أزمور أنفو 24 : الكاتب عبدالواحد سعادي
نلوذ بالحلم في اليقظة ، والشمس ملتهبة فوق رؤوسنا ، تغشى عيوننا ، لكننا نسدل عليها الحجب الداكنة ، فما أقسى أن تكون حواسنا شاهدة علينا ، فلا مجال لمراوغة الحقيقة ، فلماذا لا نلقي على الضوء كسوف العمى ؟ ولانزيح الشمس عن فضائنا لنعتصم بالظلمة ، ففيها يستوي اﻷبيض واﻷسود ، وتتوارى سوأة المجنون وحكمة العاقل ؟!
أليس هذا المسلك أرقى درجة من مصير النعامة ؟ إنها تلوذ بالغريزة الصماء ، فتدفن الشقية رأسها في الرمال ، وهي مطمئنة بأنها لا ترى الصياد ، فلن يراها ، فما أيسر اقتناص النعامة على هواة الصيد ! ترى من يعلم النعامة اللجوء إلى الظلمة ؟
أراهن أن هناك فائضا نوعيا من الاعتبار بمصيرنا ، قد تنبثق منه شرارة تنير الغريزة العمياء ، فتصبح النعامة أجلى رؤية منا للواقع والمصير ، فهي لم تمد للصياد بندقية ، ولم تشعل فتيلة ﻹحراق عرائئسها ، ولم تقدم فراخها لقطاع الطرق .
أما نحن ﻷننا من الحيوانات ” السوبر الناطقة ” فإننا نرى أن وجود عدونا يقوم على استئصالنا ، أمة وعقيدة ووطنا ، ومازال كبارنا يديرون أسطوانة التصريحات عن مفاوضات السلام ، وعلى مدى أكثر من نصف قرن ، عمر بكامله وجيليه ودنياه المتغيرة ؟
ألم تحدث فيه أعاجيب كونية ، منها ” كامب ديفد ” والانترنيت والاستنساخ ، وقيل أن الجينات المتناسلة ستطالب بحقوقها ، ﻷن ملامحها مستنسخة من اﻷصل ، وهي لا تريد التبعية الوراثية ، فمن المحتمل أن ترفع قضية إلى اﻷمم المتحدة ضد مختبرات وتكنلوجيات القرن العشرين ، وقد تساندها إسرائيل فتنال الحق الكامل في تقرير المصير ، وحظها من البطش بالعرب ليكون لها الحضور السياسي في المجال الدولي !
يحدث هذا ، وما يستطرد في الخيال ، ومازالت أنظمتنا تعقد القمة تلو القمة ، لتقنع إسرائيل بالسلام أو تلوح بقطع العلاقات ” وكفى الله المؤمنين شر القتال ”
ولماذا هذا الواقع المشلول ؟ لعل أجدر من يجيب عن هذا السؤال هي إسرائيل ذاتها ، فهي بارعة في استكناه النوايا واستقراء الوقائع ، إنها إذ ترصد هذه القمة تكتشف أن ” المونولوج ” حاضر أكثر من الحوار ، وان الهواجس مسيطرة على إرادة الموقف ، ﻷن كل نظام تنازعه قضيتان متداخلتان ، القضية الفلسطينية والقضية ” الخاصة ” وبالتالي يرتبهما على معيار اﻷسبقية ، ومن زاوية الاعتبار الذاتي ، فإذا كانت القضية الفلسطينية تهم الجميع ، فإن هذا ” الجار ” هو الذي يمثل قضية ” اﻷنا ” إنه أولى بالتصدي له والاحتراس منه ، أما قضية التضامن مع فلسطين فهي عامة وشاملة ، تتوزع المطالبة بحقوقها ودم أطفالها بين 22 علما عربيا .
أليس هو منطق الحسابات العربية في الظرف الراهن وقبله وإلى ما شاء سريان اﻷمثولة النادرة ؟ قيل إن حضور وفد العراق في القمة ، يمثل تطورا في أفق المصالحة ، أو على اﻷقل تجميد العداوة في مؤشر أدنى من سخونة الانفجار . أهذا هو كل المكسب ؟
ترى ما حال العراق اليوم ؟ وحدثني عن سوريا ، وهل أصبحت مصر قلادة خاوية من الزينة ؟
ترى كم بقي من ثقل للموقف العربي -الخليجي إزاء إسرائيل ، بعدما انشغلت السعودية بداعش والحوتيين الصهاينة ؟
وما الفرق في أن يسقط طفل برصاص الاقتناص الاسرائيلي أو أن يموت طفل بسبب الحصار اﻷمريكي ؟ أو أن يقطع رأس فرد عربي أو تغتصب امرأة مسلمة من قبل الدواعشة الموظفين باﻹدارة اﻹسرائيلية الصهيونية ؟ أتوجد في قرار مجﻻس اﻷمن المفارقة بين الوأد والاغتصاب والذبح ؟ أم أن حصار الوأد يتذرع بقرار طلع من برميل البترول العربي ، أو جب القبيلة العربية ، قبل أن يكون هو القرار الجاهز لمجلس أمن -أمريكا ؟
ليست هذه هذه المصيبة التي تحاصر الجسد العربي ، فقد انسلت منها كارثة أفدح ، تتمثل في أننا فقدنا الحق في تدبير خصوماتنا ومصالحاتنا ، وأصبح شأننا الخاص في غرفنا ومنتدانا العام في يد ” اﻵخر ” وكأننا الذبيحة المسلوخة يوزع شاقور الشيطان مفاصلها ، ويلقي بجلدها في موقد النار .
فكيف تطوى صفحة الثأر والدم بين العرب لينشغلوا بعدوهم بدل حربهم الضروس على بعضهم ؟
هاهو الضمير العربي ينتفض بقلوب نصف مليار إنسان عربي ، إنه يعلن أن اﻷمة في يوم ما قد تنتظم في مسيرة من المحيط إلى الخليج من أكل فلسطين .
فكيف تطوى صفحة الثأر والدم بين العرب ؟ يبدو أن لكل كارثة تداعيات من اﻵلام في الضلوع ، ولعل الخلاف هي اﻵهات الخافتة لهذه الآلام ، وهي لمزات الشيطان الساخرة ؟
هاهو الضمير العربي يتألم ، ﻷن القرار في يد مجلس اﻷمن ، فهو الوصي عن بترولنا وثرواتنا ، وعلى أنسابنا وموائدنا وأتراحنا . إمها الكارثة الكبرى ، لا يدري أحد حجمها ، لكن إسرائيل تستنطق الهواجس الصامتة ، فإذا كان هذا هو واقعنا الراهن ، فماهو الجديد الذي تطلع به شمس الغد ؟ وماذا ادخرنا لقضية القدس ؟
يتأمل الملاحظ بلد العلم والثروة ، السودان العربي ، فيتصور تقاطعات في العلاقات بين بلدي آصرة النيل والتمازج والتاريخ ، ربما تفصح النظارات عن مكنون هذه العلاقة الحتمية ، مصر العربية عاصمة القرارات ، فلماذا تركوا السودان تجره فتنة الجنوب ، تطحنه الحرب ؟ أليس جنوب السودان كان موقع اﻹسفين للثلاثي – الصهيوني – الصليبي – الوثني ؟ وحيث ما توجد الفتنة تفتح إسرائيل المعبر السري ، فكان جنوب السودان البوابة غير المنظورة لهجرة اليهود ، الفلاشا إلى إسرائيل .
إنه الواقع الذي يستحضره المرء عند تصور خارطة السودان ؟ هذا الجسم المنهك بآفة الجنوب والتطاحن الذاتي ، ولذلك يغيب عن إدراكنا أنه يمثل الخصب والرهان لتقيق اﻷمن الغذائي . تصوروا كيف يكون حال الوطن العربي ، وهو متحرر من وطأة الحاجة إلى استيراد القمح اﻷمريكي ، والزيت اﻷمريكي ، والصابون اﻷمريكي ، والزبدة النباتية اﻷمريكية ؟
وتحرر من حال أفظع ، حيث يأكل خبز يومه بقرض يدفعه بالفائدة وبأقساط على مدى يطول أحفاد هذا الجيل .
لقد شهدت تقارير الخبراء بأن تحقيق معجزة اﻷمن الغذائي يفرض استثمارات عربية ضخمة . ولماذا لا توفر هذه الاستثمارات للتربة الخصبة ، فنتناول غداءنا من اﻷرض العربية ، ومن العرق العربي ، ومن المال العربي ، وتهمس إسرائيل أو الشيطان : ومتى تنتهي حرب داحس والغبراء ؟
ويقول الدهاة إن استيراد القمح من كندا والولايات المتحدة اﻷمريكية هو أدر للربح ، فكلما بعدت الشقة بمسافة قارة ، كلما استفاد السماسرة وتنامى ربح القطاع الخاص ، وبعد هذا هل يرضى اﻹخوة المتشاكسون بأن يحقق قطر من جامعتنا العربية أمننا الغذائي ، فيصبح بلد الاستقطاب الاستراتيجي ؟ دعونا في الهم سواء ، فهذا ما يوحدنا ؟
يتكرر في خطابنا شعار ” من المحيط إلى الخليج ” لقد أصبحت هذه المقولة تشبه الورق الذي يلف اﻷشياء الشفافة ، أو الوهم ، أو السراب ، بعد أن طوقنا حصار أمريكا وأوربا ، لقد التفت العرب إلى المغرب العربي وإلى المشرق العربي ، فلم يجدوا محيطا ولا خليجا .
لا تظنوا أن مسرح اللامعقول ضيق الخشبة ، إن رحابه تستوعب اﻷبعاد الشاسعة بين المحيط والخليج ، ووحده هذا اللامعقول لا تحاصره أمريكا ، ولا تصدر في شأنه ” الفيتو ” .
إنك إزاء هذا اللامعقول ، تنطلق في كل شأن من المقدمة فلا تجد لها الخاتمة ، إلا إذا افترضنا أن هناك خطأ عموديا ، ابتداء من المشرق ويلقي عصا ترحاله بالمغرب .
إنها الخاتمة التي يختصرها التي يختصرها مدلول واحد ” اﻹسرائيليات ” بعد ان التطبيع والدس والمناورة لتصبح واقعا مشخصا ، في تضاريس جغرافيتنا العربية ، محيطا وخليجا ، وذلك هو اﻹسقاط الكامل لﻹسرائيليات على أرض الواقع .
فهل يطلع علينا زمن تعقد فيه قمة طارئة ، لتجفف كل المستنقعات ، فتنطلق المسيرة آمنة من الانزلاقات الخطيرة إلى الهوة ؟
وإلى حين طلوع ذلك الفجر ، هاهم أطفال ونساء وشيوخ فلسطين يتحملون على كتفهم الفتى فوق طاقة الناموس البشري ، من أجل إزاحة هذا اللامعقول من واقعنا الراهن إنه أعظم ما تقدمه اليد الطرية لعقول القمم . أراهن أن النعامة قد تطور غريزتها ، فتراوغ الصياد ، فإنها لم تصب بآفة الاسرائيليات التي تتقمص معاملاتنا وتصهين سلوكنا مع ذواتنا ، من الرأس ، إلى الخلية غير المنظورة في الجسد العربي . فهل نرفع عيوننا المدفونة في المستنقع اﻹسرائيلي ، ونرنوا إلى أرض الانتفاظة ؟ إنها حتمية التاريخ والمصير ، نطق بها أطفال الحجارة .
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=18609