ازمور انفو24 المتابعة:عدنان حاد
يعتبر الأمن حاجة أساسية للأفراد ،كما هو ضرورة من ضروريات بناء و تطور المجتمع و صمام أمان لبقائه، و مرتكز أساسي من مرتكزات تشييد الحضارة ، فلا أمن بلا استقرار و لا حضارة بلا أمن ، و لا يتحقق الأمن إلا في الحالة التي يكون فيها العقل الفردي و الحس الجماعي خاليا من أي شعور بالتهديد للسلامة و الاستقرار ، فالإنسان يستشعر منذ ولادته حاجته إلى الاستقرار بصورة غريزية و لا يهدأ باله إلا إذا شعر بالأمان والاطمئنان ، و عليه فحفاظاً على مسيرة الحياة البشرية بصورة آمنة كان لزاما على جميع المجتمعات بذل كل الجهود للقيام بالمسؤوليات المنوطة بها تجاه مواطنيها لتحقق لهم أكبر قدر ممكن من الأمن والاستقرار من خلال إيجاد المؤسسات الأمنية و على رأسها مؤسسة الشرطة التي كلها تحرص على رعاية قواعد السلوك العام ، و العمل على عدم الخروج عنها، حتى أصبحت اليوم تشكل بحق عماد سلطة المجتمع ، لأنه مهما تباينت النظم السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية للمجتمعات فمن المسلم به أنها صارت تمثل التجسيد الطبيعي لسلطة المجتمع من خلال القيام بواجباتها الأمنية للحفاظ على الأمن و الاستقرار ، و بما أن أفراد المجتمع ومؤسساته هم من تقع عليهم مسئولية المشاركة مع المؤسسات الأمنية، فإنه من الواجب عليهم دعم أمن المجتمع بصورة مباشرة وغير مباشرة كما يعتبر واجباً حتمياً عليهم أقره الدين وكافة النظم والأعراف ، و في المقابل لابد أن تخرج المؤسسات الأمنية عموما و الشرطة على وجه الخصوص عن نطاقها التقليدي والانخراط مع المجتمع وتقديم خدمات اجتماعية له حتى يكتسب هذا الجهاز الأمني حب وتقدير كافة أفراد المجتمع.النظرة السلبية لرجل الشرطةللأسف الشديد نجد أن بعض أفراد المجتمع لازال يأخذ فكرة خاطئة عن بعض المؤسسات الأمنية – وخاصة الشرطة – على أنها أداة قمع وإرهاب للمجتمع، و أصبحت هذه الفكرة تتوارثها الأجيال، فتسببت بشكل كبير في توسيع الهوة و تعميقها بين أفراد المجتمع و مختلف المؤسسات الأمنية و على رأسها مؤسسة الشرطة .إذ هناك من فسر ذلك بوجود تعارض مصالح بعض المواطنين مع مقتضيات الواجب للشرطة، فرجل الشرطة كثيرا ما كان يشكل سداً نفسياً أمام رغبات بعض المواطنين التي قد تتعارض مع مصالح المجتمع، لذلك يشعر المواطن أن الشرطة تقف سداً أو حاجزا ضد تحقيق رغباته غير المشروعة، وهذا يشكل حاجزاً نفسياً بينه وبين الشرطة. و هناك من يرى أن طبيعة وظيفة جهاز الشرطة في الدول المتقدمة تتمثل في منع الجريمة والوقاية منها، أما في الدول النامية فهي أداة للتغير الاجتماعي والتنمية، وهذا ما يجعل مجالات الاحتكاك أكثر، و بالتالي تزداد العلاقات مع المواطنين تعكيراً .فالدور الذي تقوم به المؤسسات الأمنية هو تطبيق القانون، و التي هي بمثابة قيود على حريات الأفراد، بالتالي فإن هناك شعوراً بالكراهية نوعا ما سيتولد لدى أفراد المجتمع ضد رجال الأمن ، و هذا ما حدث بالفعل لما استخدمت أجهزة الشرطة بعض الفترات كوسيلة لتقييد حرية المواطنين و قمعهم ، حتى أنه أصبحت رؤية بعض أفراد الشرطة يولد الشعور بالعدائية، و قد ارتبطت صورة الشرطي لدى الموطن بصورة الرجل المستبد في كبت الحريات وإرهاب الناس).كما أن المواقف التي تحدث يوميا و باستمرار بين أفراد المجتمع وأفراد المؤسسات الأمنية غالباً ما تكون غير سارة بالنسبة لأفراد المجتمع، كونهم يوقعون الجزاء عليهم لمخالفاتهم وخاصة رجال المرور ، و أن تضامن رجال المؤسسات الأمنية مع بعضهم البعض لاتخاذ كل الإجراءات القانونية للقبض على المتهمين من أفراد المجتمع ، يجعل ذلك التضامن ذا أثر سلبي لدى أفراد المجتمع في مواجهة أفراد المؤسسات الأمنية بصفة عامة و على رأسها مؤسسة الشرطة و هذا يعكس إظهاراً كاملاً لسلطة رجل الشرطة وفي نفس الوقت يقوي عنصر التضامن مع زملائه الآخرين لمواجهة ذلك التحدي ، بإضافة إلى عدم اقتناع بعض أفراد المجتمع بأهمية التعاون مع رجال المؤسسات الأمنية، فتدخل رجال الأمن في بعض الحالات التي تخص السلوك العام كالتدخل في أماكن اللهو والتجمعات حيث يتعمد المنحرفون الإساءة لهم .طبيعة مهام جهاز الشرطة :إن للمؤسسات الأمنية عموما و مؤسسة الشرطة على وجه الخصوص وظائف متعددة و كثيرة في المجتمع، فمنها ما هي وظائف أمنية و أخرى وظائف اجتماعية، مع بقاء الوظائف أو الواجبات الأمنية التقليدية هي الأساس كونها محددة بمقتضى أنظمة و لوائح قانونية و إدارية.إن وظيفة الشرطة التقليدية و واجبها هي منع الجريمة، واكتشافها، والقبض على مرتكبيها ، و تنفيذ العقوبة الصادرة بحقهم، و المحافظة على الأمن العام و الآداب ، لذلك فإن أهم الواجبات الوظيفية للشرطة هي تحقيق الأمن والاستقرار لأفراد المجتمع، و لكي تؤدي هذه المؤسسة الأمنية واجباتها المهنية لا بد أن تكون مقبولة لدى المجتمع حتى تظفر بمساعدته ، لأنه ربما لن تكون مقبولة و هي تنفذ القوانين التي تتعارض مع بعض أهواء و رغبات أفراد المجتمع، ولكن ستتغير الصورة إذا أدخلت هذه المؤسسة الأمنية بعض الإصلاحات على الساحة التقليدية التي تؤدي فيها واجباتها، لذلك نرى أنه من الضروري الخروج عن نطاقها التقليدي و الدخول في الخدمات الاجتماعية حتى تتقرب بها أكثر إلى مكونات المجتمع ، لأنه و أمام هذه المسئولية الكبيرة تجد أن الشرطة بمفردها حتما عاجزة إلى حد ما عن تحقيق رسالتها لأنها محدودة العدد بالنسبة لأفراد المجتمع … ومن هنا بات لزاما على الشرطة أن تعمل على توطيد الدور الاجتماعي لها من خلال بناء جسور الثقة والتعاون بينها وبين الجمهور فهي لا تستطيع – وحدها وإن وكانت هي الجهاز المتصل اتصالاً مباشراً بأنواع السلوك المنحرف – أن تقي المجتمع من الجريمة، وتحقق له الأمن بدون تلك الثقة للمشاركة في تحمل المسئولية الأمنية بمفهومها العام . و عليه فإذا كانت مسألة تحقيق الأمن و العمل على استتبابه تقع في الأساس على عاتق جهاز الشرطة بالدرجة الأولى كمؤسسة أمنية في المجتمع على اعتبار أنه وظيفتها الأساسية ، فإن توفير الأمن يبقى مسئولية كافة الأجهزة والمؤسسات الحكومية وكل إفراد المجتمع، لذلك من الضروري وجود علاقة قوية و متينة بين المؤسسة الأمنية والمجتمع لمنع الانحراف والجريمة والمشاركة سوياً في مكافحتها. لذلك نجد اليوم المؤسسات الأمنية و على رأسها جهاز الشرطة تقدم بعض الخدمات الاجتماعية التي ترتبط بالمجتمع ارتباطاً وثيقاً و منها على سبيل المثال ، المشاركة في حماية الآداب العامة، حيث تقوم الشرطة بوصفها إحدى المؤسسات الأمنية بحماية الآداب حتى قبل وقوع أي جريمة، إضافة إلى مراقبة المواقع التي تمارس فيها الرذيلة و الفساد الأخلاقي ، ناهيك عن حماية الأحداث من الانحراف و ذلك بالتدخل في بعض الحالات التي تسبب انزلاق الحدث نحو الجريمة ، بالإضافة إلى تقديم خدمات إنسانية متعددة ، فهناك مجال واسع للخدمات الاجتماعية والإنسانية التي يمكن أن تقوم بها المؤسسات الأمنية خدمة للمواطنين، فهناك المجالات الخيرية المتعددة ، إذ يمكن أن يكون لها دور في التدخل في حالة الكوارث والنكبات ليس بالمساعدة فقط ولكن بالإسعاف وتقديم الخدمات والعون ، زيادة على ذلك إقامة أيام دراسية و أبواب مفتوحة وتقديم الدور التوعوي بالإضافة إلى كسر الحاجز بين المواطنين و رجال الأمن ، دون أن ننسى المساهمة بإدارة دوريات الأمن بمختلف مناطق الوطن و المشاركة في الحملات الأمنية التي تجعل المواطن أكثر شعورا بالأمن و الاستقرار و الطمأنينة و راحة البال ، فنشاهد اليوم و لله الحمد الحملات الأمنية التوعوية الشاملة، من أسبوع المرور ويوم الشرطة العربية، واليوم العالمي للمخدرات، و يوم وطني للشرطة، كل هذه الحملات الإعلامية الهادفة تصب إلى توعية وتبصير المجتمع ومؤسساته إلى الخدمات التي تقدمها المؤسسات الأمنية، وبالتالي تخرج هذه المؤسسات الأمنية عن نطاقها التقليدي وتدخل في دائرة الضوء التي تقربها إلى كافة أفراد المجتمع. الملاحظ في هذا السياق ، أن الشرطة العربية بصورة عامة غنية بهذه التجارب، حيث خروج كثير من قوات الشرطة العربية إن لم نقل كلها من محيط واجباتها التقليدية إلى رحاب مجالات اجتماعية في إغاثة المريض وذوي الحاجة وفي حالات الطوارئ و رغم ذلك تبقى الشرطة مطالبة بالقيام بمزيد من الخدمات التي تقدم لعموم أفراد المجتمع ومؤسساته وتدعم ذلك بالمحاضرات والمشاركة الأمنية العلمية ، حتى تكسب مؤسسة الشرطة أفراد المجتمع ثقتها و تدفعهم طواعية للمشاركة معها في رسالتها الأمنية.لقد أكدت العديد من دراسات الأمنية الحديثة أن أهمية الشراكة بين الشرطة و المجتمع ازدادت بعد إدراك أهمية العلاقة العضوية بين الشرطة كنظام امني والبناء الاجتماعي ، مذكرة أن الشرطة تقوم على العديد من الأسس و لعل أبرزها هو مشاركة جميع أفراد المجتمع في مهامها الأمنية ، معتبرة أن أداء الشرطة يقاس بمقدار حجم مشاركة الجمهور ومقدار خفض الخوف من الجريمة وعدد ضحاياها وكذلك بتحسين ظروف الحياة وانخفاض المشكلات الاجتماعية مشيرة إلى أنها تقوم على الاتصال الدائم بالجمهور، وتهدف إلى حل المشكلات بالمجتمع وتحسين العلاقة كما أن التغير الوظيفي الذي تقوم به الشرطة اليوم يعتبر تغيرا بناء وصادقا وعادة ما يكون مجال تأثيرها مباشراً على المشاركين في الميدان وتكون الاستجابة لأعمالهم سريعة. قد درج المشتغلين في مجال العلوم الأمنية على استعمال تعبير شرطة المجتمع أو كما يطلق عليه أشقاؤنا في الخليج الشرطة المجتمعية و هو التعبير الأكثر تداولا لأنه لفظ استعمل في أكثر من تعريف وقد يعكس ذلك رغبة عند من يستعملونه فيما يريدون بسيادة قيم معينة في العمل الشرطي .تعد شرطة المجتمع أو الشرطة المجتمعية مفهوماً جديداً للعمل الشرطي التقليدي، الذي يسبق الحدث الأمني القائم على المعلومات الدقيقة النابعة من مصادرها الحقيقية في المجتمع الذي يبقى المستفيد الأول و الأخير من خدمات الشرطة و مختلف الأجهزة الأمنية بصفة عامة ، و عليه فشرطة المجتمع هي فلسفة تنظيمية وإستراتيجية قوامها انفتاح الشرطة التقليدية على مختلف عناصر المجتمع وتحقيق مشاركة حقيقية بين الشرطة والمجتمع في تحمل المسؤوليات الأمنية بمفهوم شامل وجهد طوعي نابع عن إرادة صادقة ..من خلال بناء هذه الإستراتيجية الأمنية الجديدة التي تتناسب وحجم التطورات الشاملة التي تشهدها الجزائر و ما يتطلبه ذلك من توفير رؤية أمنية جديدة تواكب معطيات التغيرات والتحديات المفترضة أو المحتمل وقوعها..، هذه الإستراتيجية تقوم في الأساس على شراكة جهاز الشرطة مع المجتمع ، هذه الشراكة التي تعتبر في نظرنا أسلوبا عصريا جديدا يمكن أن يسهم في بناء جسور الثقة المتبادلة بين أفراد المجتمع والأجهزة الأمنية ، ووضع المواطن والمقيم ومختلف مؤسسات الدولة و المجتمع المدني جنباً إلى جنب أمام مسؤولياتهم وواجباتهم في توظيف كل القدرات و الإمكانيات للتصدي للجريمة بظروفها ومتغيراتها ومواجهة مختلف المشكلات التي تهدد أمن واستقرار المجتمع ، فالشرطة المجتمعية إذن عنصر هام في المنظومة الأمنية التي تحتاج من كافة المؤسسات إلى تفعليها والعمل على نشرها…..أهداف الشرطة من إشراكها للمجتمع في وظيفتها الأمنية تقوم فكرة شرطة المجتمع على تحمل كافة فئات المجتمع مسئولية الأمن بصورة مباشره وعلى تكوين مشاركة فعلية كاملة في المسئولية بين المجتمع المحلى والشرطة من خلال تحديد المشكلات الأمنية و سبل الوقاية منها و آليات مكافحتها ، إذن فهي تجنيد لجميع طاقات المجتمع بما يمكن أن يطلق عليه الحس الأمني الذي يزود الفرد بالأهداف الأمنية والمصالح المشتركة التي ينبغي الحفاظ عليها ، فالشرطة بهذا المفهوم هي جهاز يسعى إلى تعزيز الجهود الرامية لمكافحة الجريمة و تكوين نوع من الرضا لدى المواطنين عن الخدمات الأمنية بصفة عامة وبخفض الخوف من الجريمة وحل المشكلات المحلية وخفض معدلات الجريمة و زيادة رضا أفراد الشرطة عن عملهم و نشير هنا إلى أن هنالك العديد من الأهداف المتوخاة من تطبيق مفهوم الشراكة بين الشرطة و المجتمع أو ما يطلق عليه في العلوم الأمنية بمصطلح الشرطة المجتمعية ، نذكر منها ، العمل على تطوير العمل الاجتماعي و الإنساني في جهاز الشرطة بما يساهم في تحقيق التقارب بين جميع أفراد مؤسسة الشرطة من جهة ومن ثم تحسين العلاقة التبادلية بين الشرطة والمجتمع من جهة ثانية ، بالإضافة إلى تفعيل الدور الوقائي وسط المجتمع من خلال تبني مفهوم ” الوقاية خير من العلاج” الذي لا يتحقق إلا من خلال إشراك المجتمع بكل فئاته في هذه المسئولية، و إزالة الحاجز النفسي لدى المواطنين في التعامل مع الشرطة.. ، ناهيك عن إيجاد حلول موضوعية وعملية للمشكلات الاجتماعية والأسرية من خلال دفع الجمهور للمشاركة في تقويم السلوكيات الخاطئة ، بصفة عامة تطوير آليات العمل التطوعي في المجال الأمني . آليات تفعيل دور الشرطة في سياق علاقتها بالبناء الاجتماعي نعلم جميعاً أن معظم الدول والأنظمة تسعى اليوم إلى تحقيق مزيد من مظاهر الأمن الشامل في بنيتها الوطنية والاجتماعية، وفي علاقات الناس بعضهم ببعض، تفادياً لما قد يطرأ من مفاجآت قد تخل بأمنها واستقرارها، وتؤثر في حاضرها ومستقبلها. ولكل نظام أسلوب ومنهج فيما يسعى إلى تحقيقه.. وقد فرض مصطلح شرطة المجتمع أو الشرطة المجتمعية في الفترة الأخيرة نفسه باعتباره أسلوباً ناجحاً لمواجهة الجريمة بكل أشكالها ، و لكون هذا المفهوم هو القادر على تحقيق الأمن بمفهومه الحديث وبكل أبعاده المختلفة لأنه يعنى تفجير طاقات الأفراد واستنفار قدراتهم لتحقيق الأمن بحيث يشارك فيه الجميع وتتضافر فيه الجهود لتصبح مسئوليه تحقيق الأمن مسئولية وطنية يكون فيها شعار الأمن مسئولية الجميع واقعاً معاشاً. إن هذا التعاون الأمني بين الشرطة والمجتمع، لابد أن يؤطر ليتم عبر آليات قانونية يعمل الجميع بموجبها، فهنالك الكثير من الدول من قطعت أشواطاً كبيرة في مجال دمج جهود المجتمع وتعاونه لصالح أعمال الشرطة و في أدبيات الشرطة في الدول التي تنفذ هذه الفكرة السامية, هنالك تأكيدات تشير إلى أن مستوى فعالية وتنظيم شرطة المجتمع, يحدد فعالية نتائجها. وحينما تعمل أجهزة الشرطة على دمج جهود المواطنين مع جهود أفراد الشرطة والاستفادة منهم ضمن إطار واضح, تحكمه فلسفة أمنية محددة المعالم لها إستراتيجية معتمدة وممولة ولها أهداف محددة وإجراءات عمل مرنة وخطط مستمرة فإن التوفيق والنجاح سوف يكون حتما حليفها. و عليه فشرطة المجتمع أو الشرطة المجتمعية ليست إلا عملاً تعاونياً منظماً تشترك فيه أطراف من السكان أفراداً ومؤسسات، مع أقسام وإدارات الشرط في مدنهم وأحيائهم السكنية، لتحقيق مستويات أفضل في مجال الأمن، و من الأولويات في الشأن الأمني، أن يسهم المجتمع مباشرة في تحديد المشكلات الأمنية، ثم المساهمة بالعمل على تقديم الحلول لها ففي إطار هذه العلاقة يصبح الأمن معززاً و قوياً. و ما يحدد الفرق بين جهاز شرطة وآخر، في تحقيق مستويات محترمة من الأمن، هو مدى ما يتحقق لهذه الشرطة أو تلك، من قيادات قادرة على إدراك أبعاد الأمن، وما يتطلب تحقيقه من مفاهيم فلسفة الأمن، التي يجب أن تختلف معطياتها من بيئة إلى أخرى ، فلا يمكن أن يتحقق الأمن في مدينة مزدحمة بالسكان، بنفس الأساليب التي يتحقق بها في القرى والضواحي، أو أيضاً في بيئات أخرى مختلفة، و في ذلك، تبرز الفروق في وعي وكفاءات القائمين على وضع وتنفيذ خطط الأمن ، كما أن فن قيادة الرجال والتأثير فيهم ، ومهارة التعامل مع المجتمع، والمقدرة على حسن تسخير الموارد وتوازن استخدامها في خدمة الأمن، عناصر مهمة لمضاعفة نتائج أي جهود أمنية. إنه حين يتم دمج جهود أفراد المجتمع في منظومة الشرطة، فإن ذلك يستوجب تغيير طبيعة الأعمال الميدانية للشرطة ، و أعمال القيادة والسيطرة ، لأن هذا النوع من التعاون الاجتماعي الأمني لا شك أنه يعتمد أولاً وقبل كل شيء على السرعة في البلاغات، و كذلك دقة المعلومات و وضوحها أيضاً حتى تصبح تصورات القائمين على توجيه الأمن أقرب إلى الواقع وكلما كانت أدوار المواطنين نشطة ومتفاعلة كلما عمت الفائدة وانتشر الإحساس بأن الأمن مسؤولية الجميع و عبر شرطة المجتمع تصبح حراسة المناطق و السهر عليها واليقظة فيها و تحليل أوضاعها وكشف المشتبه فيها شأن يهم الجميع مما سوف يوجد عامل ردع قوي في وجه مخالفي النظام ، الأمر الذي يزيد من أمن المجتمع وتماسك أبنائه. و رغم تأثير المعطيات العاطفية والفلسفية لإثارة اهتمام المواطنين وكسب ودهم بالتالي تعاونهم وتفهمهم لأدوار الشرط في حماية المجتمعات وما تحتاجه من تعاون الجميع إلا أن ذلك كله يبقى في نظرنا غير كافي ما لم تحول العملية التعاونية إلى ما يشبه التنظيم المؤسسي القائم على فلسفة أمن خاص للتكافل الاجتماعي الأمني عبر خطط طويلة ومتوسطة وقصيرة المدى و التي كلها لا بد لها أن تنطلق من آليات عمل واضحة وفيها وصف دقيق لطبيعة الأنشطة ومجالات التعاون المطلوبة من المواطنين وذلك كله طبقاً لقوانين ولوائح تنفيذية. هنالك الكثير من التجارب والدروس المستفادة في مجالات الشرطة المجتمعية يمكن أن تستفيد منها الشرطة الجزائرية إن قررت العمل عبر هذا المفهوم و التي لا بد لها أن تنطلق من محاور أساسية متكاملة هي على النحو التالي : فالمحور الأول هو مجالات التوعية الشاملة و المدروسة للمجتمع كله عن مفهوم الشرطة المجتمعية و الأدوار المطلوبة من المجتمع، بشرط أن تتم هذه التوعية عبر برامج مكثفة و مستمرة. المحور الثاني فهو خاص بأفراد المجتمع غير الشرطة القادرين على التطوع بوقتهم وجهودهم للتعاون بأشكاله المطلوبة والمتاحة و يتم تدريب المتطوعين و توجيههم عبر برامج وندوات ودورات مستمرة و عبر تزويدهم كذلك بالمعلومات و في بعض الحالات يزودون بوسائل لها علاقة بشؤون الأمن مثل وسائل الاتصال أو الإنذار المبكر. المحور الثالث يوجه لتدريب المنتسبين لجهاز الشرطة ليتمكنوا من فهم و تطبيق آليات هذا التعاون بكفاءة عالية و احترافية فالتعاون مع المواطن المتطوع لتنفيذ مسؤوليات أمنية عملية تختلف في فلسفتها كثيراً عن التعاون الرسمي بين رجال الشرطة مع بعضهم البعض . معوقات التعاون بين الشرطة و المجتمعنشير في هذا السياق إلى أن عملية التحول من الشرطة التقليدية إلى الشرطة المجتمعية سوف يلقى الكثير من المعوقات و الصعاب كما سوف لن تسلم هذه العملية من الانتقادات التي لا يمكن التغاضي عنها ، و تكمن هذه المعوقات في نوعين النوع الأول يأتي من جانب الشرطة و النوع الثاني هو من جانب المجتمع. قد أكدت تقريبا كل الدراسات الأمنية أن آليات خلق نوع من الشراكة الفعالة بين الشرطة و المجتمع ، تختلف حسب ثقافة كل مجتمع و ظروفه الاجتماعية و الاقتصادية و يمكننا تقسيم تلك الآليات إلى آليات خاصة بالمجتمع وآليات خاصة بجهاز الشرطة .فبالنسبة للآليات الخاصة بالمجتمع فهي تلك التي يسهم بها المجتمع من خلال إشراك أفراد المجتمع من غير الشرطة في عملية منع الجريمة و مكافحتها ، و منها كذلك العمل على نشر الثقافة الأمنية والتي تهتم بنشر الوعي الأمني و ما هي وسائل تحقيقه ودعم الجمعيات النشطة في المجال الأمني. أما فيما يتعلق بالآليات الخاصة بجهاز الشرطة فإنها تتعلق بالفجوة في الأداء بين النظامين والاعتراف بالحاجة للتغيير وخلق المناخ المناسب و العمل على تشخيص المشكلة و السعي للتعرف على استراتيجيات بديلة تتجه في الأساس نحو سياسة كفيلة بتحقيق كفاءة أكثر و فاعلية أعلى في مكافحة الجريمة. إن بناء جهاز شرطة يعمل وفقا لهذا المفهوم يتطلب الكثير من التغيرات التي لا تقتصر على إعادة هيكلة الجهاز فقط بل التغيير في الإجراءات و السياسات الشرطية أيضا لذلك فأن التغيير سيواجه بالكثير من الانتقادات والمعوقات لذا لا يجب صرف النظر عنها لأنها سوف تؤثر حتما على النجاح في تطبيق الفلسفة الجديدة. لبأس هنا من الإشارة و لو بصورة موجزة لأبرز المعوقات التي من شأنها أن تحول دون خلق جهاز شرطة وفقا لهذا المفهوم و التي هي معوقات صادرة من الجانبين ، الشرطة من جهة و الجمهور أو المجتمع من جهة أخرى .بالنسبة للمعوقات التي تصدر من جهاز الشرطة فتتمثل في غياب الهدف المشترك والاختلاف في اللوائح و التنظيمات حيث انه من ضمن أهداف جهاز الشرطة كسب رضا الجمهور إلا أن الممارسات العملية عكس ذلك كما أن الاختلاف والازدواج في الأوامر يؤدي إلى خلل في الأداء و كذلك ضعف عملية الاتصال و المركزية في اتخاذ القرار التي تفقد جهاز الشرطة احد شعاراته مع تدني المعنويات لرجال الشرطة فهو من أكثر الموظفين عرضه للضغوط الاجتماعية و العملية و عدم وضوح الوعي لدى أفراد الجهاز و عدم فهمهم للفكرة و شعورهم بأن هذا سوف ينقلهم من رجال شرطة إلى موظفي شئون اجتماعية ، و هناك كذلك التغييرات التنظيمية والخوف من فقدان السيطرة و الخوف من المجهول حيث أن رجال الشرطة يحبون الاحتفاظ بالصلاحيات و السيطرة على المجال الأمني و لا يفضلون على الإطلاق الاختلاط بعملهم مع المدنيين وخاصة في العمل الأمني. أما فيما يتعلق بالمعوقات التي تحدث من جانب الجمهور نجد أنها تتمثل في تعارض المصالح لشئون بعض أفراد الجمهور حيث أن هذا التحول سوف يؤدي إلى تعارض مع مصالح البعض والشعور بعدم المصداقية وهذا ناتج عن احتفاظ الجمهور بالتجارب السابقة مع الجهاز وتفكيك البنية الاجتماعية وذلك نتيجة للتغيرات السريعة والمفاجئة التي تمر بها المنطقة مما أدى إلى وجود خلل في أنظمة المجتمع فاوجد ظاهرة إغراق اجتماعي وهدد بشيوع الجريمة وذلك سوف يعطل نظام الشرطة المجتمعية.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=23241