعيين عدد من الولاة و العمال ،من بينهم نساء وعدد من الأطر الشابة، كما أنه التكريس الذي يعتبر بمثابة مرآة تعكس بوضوح جلي نجاح الحركات النسائية المغربية في فرض تصوراتها الخاصة المرتكزة على أسس العدالة، المساواة ، الديمقراطية، حقوق الإنسان …. وهو ما تبلور عبر عدة محطات (ولوج النساء سلك السلطة لأول مرة سنة 2006 وبداية ممارسة هذه الفئة للإدارة الترابية سنة 2008، دستور 2011، حكومة بن كيران الثانية2013، قانون رقم 02.12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا سنة 2012….) وكذاالوقوف على الحجم الحقيقي لفئة الشباب، كفئة تشكل ميكانيزم حيوي، وفاعل طموح إلى دور فعال في تسيير قضايا الشأن العام والشأن الترابي على وجه الخصوص، وبالتالي انخراط الجميع انخراطا ايجابيا في صيرورة ” المفهوم المتجدد للسلطة “.
- التمظهر الثالث : التنصيص على الأدوار الدستورية الجديدة المنوطة بالولاة والعمال، وذلك عبر القيام بعملية تعديل(حذف ،اضافة وتطوير) الاختصاصات الدستورية السابقة التي ما فتئت تلقى على عاتق العمال في دساتير 1970 و 1996 ( وتجدر الإشارة هنا إلى أن العامل كمؤسسة دستورية لم يتم الارتقاء بها إلا مع دستور 13 شتنبر1996، ونفس الشيء بالنسبة لمؤسسة الوالي، فهي لم تتمكن من تبوأ مكانتها الدستورية إلا مع الدستور الأخير) .هكذا نجد الفصل 88 من الدستور 1970 والفصل 89 من دستور 1992 ينصان على مايلي ” ينفذ العمال في العمالات والأقاليم مقررات مجالس العمالات والأقاليم وينسقون بالإضافة إلى ذلك نشاط الإدارات ويسهرون على تطبيق القانون”، في حين يشير الفصل 102 من دستور 1996 على مايلي: ” يمثل العمال الدولة في العمالات والأقاليم والجهات ويسهرون على تنفيذ القوانين، وهم مسؤولون لهذه الغاية عن تدبير المصالح المحلية التابعة للإدارات المركزية”. وليكون الدستور الجديد بمثابة جسر انتقالي، على الأقل من الناحية التيمولوجية، من مفهوم “رجل السلطة “Agent d’Autorité إلى مفهوم “رجل تنمية Agent de Développement ” أو ” رجل حكامة Agent de Gouvernance ” (وحتى نتفادى التأنيث المصطلحي نفضل ترجمة Agent ب” الفاعل” عوض” رجل”) وكذا من الناحية الحكاماتية، وأيضاجسرجمعي بين الولاة والعمال من حيث الاختصاصات والصلاحيات المخولة لهم، حيث ينص الفصل 145 من الدستور على مايلي : ” يمثل ولاة الجهات وعمال الأقاليم والعمالات السلطة المركزية في الجماعات الترابية. يعمل الولاة والعمال، باسم الحكومة على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية. يساعد الولاة والعمال رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية .يقوم الولاة والعمال، تحت سلطة الوزراء المعنيين بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية ويسهرون على حسن سيرها “.
وباختصار فالولاة والعمال أضحوا وبموجب الدستور الجديد الفاعلين الأساسيين في الحكامة الترابية، وبالتالي فهم يشكلون الدعامة الرئيسية واللبنة الأولى في بناء صرح ” المفهوم المتجدد للسلطة ” الذي مافتئت اشراقاته تلوح في الافق المنظور.
ثانيا : الفهم القانوني
يظل الفهم القانوني هنا المؤشر القادر على جعل ” رجل السلطة ” يتسم بسمات ويتصف بصفات، تمكنه من تملك وسائل أجرأة اختياره لمنصب “والي ” أو ” عامل”، وذلك من حيث الوقوف وقفة تأمل أمام مجمل أبعاد الترسانة القانونية المنظمة لهذا المنصب ( والي أو عامل ).
تجدر الإشارة بداية إلى أنه لم يتم الحديث عن فئة العمال من ناحية التواجد القانوني، إلا مع تبني الظهير الشريف المحدث لعمالتي الرباط والدار البيضاء ل 16 دجنبر 1955، ثم تلاه التنصيص على نظام خاص بهيئة العمال بموجب ظهير 20 مارس 1956، والذي جسد بحق المنطلق الأساسي و النواة الأولى لإحداث هيئة رجال السلطة، وهو الظهير الذي حصر الاختصاصات المخولة للعمال في تمثيلهم للسلطة التنفيذية على مستوى الأقاليم. هذه الإختصاصات سيتم توسيعها والإعلان عن طابعها المتعدد والمتشعب مع البدء بالعمل بالفصل 29 من الظهير الشريف بشأن النظام الخصوصي للمتصرفين بوزارة الداخلية لفاتح مارس 1963، والذي عمل على التنصيص على مايلي ” يمثل العمال السلطة التنفيذية بأقاليم وعمالات مملكتنا الشريفة، فهم يسهرون على تطبيق القوانين والأنظمةومقرارات وتعليمات السلطة المركزية ويراقبون تحث سلطة الوزراء المختصين النشاط العام لموظفي الدولة، كما ينفذون مقررات المجالس العمالية والإقليمية، وينسقون أعمال المصالح الخارجية للوزارات ومكاتب الاستغلال والمؤسسات العمومية الأخرى، ويعهد إلى العمال بالمحافظة على النظام ويشرفون بالخصوص تحت سلطة وزير الداخلية على أعمال رؤساء الدوائر ورؤساء المقاطعات الحضرية والقروية، كما يقومون بمراقبة الجماعات المحلية ضمن حدود الاختصاصات المخولة إياهم.” إن الصفة التمثيلية المنصوص عليها في بداية هذا الفصل سيتم تأكيدها في الفصل الأول من الظهير الشريف ل 15 فبراير 1977، المتعلق باختصاصات العامل والذي نص على كون ” العامل هو الممثل لجلالتنا الشريفة في العمالة أو الأقليم الذي يمارس فيه مهامه “
وبعد مرور حوالي ثلاثين سنة ولتدعيم المسار القانوني لفئة رجال السلطة، وفي خطوة تاريخية تم الحسم في ضرورة تبني النظام الأساسي لرجال السلطة وذلك بتاريخ 31 يوليوز 2008، كما تمت المصادقة على مراسيمه التطبيقية خلال شهر شتنبر من نفس السنة، وهو النظام الذي سعى إلى وضع تنظيم محكم لرجال السلطة ( تعيينهم، رتبهم، طريقة ترقيتهم، حقوقهم ،واجباتهم وتأديبهم)، كما تحدث عن منصب الوالي لأول مرة بشكل قانوني بحت وصريح، بعد أن كان يشار إليه في بعض المراسيم فقط ( في هذا الصدد لم يتمكن منصب الوالي من ولوج تيمولوجية رجال السلطة إلا مع تبني مرسوم 28 يوليوز 1981، والمتمثل في تعيين واليي مدينتي الرباط والدار البيضاء وكذا من خلال المراسيم التي أعطت اختصاصات هامة للولاة في نطاق التدبير اللامتمركز للإستثمار لسنة 2002) ، من جهة أخرى نجد النظام الأساسي لرجال السلطة أخضع مسألة التعيين في مناصب السلطة بصفة عامة، بما فيها منصب الوالي ومنصب العامل إلى ضرورة التوفر على أقدمية معينة والكفاءة والخبرة ( المادة 4 من النظام الأساسي لرجال السلطة) كما يمكن أن تكون هناك ترقية استثنائية ( المادة 18 ) مرتبطة بهذا التعيين.
وعموما يشكل الفهم القانوني لمسألة التعيينات الأخيرة للولاة والعمال مسألة ضرورية لمواءمة هذه التعيينات مع المستجدات الدستورية و القانونية وكذا الانخراط في سياقات ” المفهوم المتجدد للسلطة “. ورغم أن مسألة مباشرة هذه التعيينات بموجب ” ظهير شريف ” تبرز بما لا يدع مجالا للشك مدى جسامة المسؤولية الملقاة على عاتق هذه الفئة وكذا الأهمية القصوى التي تم ايلاءها لها، فإن شخصية كل واحدة منها هي التي تبصم مسارات النجاح أوالفشل في المهمة أو المنصب، في هذا الصدد تجدر الإشارة إلى الكلمة القوية للملك للراحل الحسن الثاني أثناء تعيينه لبعض العمال ” أسلمكم ظهائر التعيين ولكن لا أعطيكم الشخصية ” ، كما خاطبهم أيضا أثناء تسلمهم لظهائر تعيينهم في 25 يناير 1996 بقوله: ” فأنتم عيوننا و أنتم أذننا و أنتم الممثلون الذين يمثلوننا لا فقط من الناحية الشكلية، بل أتمنى وأرجوا من صميم القلب أن تمثلوا كذلك بوجودكم محبتي من بلدي وتعلقي بشعبي ووطني على كل مغربي للأخد بيد الضعيف وإنصاف المظلوم وتشجيع السائر في الطريق الصائب”.
ثالثا : الفهم البروفيلي
والمقصود بالفهم البروفيلي المواصفات والمقاييس ( أسس المعيرة ) المستند إليها لتعيين يتسم بالفعالية والكفاية والنجاعة، أي تعيين حكاماتي، وكذا التأكيد على المسارات التي تكون فيها الوالي أو العامل، والتي تم تعيينه على أساسها. والملاحظ في التعيينات الأخيرة أن البروفيل يتعدد بين التقنوقراطي والسياسي والإداري وحتى القضائي.
>التقنوقراطي ( نموذج والي الرباط سلا زمور زعير ): فالمدرسة التقنوقراطية مافتئت تتجذر في ممارسات الإدارة الترابية، وهي المدرسة التي أثبتت ومن تجارب عديدة ومحطات مختلفة نجاعتها وقدرتها الفائقة على توفير الكفاءات الضرورية لتدبير الأوراش الكبرى الهيكلية والمنتشرة على صعيد المملكة ( طنجة المتوسط، مارتشيكاميد بالناظور، الطريق الساحلي: السعيدية / طنجة ، الطرق السيارة…) وهو التدبير الذي ما فتئ رجل السلطة التقنوقراطي (والي أوعامل ) يفرض بصماته عليه،وذلك من منطلق توفره على اليات وميكانيزمات عمل عديدة ومنها: الرؤية الإستراتيجية الطويلة المدى، القدرة الحقيقية على التجديد وتبني روح الابتكار وكذا الانخراط السريع والايجابي في المنظور التنموي للمفهوم الجديد للسلطة .
السياسي( نمودج عامل المحمدية ): والمقصود بالبروفيل السياسي أن التعيين يرتبط بشخصية ذات توجه سياسي/ حزبي معين . هذا البروفيل كثيرا ما تم الاعتماد عليه في العديد من التعيينات في المناصب السامية ومنها مناصب السفراء والولاة والعمال، بل كانت التجربة الأولى لمنح وزارة الداخلية برمتها لوزير متحزب هو الأمين العام لحزب الحركة الشعبية في حكومة بن كيران الأولى . والملاحظ أن التجربة المتراكمة في هذا الشأن ( مثلا والي سوس ماسة درعة سابقا ،الوالي الحالي لمكناس تافيلالت) أثبتت مدى نجاعة هذا الاختيار ودقة رؤيته الاستشرافية، خاصة وان الوالي أو العامل وبمجرد تقلده للمسؤولية الترابية فانه يعلن عن تخليه عن توجهه وانتمائه السياسي وتغليبه لمصلحة الوطن وانخراطه في صيرورة التنمية التشاركية .
>الإداري : و المقصود به بشكل عام البروفيل الذي يمتح استقطابيته للإدارة الترابية، عبر جلب أعضاء جدد إلى صفوفها وضخ دماء جديدة في شرايينها ،وهو البروفيل الذي يأخد نمطين ،النمط الأول : الاعتماد على كفاءات وطاقات إدارية تمثل مواقع المسؤولية داخل الادارات العمومية أو شبه العمومية أو الخاصة ( نموذج العامل مدير التطهير بوزارة الداخلية) أما النمط الثاني: فيتبلور عبر مسارات خريجي مدارس التكوين الإداري والترابي الوطنية :المدرسة الوطنية للإدارة ENA، المعهد العالي للإدارة ISA، مركز الابحاث الإدارية واستكمال الخبرة CRAPمدرسة تكوين الاطرEPCK سابقا وحاليا المعهد الملكي للإدارة الترابية IRAT ( غالبية العمال و الولاة المعينين) .
>القضائي ( نموذج والي الغرب شراردة بنى حسين): ان علاقة جهاز الإدارة الترابية بالجهاز القضائي، هي علاقة ينظمها مبدأ فصل السلط، بيد أن الرغبة التواقة في جعل القضاء ينخرط هو ايضا في المفهوم الجديد للسلطة وكذا المفهوم الجديد للعدالة وهو القضاء في خدمة المواطن وضمانه لأسس حكامة تدبيرية جيدة، جعل الجسم القضائي ينذمج فيها وبكل ايجابية ( تجربة الطيب الشرقاوي، وزير الداخلية السابق)، هذا دون إغفال أن مكونات أخرى لمنظومة العدالة ما فتئت تنخرط في سلك الادارة الترابية، فكثيرا ما تم تعيين عمال هم في الاصل جزأ من سلك المحاماة. ان التعيينات الاخيرة في شقها المتعلق بالبروفيل القضائي ركزت على أبعاد وأسس الحكامة المالية من حيث اللجوء الى خبرة تراكمية على صعيد المحاكم المالية وبالضبط المجلس الجهوي للحسابات كجزأ لا يتجزأ من المنظومة الرقابية الوطنية وكجهة قضائية مكلفة بالتدقيق والافتحاص والتفتيش والرقابة الداخلية .
رابعا : الفهم الحكاماتي
كثيرا ما نظر إلى الحكامة في تحديدها الشمولي كنمط جديد لتدبير السلطة والتنظيم السياسي والاجتماعي، وكرؤية جديدة للدولة والمجتمع والعلاقات الرابطة بينهما وكآلية للتدبير الرشيد والتسيير المعقلن للموارد بغية تحقيق التوازنات في شتى الميادين، إذ أن الحكامة بشكل عام تختصر في مجموع الأساليب والإواليات التي تمارس عن طريقها السلطة ويسير عبرها الشأن العام.
إن الفهم الحكاماتي للتعيينات الاخيرة في صفوف العمال والولاة يجد مرجعياته في هذا التحديد الشمولي من جهة ،ومن جهة ثانية في بلاغ الديوان الملكي المرتبط بهذه التعيينات والمؤكد بالأساس على كونها تندرج في سياق المفهوم الملكي المتجدد للسلطة، والذي يقوم بالدرجة الاولى على ركيزة الحكامة الترابية ويجعل من مسألة تعزيزها خيارا لا رجعة فيه لبلورة أسس ومعالم حكامة جيدة وبناء دولة الحكامة أو المغرب المأمول والممكن ( مغرب الحكامة)، والذي تتوطد أسسه بتبني مبدأ اللامركزية وتجسيده الفعلي المتمثل في الحكامة الترابية. وهو الرهان الذي بدأت تتضح معالمه بشكل بارز وتتبلور أركانه بشكل فعلي وواقعي منذ النداء الملكي الحاسم والتاريخي ليوم 03 يناير 2010، لبناء معالم جهوية متقدمة ذات جوهر ديمقراطي وتنموي، تمثل ورشا هيكليا كبيرا، أضحت هناك رغبة ملكية تواقة لجعله تحولا نوعيا في أنماط الحكامة الترابية. ومن هذا المنظور يؤكد الملك محمد السادس في خطابه ل 03 يناير 2010 بأن ” الجهوية الموسعة المنشودة، ليست مجرد إجراء تقني أو إداري، بل توجها حاسما لتطوير وتحديث هياكل الدولة، والنهوض بالتنمية المندمجة… كما نتوخى أن يكون إنبثاقا لدينامية جديدة للإصلاح المؤسسي العميق”.
إن هذا الإصلاح المنبني على المأسسة المستمرة “لجهات” قوية، ستتم دسترته، وذلك بتكريس الدستور الجديد على المغرب الجهوي أو المغرب اللامركزي من خلال تنصيصه في الفص 136 على كون” التنظيم الجهوي والترابي يرتكز على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن ” كما يعمل على” تأمين – وفق نفس الفصل – مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة” كما أن الفصل 137 من الدستور يبرز الدور الريادي للجهات وكذا باقي الجماعات الترابية الاخرى في ” تفعيل السياسة العامة للدولة”. في كل هذه السياقات تنجلي ضرورة تعزيز الادارة الترابية بكفاءات قادرة على التمكين من المشروع الجهوي الموسع وهو ما بلورته الاختصاصات الدستورية الجديدة المنوطة بالولاة والعمال، كما تنص على ذلك الفقرتين الاولى والثالثة من الفصل 145 السابق الذكر ( يمثل ولاة الجهات وعمال الاقاليم والعمالات السلطة المركزية في الجماعات الترابية “الفقرة الأولى”. يساعد الولاة والعمال رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية “الفقرة الثالثة”) . إن الفهم الحكاماتي وعلى ضوء ما سبق يجعل التعيينات الأخيرة المرتبطة بالإدارة الترابية محكا حقيقيا للبناء الديمقراطي التنموي والمستند على أسس حكامة ترابية جيدة.
خامسا : الفهم التجديدي
ينطلق هذا الفهم من كون التعيينات الاخيرة المرتبطة بالولاة والعمال، تندرج في سياق المفهوم المتجدد للسلطة كنمط إنتقالي للمفهوم الجديد للسلطة، وهو المفهوم الذي أكد بلاغ الديوان الملكي الخاص بهذه التعيينات أنه يقوم على خمس ركائز : سياسة القرب، العمل الميداني، الإصغاء إلى المواطنين، العمل على التجاوب مع انشغالهم والانكباب على أوراش التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية . وكلها ركائز تجد منطلقها الأساسي في الحكامة الترابية الناجعة والفعالة. وقبل الحديث عن ركائز المفهوم المتجدد للسلطة، لا بأس أن نحلل وبعمق الطابع ” المتجدد” للسلطة والاسس التي يقوم عليها في هذا الشأن، ولعل من أبرزها القدرة على التكيف، والمقصود بها التوفرعلى اليات المواءمة مع التطورات المتلاحقة والمستجدات المتسارعة، والحرص على التبيئ المستمروالمندمج مع السياقات التي تعتمل من خلالها السلطة، إذ أن هذه الاخيرة كلما كانت قادرة على التكيف كانت أكثر فاعلية، لأن الجمود يوقف أو على الاقل يقلل من أهمية تدخلها، وذلك بصرف النظر عن أوجه هذا التكيف ( الزمني،الجيلي، والوظيفي) ومن الأسس التي يرتكز عليها أيضا الطابع المتجدد، والمبلورة للوعي المتجدد للسلطة، نجد التحيين و المسايرة والمواكبة، ودسترة المبادئ ( المناصفة، التشبيب) …..وكلها أسس تمثل منطلقات حقيقية لغرس طابع التجدد وإضفائه على تواجدات المفهوم المتجدد للسلطة وركائزه .هذه الاخيرة تتبلور من خلال تبني سياسة للقرب تجعل من أولوياتها تحقيق التجاوب مع المواطن، عملا بفلسفة الباب المفتوح وتذويب الفوارق بينه وبين السلطة برد الاعتبار اللائق إلى مكانته،وبالتقرب منه ومعالجة ميدانية لمشاكله وملامستها في عين المكان وإيجاد الحلول المواتية والملائمة لها بصفة تشاورية وتشاركية. ومن تم تتكرس مبادئ البعد الإداري الوظيفي للمفهوم المتجدد للسلطة والمتمثل في الطابع الخدماتي للإدارة الترابية والحرص على تجويد أدائها المرتبط بالتدبير العمومي وبلورة رؤية حكاماتية للتنمية المستدامة و المندمجة .
وصفوة القول يظل المفهوم المتجدد للسلطة بمثابة النبراس المنيرالذي سيمتح من إضاءاته التي لا تنضب الولاة والعمال المعينين مؤخرا لصياغة معالم حكامة جيدة رائدة ،متواصلة، ناجعة و قادرة على السير ببلادنا الى مراتب متقدمة.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=4837