ازمور انفو24 :د. محمد معروف، أستاذ بجامعة شعيب الدكالي
دُفن اليوم الإثنين 20 فبراير الأستاذ محمد المهناوي، أحد رجالات كلية الآداب والعلوم الإنسانية وأهراماتها، فلهذا الرجل أفضال كثيرة على كلية الآداب بالجديدة، تجلت في ابتكاره لمؤسسات اجتماعية وبيداغوجية جديدة، وتشييد عدة مرافق، بالإضافة إلى تأسيسه لعلاقة قرب بين الإدارة والأساتذة والطلبة خلال ولايته كعميد للكلية.
ظل بابه مفتوحا في وجه الجميع، و يُشهَد له بأنه لم يركع قط لحرب المصالح أو لوبيات الضغط، بل عامل الكل على قدم المساواة، و اعتبر مالية المؤسسة ملكية للأساتذة، فلم يبخل على أحد منهم قدم مشروعا علميا أو ثقافيا يحتاج إلى تمويل، و تشهد له الكلية بالنزاهة والاستقامة ونظافة اليد، إذ هو حتى الآن، العميد الوحيد في تاريخ الكلية الذي خرج بأيادي نظيفة بيضاء من موقع المسؤولية.
ينحدر محمد المهناوي أستاذ باحث في شعبة التاريخ من نواحي مدينة فاس، ليستقر بمدينة الجديدة منذ ثمانينيات القرن الماضي، لما التحق بسلك التدريس الجامعي، بعدما قضى شبابه في التدريس الثانوي. و انخرط الأستاذ المهناوي منذ بداية الكلية في العمل النقابي، والأعمال الاجتماعية متطوعا لخدمة أسرة التعليم، و بالرغم من العمل الجمعوي، والإدارة، انكب على البحث و الكتابة التاريخية، فأصدر عدة مقالات تعتبر مرجعا في تخصصه، و يمتاز بالجرأة الأكاديمية نظرا لغوصه في مواضيع بحثية اعتبرت من الطابوهات أو مهمشة من طرف المؤرخين، فتطرق لمواضيع قل ما تطرق إليها المؤرخون، مثل تاريخ الرشوة في المغرب، و تاريخ الدعارة بمدينة الجديدة، و تاريخ انتشار الوهابية بالمغرب، وغيرها من المواضيع.
لقد أُعجب الأستاذ محمد المهناوي بمدينة الجديدة و سكانها وأسواقها، فانغمس بينهم، و أصبحت دكالة و عاصمتها تعني الكثير بالنسبة إليه، فكان حين ينعت أحدا “بالدكالي”، يعني بأنه صريح ، و صاحب كلمة، و شجاع، و لا يخشى أحدا. و ليس كل أساتذة كلية الآداب المنتمين لمدن أخرى يفضلون مدينة الجديدة كأرض الخلود، بل منهم من لا يريد في حياته حتى المبيت بالمدينة التي تطعم عائلته، لكن محمد فضّل أن يُدفن في مدينة احتضنته وأحس بانتمائه إليها. فتحت له ذراعيها، فعانق ترابها، هذا درس لمجموعة من الأساتذة الرُّحل الذين يدرّسون بالكلية، ويهرِبّون أموال المدينة إلى مدنهم، فلا تستفيد المدينة منهم حتى في شراء البنزين لسياراتهم، إذ هناك من يملأ خزان البنزين في مدينة الانطلاق، ويحمل أكله في حقائبه، و هنا نتساءل عن كيفية استفادة المدينة من وجوده بين أحضانها. نعم، نحن نستفيد من خدمات الأستاذ الرّحال عندما يدخل قاعة الدرس، لكنه يُطلّق المدينة فور انتهاء حصّته، نظرا لعدم ارتباطه بها و لا بسكانها و لا بمشاكلها، لهذا لا يستطيع الأستاذ الرّحال الانخراط في عملها السياسي أو الجمعوي، و لا يساهم في نشر الوعي بين ثنايا محيطها الثقافي، فيصبح مجرد أستاذ مغترب في سياق عمله، لا يربطه بالمدينة سوى الطريق السيار أو المحطة، و إذا سألته عن دروبها و أزقتها، ينظر إليك باستغراب غير مدرك عما تتحدث، إذن، هل هذا الأستاذ الجامعي ينطبق عليه لقب “مثقف عضوي”، و هو لا يستطيع أن ينفتح حتى على محيطه الاجتماعي الميكروي
و ينشغل بقضاياه؟ هل هو فقط موظف خدماتي يؤدي ساعات عمل محصاة بالدقيقة والثانية؟ لنا عودة لهذا الموضوع بتفصيل في مقال قادم.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=26639