ازدحام بالموتى و نقص في المقابر
عدد من المواطنين أكدوا خلال إجراءات دفن أحد أقربائهم على وجود أزمة في آزمور اسمها أزمة المقابر، و خاصة إذا علمنا أن عدد المتوفين يرتفع سنوياً
من غرائب الحياة و مفارقاتها أن يصنف الموتى حسب مستواهم الاجتماعي ، و يصبح هناك فارق طبقي بين قبر و آخر، قبور من النخبة يُدفن فيها أبناء الطبقة الراقية و قبور تداس بالأرجل ، و لا تراعى فيها قدسية المكان و حرمة الموتى،
“تكتسي المقابر أهمية إنسانية و حضارية كبرى، باعتبارها مجالات ينبغي أن تتبوأ مكانة مركزية تحترم كرامة الإنسان الذي انتقل إلى رحمة الله و أيضا الإنسان الحي الذي تعتبر المقابر جزءا لا يتجزأ من المشهد العام الذي ينتظم اجتماعه البشري…
إن حالة المقابر يمكن اتخاذها مؤشرا على مدى تحضر الشعوب و تجذر القيم الإنسانية في نظرتها للكون و الحياة و الإنسان. و سواء كانت هذه المقابر تنتمي إلى المشهد الحضري في المدن أو إلى المشهد القروي في البوادي، فإن ثمة مقاييس ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار حين إيواء هذه المقابر في المجال العام.
لا يعقل بأي حال من الأحوال اعتبار المقابر مجالا “ميتا” لمجرد أنه يأوي “الموتى”، بل جزءا “حيا” من المشهد العام داخل البوادي و المدن، بما يمكن أن نطلق عليه اسم “المقابر المَشَاهد”cimetière paysage ، و هو مفهوم يدخل في إطار تدبير المقابر ضمن إستراتيجية محكمة و متكاملة لإعداد التراب وتأثيث المجال..
و تحت شعار”النهوض بتدبير المقابر بإشراك جميع الأطراف المعنية” تقوم فلسفة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، في مجال حماية المقابر و تدبيرها، إذ يقرر المجلس أن: من بين الأمور التي وقف عليها المجلس، بمناسبة استكمال التحريات، الحالة السيئة للمقابر، حيث يتم الدفن في معظمها – بما فيها المتواجدة بآزمور – بدون نظام دقيق، كما أن العديد منها لا تتوفر على سجلات للدفن و لا على نظام حراسة، و هو ما يتطلب إشراك جميع الفرقاء من مجالس منتخبة و سلطات محلية و وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية للتداول في الموضوع و تحديد معايير للعناية بالمقابر و النهوض بتدبيرها” .
إن فكرة المقابر “المشاهد” فكرة مفتاحية و مفصلية ينبغي تمثلها من أجل بعث روح جديدة في مقابر المسلمين وفق رؤية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار الجانب الوظيفي للمقابر من الزاوية الدينية و الروحية و أيضا بعدها الجمالي الذي وجب أن تتبوأه داخل الفضاء العام.
يسود اليوم في المغرب اعتقاد عام – تسنده المشاهدة و المعاينة – أن المقابر في بلادنا تعاني إهمالا كبيرا على جميع المستويات، حيث أضحت مرتعا للمتسكعين و المتسولين و مجالا لرمي القمامة و نمو الأعشاب العشوائية، مما يشوش بحق على مقاصد المقابر المتمثلة في الترحم على الموتى في جو مفعم بالخشوع و الصفاء الروحي، و كمجال للتأمل و الاستلهام يرتاده المبدعون و هواة الخلوات التأملية… و لا شك أن الحالة المزرية للمقابر في بلادنا لا تسمح لها بأداء أدوارها الوظيفية…
و لا يخفي المسؤولون المباشرون عن تدبير مقابر المسلمين استياءهم من الحالة المزرية التي آلت إليها المقابر ببلادنا، فقد جاء في الدورية التي بعث بها وزير الداخلية الأسبق أحمد الميداوي إلى ولاة و عمال الأقاليم بتاريخ 29 مايو 2000: أنه “بمقتضى دوريتي عدد 159 بتاريخ 5 يوليوز1989 حول المحافظة على المقابر و صيانتها، سبق لي أن لفتت انتباهكم إلى الوضعية المزرية التي توجد عليها غالبية مقابر المسلمين عبر تراب المملكة، و لا سيما المتواجدة منها بالجماعات القروية. كما دعوتكم من خلالها إلى حث الجماعات التابعة لدائرة اختصاصكم على الاعتناء بالمقابر الإسلامية بتنظيمها و صيانتها و المحافظة عليها. ويؤسفني – يضيف الوزير الأسبق – “أن أذكركم مرة أخرى بكون المقابر الإسلامية لا زالت في معظمها على حالتها المزرية، حيث رغم النداءات المتكررة من هذه الوزارة قصد الاعتناء بها، و رغم الأسئلة النيابية المتعددة التي قدمت إلى الحكومة بصددها، لم تبذل الجماعات المعنية أي مجهود ملموس للخروج بها من تلك الأوضاع المزرية”.
إن دراسة عميقة للمقابر بالمغرب تفرض اليوم نفسها بإلحاح، لأن اقتراح مقترحات عملية من أجل الإنقاذ و إعادة الاعتبار تقتضي عملا وصفيا وت حليليا مبنيا على معطيات ميدانية و مقاربة سوسيو- أنثربولوجية تسعى إلى فهم علاقة الإنسان المغربي اليوم بالمقابر و كيفية تعامله معها، وكذلك كيفية تعامل أصحاب القرار مع تدبير هذه “المنشآت العمرانية” التي هي جزء لا يتجزأ من المجال العام و يفترض أن تشكل جزءا من التدبير اليومي للقطاع الترابي…
إن أسئلة مفصلية تفرض نفسها من قبيل:
ما هي حالة المقابر في مغرب اليوم؟ و ما هي نظرة الإنسان المغربي للمقابر، و كيف يتعامل معها؟ و ما هي الحالة “المشهدية” التي ينبغي أن تكتسيها المقابر بالمغرب؟ و ما السبيل إلى جعل المقابر بالمغرب “فضاء” جماليا يحترم الأموات و الأحياء؟؛ و كيف تصبح المقابر بالمغرب مندمجة – وفق رؤية نسقية – في المشهد الحضري أو القروي العام؟ و هل هناك تفاوت في التعامل مع المقابر بين المدينة والبادية بالمغرب؟
هذه أسئلة إشكالية تقتضي الإجابة عنها، وبالتالي اقتراح الحلول الناجعة من أجل تجاوز الحالة الراهنة، عملا نسقيا و مركبا من أجل فهم عميق لحالة المقابر بالمغرب، أي استيعاب المشكل من أجل تجاوزه.
و هذا ما تمت مقاربته من خلال عمل ميداني شمل عدة مقابر عبر العديد من المدن، و كذا من خلال مراجع خاصة حول الموضوع.”
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=5846