اجتياز عتبة مكتبة الأستاذ الفقيه القاضي الآزموري بالمدينة العثيقة “لمدينة لقديمة” كما سماها المسمي “درب بن حسون” نقلة بين عالمين متباعدين رغم التجاور الظاهر. عالمان لكل منهما زمنه الخاص وإيقاعه المستقل ولغته المختلفة. عالم السوق الصاخب المزدحم، حيث كل شيء مسعر، وكل معروض قابل للأخذ والرد والمفاصلة، وحيث القيمة لا تعني أكثر من رقم. وآخر مسكون بالثقافة والأدب، للفكر فيه صخب صامت وألق مستتر لا يتجلى لأي عين، حيث القيمة روح لا تدركها الأرقام. كأن تلك المكتبة، على ضيق مساحتها، أرض رباط للمعنى ،و ثغر ثقافي مازال يقاوم باستماتة قيم التسلع الزاحفة التي تغتال كل جميل في مدينة آزمور مدينة العلم و العلماء وتمسخها سوقا كبيرا مستباحا.
أول ما يسترعى الانتباه آن دخول “المكتبة”، هو الصور التي تحتفي بها الجدران. صور لعلماء و أدباء وفنانين سقطوا سهوا من ذاكرتنا المعتلة… أو ربما أسقطوا. صور بالأبيض والأسود، طالها اصفرار…
قدرت أنه ناجم عن هلع أصحابها الراحلين وهم يطالعون حاضر مدينتهم.
وحين يمعن الزائر النظر في الكتب المتراصة بانتظام على رفوف يناوشها الغبار، تفاجئه عناوين في الفكر و الدين و القضاء وعلوم التراث وصنوف الأدب و مخطوطات لم يعد يجدها بمكتبات أخرى فيها متسع لكل شيء، من الأبراج وقراءة الطالع ورسائل العشاق إلى فوائد البصل، لكنها تضيق بالثقافة الجادة التي تكسد وتبور للأسف في مجتمعات لا تقرأ.
دخلت ورفيقي عالم الأستاذ عبدو حاملين بعض التساؤلات، والكثير من التهيب الذي سرعان من أذابه دفء الاستقبال، فوجدناه عاكفا على إعداد ثلاثية عن أدباء وأعلام آزمور(صدر جزؤها الأول تحت عنوان “أقلام وأعلام من آزمورفي العصر الحديث ملامح من حياة ومقاطع من نصوص” ضمن منشورات البحث التاريخي والاجتماعي).
واهتمام الأستاذ بالتأليف حول تاريخ و رجالات آزمورليس وليد الصدفة، فالتاريخ الكوني ، كما يشرح الأستاذ ، هو نتاج تراكم التاريخ المحلي لكل أمة . وهو إذ يولي الاهتمام لتاريخ المدينة ،يوثق ويدون مع آخرين مساهمتها في صناعة التاريخ عبر الانطلاق من الذاتي للوصول إلى ما هو كوني. لذا حين عرض علينا باهتمام منشورات البحث التاريخي والاجتماعي بآزمور، بدا على قسمات وجهه، إلى جانب الفخر، بعض الخوف من أن يخلف على المدينة خلف لا يرى فيها أكثر من كومة غبار.
ونحن نغادر، كنت متيقنا أنه لو جاز لنا الحديث عن روح لمدينة آزمور، فجزء من هذه الروح ملازم بلا شك لمكتبة الأستاذ الفقيه الآزموري، فلو أحسن الزائر الإنصات، قد يشي له صمتها بلحن الأستاذ محمد رفقي المشرقي أو ببيت قصيد مفقود من أوراق المصطفى الصوصو.
وكنت مقتنعا أيضا أن مكتبة الأستاذ الفقيه الآزموري شهادة إدانة حية في حقنا جميعا، فالأعداد الناذرة المحفوظة بالمكتبة من مجلة “القضاة و فتاوي الفقيهة للايقوتة”” التي كانت تصدر بآزمورآنذاك خلال القرن ما قبل القرن الماضي، تدين بلا ريب الورق الذي يباع بالمدينة حاليا مما يسمونه تعسفا” جرائد محلية”، وصور مسرحية شهرزاد التي قدمها بالمدينة ألمع نجوم المسرح الآزموري أواخر الخمسينات – بداية الستينات تدين من باع “مسرح مدينة آزمور” بدراهم معدودة.. وكانوا فيه من الزاهدين.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=1214