1. المقدمة: مند بضعة عقود تحضر البيئة بقوة على الساحة الوطنية و الدولية لكنها تتدهور بصفة متصاعدة. فبالإضافة لتراكم مختلف أشكال العجز الكوني تتسع الفوارق الاجتماعية و المجالية لتفصل بين مجتمعين و عالمين, مجتمع وعالم وفرة يستهلك بصفة مضطردة ويتحكم في الخيرات البشرية والطبيعية, مجتمع وعالم حاجة يتصرف بعشوائية بحثا عن لقمة العيش. في هذا المحيط تتوالى المؤتمرات و الندوات وحملات تحسيسية, كما تتراكم الدراسات الأبحاث. لكن كل المجهودات المبذولة تفقد مصداقيتها في غياب نتائج ملموسة و متجانسة مع الأهداف المعلنة. لذلك فان معالجة الملف البيئي تستدعي اعتماد مقاربة مختلفة عن المقاربة التقليدية بدءا بوصف الحال. فما لاشك فيه أن هذا الأخير يعبر عن العلاقة القائمة بين المحيط الاجتماعي و الطبيعي. وبما أن تفاعلات البيئة الشمولية و المستمرة تخضع للقوانين الأزلية, فان مسؤولية الإنسان في واقع الحال المصنوع مسؤولية كاملة رغم تفاوت درجاتها. لا يكفي بهذا الصدد التعبير عن الوعي بأهمية البيئة, فمما لاشك فيه إن هذا الوعي أمر حقيقي و تلقائي بالنسبة لكلفة الكائنات الحية التي تبحث عن الاستمرار في الحياة في محيط مشترك. لكن الوعي يختلف بين من يبحث على العيش مع المحيط أو على حساب المحيط, يبقى الخطاب في كلتا الحالتين هو نفس الخطاب. لا فائدة إذا في وصف حال البيئة من دون تحديد المسؤوليات بهدف إعادة توزيع الأدوار و مراجعة الثقافات و المخططات و الاستراتيجيات. لذلك فان معالجة الموضوع المطروح “الوضع البيئي بالجديدة وإقليمها ” يقتضي في فضاء جمعوي التخلص من تفويض المسؤولية واعتماد منهجية من شانه فتح المجال لكل المواطنين لكي يصنعوا فعلا ايجابيا في إطار مشروع مشترك مسؤول واقعي وقابل للتنفيذ. هكذا سيتم التطرق لبعض المؤشرات قبل استخلاص العبر الكفيلة بفتح أفاق عمل ايجابية.
2. نبدة عن مدينة الجديدة يخفي تنامي.
الجديدة مدينة عريقة تتوفر على ميناء الجرف الأصفر فعال ونشيط و تلعب دورا منسجما مع حركة الجهات المجاورة الاقتصادية. ولقد وصلت ساكنة المدينة في أواخر القرن 19 إلى 1000000 نسمة. إما صورة الجديدةالمعاصرة فإنها الصورة المرسومة عبر تنفيذ مخطط الحماية التي اشتملت على تركيز الأنشطة الاقتصادية على امتداد 150 كلم بين الدار البيضاء و الجديدة. وعلى احتلال المناطق الساحلية للأهمية التي كانت تحظى بها المدن الداخلية. تعتبر الجديدة و آزمور قطبا جهويا داخل هذه المنطقة حيث تلعب دورين أساسين:دور الرائد الجهوي للمجال الاطلنتي الساحلي, و دور نقطة التقاء واجتماع الحياة الاقتصادية الوطنية. هكذا تسجل الجديدة أرقاما قياسية على جميع المستويات. كما ان المدينة تتفاعل مع باقي المجال الوطني بصفة سوف يتم تحديدها بعد تسجيل أرقام مفيدة. ففيما يخص اليد العاملة تشغل المدينة أكثر 150.000 عامل في القطاع الصناعي (%53من مجموع اليد العاملة بهذا القطاع). لذلك فانه تنتج %80 من المنتوجات الكهربائية الالكترونية و التجهيزات الميكانيكية و المنتوجات الكيماوية و الصيدلية و %60من الملابس الجاهزة ومنتوجات الجلد( الأحذية)و صناعة الورق و التلافيف و الورق المقوى. و لقد كان من شان تطور المدينة الصناعي اقتحام الوحدات الصناعية لمختلف الأحياء. هكذا فان الأحياء الواقعة بالجنوب الغربي من حاضرة الجديدة والتي كانت تعتبر مجالات الإنتاج الصناعي بامتياز لا تشغل حاليا إلا نصف اليد العاملة, كما إن هذه أحياء منها الحي الصناعي , تعرف تطورا نوعيا. ويمكن إبراز ثلاثة مجموعات: أحياء تعتبر حاليا موطن الصناعات العصرية الأولى. نعم صناعية بالمعنى الدقيق و التي لازالت تتوفر على مساحة فارغة مهمة. إضافة للمنطقة الصناعية التقليدية تنتشر وحدات إنتاجية متعددة بصفة تلقائية و عشوائية داخل النسيج الحضري وخاصة بالأحياء المرتفعة الكثافة السكانية هده الأحياء التي أخذت طابعا متعدد الوظائف, حيث يمتزج و يختلط قطاع الخدمات مع الصناعة والسكن. أما الجرف الأصفر فإنه يشكل قطب صناعي متخصص في المنتوجات الكيماوية و الشبه الكيماوية و الميكانيكية و الكهربائية و إنتاج الطاقة. تبقى المناطق الشبه الحضارية التي تشكل المجالات الجديدة للتنمية الصناعية. على مستوى سياحة الأعمال و العبور تستقبل المدينة حوالي 100.000 سائح بالفنادق المصنفة, جلهم أجانب. كما تتنامى من جهة أخرى السياحة الجماعية بفضل الشواطئ و غابة آزمــور . بالرغم من الدور المهيمن للجديدة باعتبارها قطبا صناعيا و تجاريا و ماليا, يبقى القطاع ألفلاحي متواجدا رغم تقلص مساحة الأراضي الزراعية خلال السنوات العشر الفارطة بإقليم الجديدة, أما المساحات الغابوية المتبقية ( غابة مدينة آزمــور و دائرته) فإنها تنحصر في جماعة الحوزية وجماعة لمهارزة الساحل( البئر الجديد). فيما يخص البنيات التحتية و التجهيزات الأساسية تتوفر مدينة الجديدة على أهم مركب مينائي وطني و إفريقي وتفتقر إلى مطار دولي. تمثل شبكة الموصلات (100 كلم منها %80 مبعدة) مجال حركة كثيفة سواء تعلق الأمر بالنقل العمومي أو بالنقل الخاص (50.000 سيارة أي%,1,5 من مجموع السيارات المتوفرة على الصعيد الوطني) من الناحية الدمغرافية يستمر تنامي الجديدة التي وصلت حسب الإحصاء العام للسكان و السكنى لسنة 1994 إلى مليون و نصف تقريبا نسمة. بمعدل %2 سنويا. هكذا فان ساكنة الجديدة تمثل %1,2 من الساكنة الوطنية. أكثر من نصف هذه الساكنة شابة لا تتجاوز أعمارهم ))20 سنة.
3. الوضع البيئي الراهن: يتضح من خلال الوصف الفارط أن الجديدة تشكو من انفلات التحكم في تطور المجال. كما تشكو هذه المدينة من تبعات ذلك المتمثلة في ارتفاع معدل البطالة(%30مقابل %56 على الصعيد الوطني) وفي المضاربة العقارية, , و في تراجع تنافسية أجهزة الإنتاج, وفي تفاوت الولوج للخدمات الأساسية ومن قلة الإمكانيات لتحمل تكاليف التدهور البيئي رغم المجهودات المبذولة. بلغة الأرقام, تستفيد %85.1 من الأسر القاطنة بالوسط الحضري من الكهرباء مقابل %75 بالوسط القروي. يرتفع الطلب على الماء من طرف السكان ومن طرف القطاع الصناعي %30.5 من الأسر الحضرية لا تتوفر على الماء الصالح للشرب. %93.6 من الأسر بالمجال الهامشي تتوفر كذلك على الصالح للشرب. تقدر النفايات الصلبة المنزلية التي يتم جمعها سنويا ب 107.000طن تعرف هذه الكميات تزايدا كبيرا نتيجة التوسع الحضري و التصنيع, وتزايد إقامة الخدمات الإدارية و المؤسسات التجارية و الخدماتية. يتم نقل النفايات الصلبة التي يتم جمعها بشاحنات نحو مستودعات عشوائية أو نحو المزبلة العمومية وهذا النهج هي المتبع في جميع الجماعات التابعة لنفوذ الجديدة. من بين هذه النفايات نفايات المستشفيات و النفايات الصناعية الخطيرة. فيما يخص تصريف المياه المستعملة و مياه الأمطار. تتوفر الجديدة على شبكة تتجه نحو البحر.لا تخضع المياه للتطهير من النفايات الصلبة و يتم ضخها نحو مصرف بحري الشيء الذي يؤدي إلى تلويث الشواطئ المجاورة. يجب التذكير بهذا الصدد بان مسالة مراقبة المقذوفات خاصة الصناعية لا زالت تنتظر اتخاذ الإجراءات القانونية و العملية الضرورية. أما بشان جودة الهواء فلقد أو ضحت الدراسة أخيرا بان التلوث الجديدي يفوق النسبة المقبولة دوليا. وتواجه الجديدة تبعات وضعها البيئي بتجهيزات صحية لا تشتمل على مركز صحي جامعي إلا مستشفى إقليمي تنعدم فيه الضروريات الأولوية لإنقاذ أروح المصبين و مراكز صحية لا تتناسب مع القضية الدمغرافية المرتبطة هي بدورها بالقضية العمرانية.
3. الاستنتاجات: لقد تطورت الجديدة المدن المجاورة كآزمــور خلال القرن العشرين ديموغرافيا و اقتصاديا و عمرانيا و مجاليا في اتجاهين. من جهة ارتقت المدينة لمستوى جهة قطبية و من جهة أخرى تؤدي الجديدة بيئيا ثمن تطورها. الفرق بين الماضي و الحاضر يتجلى عبر تقلص قدرات الجهات المجاورة على تصدير المزيد من الثروات الطبيعية والبشرية. فلقد كان من شان احتلال الجديدة لأهمية اقتصادية واجتماعية على حساب المناطق المجاورة و النائية و تفقير هذه الخيرة. هكذا تفتقد الجديدة حاليا لوسائل تحمل تكاليف تدهورها البيئي. لا حل إذا للمشاكل البيئية الدكالية من دون تغيير المقاربة المعتمدة. هذا ما يجب الاقتناع بشأنه قبل الكلام بجدية عن البديل, و هذا هو موضوع المناقشة مداخلة.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=1203