ازمور انفو 24قلم: عبد اللطيف عوام
: تمهيد
يعتبر وادي ام الربيع أهم مكون من المكونات الطبيعية والجغرافية والثقافية ،التي شكلت ملامح مدينة أزمور ولعل عظمة هذه المدينة تأسست على عظمة هذا النهر.وكذلك حصل لمدينة ليكسوس،والمعمورة،وسلا،وواحة درعة..بل إن معظم الحضارات الإنسانية إنما نشأت وتطورت بفضل وجودها إلى جوار الأنهار العظمى،وخاصة بفضل ما قامت به المياه من دور حيوي في الحياة النباتية والحيوانية والإنسانية عموما.وقد أشار ابن خلدون إلى أن العمران البشري يتكون إلى جوار الوديان كما هو الشأن مع حضارة المصريين القدامى إلى جانب وادي النيل،وحضارة الكلدانيين والسومريين والبابليين،التي استمر خلودها بفضل نهري دجلة والفرات .ولنا أن نعمم هذا على حضارات الصين والهند والأنكا والأزتك ،وغيرها من حضارات الأنهار في إفريقيا وأوربا.
وبناء على هذا نشا الاستبداد الشرقي نظرا لما تمتعت به تلك الحضارات من الاستقرار الذي يرجع الفضل فيه،كما سلفت الاشارة،إلى العنصر الحيوي الذي هو الماء.وكان على من يتحكم في منابع الوديان ومصادر الآبار يتحكم في الشرق.وحسب الأستاذ محمد لعميم فقد مثلت أحواض الأنهار المغربية في العصور القديمة مجالات حيوية ،ومصدرا للمياه الدائمة والجارية والجوفية ،ذات الجاذبية على مختلف الجماعات، تقصدها لمزاولة الصيد والالتقاط ولتربية الماشية والرعي.
ونحن لا نعلم كثيرا عن البدايات الأولى لنشأة مدينة أزمور،ولا من هي الساكنة الأولى التي استوطنت بجوار النهر،ولا متى كان ذلك؟؟ومع هذا نقول بأن العمران،في ذلك التجمع البدائي ،الذي شكل النواة الأولى للمدينة إنما تكون إلى جوار وادي أم الربيع،وبذلك يقول محمد لعميم،نشأت مدينة سلا بالقرب من مصب الوادي،وجاءت عنوانا لاستقرار وتطور طويل منذ عصور ما قبل التاريخ،كما تؤكده المحطات الأثرية المنتشرة بهضبة زعير .وقد جاء الاستيطان الروماني وانتشر بالأحواض السهلية ،وذلك على طول الأودية ومصادر المياه.ولما ظهرت المحاولات الأولى لغزو المدينة سواء مع الفينيقيين أو مع الرومان،أصبح الموقع مركزا تجاريا واجتماعيا ،وبذلك دفعوا بالنواة الأولى حتى تغدو تجمعا سكنيا.وبات النهر وما حوله ،يجلب الأفواج تلو الأفواج من الغزاة.وكلما نزل فوج أضافوا للموقع قوة ومثانة .وعملوا على الاستفادة من الماء واستغلال الطريق الملاحي ،باعتباره طريقا تجاريا صالحا لتلك الفترة،كما درجت عليه المدن المشيدة بجوار الأنهار.
1ـ صعود وازدهار الوادي:
تجدر الإشارة أنه ليست هناك مدن على طول وادي ام الربيع ،باستثناء خنيفرة وقصبة تادلة وأزمور.وعظمة مدينة أزمور وانحطاطها يرجعان بالأساس إلى نهر أم الربيع .إنه الوادي المؤسس والباعث للمدينة من رقدتها ،وهو الذي منحها ما لديها من الخيرات النباتية والحيوانية.ولعله من الصعوبة الرجوع إلى النشأة الأولى لمجرى الوادي على هذه الأرض بالحفر والحث خلال أزمان طويلة.وتبلغ مساحة حوض أم الربيع 34335 كلم مربع،وهي المساحة الرابعة بعد أحواض درعة وملوية وسبو.ويعتبر أم الربيع أكثر انتظاما في حجم المياه التي يصرفها خلال فصول السنة،وذلك بصبيب 110 م مكعب في الثانية ،وأدنى مستوى يهبط إليه هو بصبيب أربعين مترا مكعبا في الثانية،حسب جان دارلي.وعلى طوله يوجد ثلاثة عشر سدا ،بدءا من سد بن معاشو 1929 وصولا إلى سد مولاي ادريس 1986.
وحين الرجوع إلى المؤرخين والجغرافيين القدامى،نجد في تدوينات الرحالة سيلاكس(أواخر القرن السادس وبداية القرن الخامس قبل الميلاد)إشارة إلى أن هذا الوادي يوجد إلى الجنوب ويصب مباشرة في البحر ولا يخترق بحيرة ولا مستنقعا ،بينما لدى الجغرافي بطليموس(170- 100 م)، يحدد إحداثيات أم الربيع في سبع درجات طولا واثنين وثلاثين درجة عرضا، كما ذكر المصطفى مولاي رشيد،في حين يجعلها مارمول في ست درجات وأربعين دقيقة طولا وفي اثنين وثلاثين درجة وخمس وأربعين دقيقة عرضا ، من جهة الغرب .ويختلف الصبيب من فصل إلى آخر ، ويرتفع إلى أعلى المقادير خلال فصل الشتاء حين تكون الأمطار في ذرونها،أي خلال أيام الحملة : la crûe.
ويبلغ طوا الوادي حوالي 604 كلم ، وهذا ثابت بينما العرض يختلف حسب المواسم ، وحين يكون المد والجزرعاليا في أول ووسط الشهر القمري ، فإن الوادي يتضاعف في القوة ويمتد العرض إلى ما وراء الحقول الزراعية المنبسطة على الضفتين ، ويغدو شاسعا بدون حدود.وتنخفض قوة الوادي خارج أول ووسط الشهر القمري ويتراجع إلى ما كان عليه،وأضعف من ذلك ، خاصة في أيام الربيع والصيف ، ويذهب المؤرخ والوزير الأندلسي ، لسان الدين الخطيب إلى أن مدينة أزمور هي “جار واد وريف وعروس ربيع وخريف ، وذو طبع شريف ، أطلت على واديه المنازه والمراقب كأنها النجوم الثواقب ، وحلت من خصبة المناقب ، وضمن المرافق نهره المجاور وبحره المصاقب”.
ويصفه الحسن الوزان بأنه نهر طويل جدا ،ينبع من الأطلس بين جبال عالية في حدود تادلا وناحية فاس،ويجري عبر سهول إد حسان (سهول خنيفرة) ، ويجتاز النهر سهولا من ناحية دكالة وناحية تامسنا إلى أن يصب في المحيط قرب أسوار مدينة أزمور. ولا يمكن قطعه خوضا في الشتاء والربيع ، غير أن سكان القرى الواقعة على ضفتيه يجيزون الناس والأمتعة على شبه مراكب منفوخة . ويؤكد الجغرافي الشريف الادريسي في نزهته درجة عنف مجرى النهر وصعوبة مجازاته ، يقول، وهو ليس “بالمانع الذي لا يقهر ، ومن هنا سهولة عبوره بالزوارق والمعديات لجماعات الزوار والمسافرين .إنه واد كبير جرار يجاز بالمراكب ، سريع الجري كثير الانحدار ، كثير الصخور والجنادل . والمدينة في جنوب الوادي إلى غيضة كبيرة من الطرفاء والأنشام وكثير من العليق”.
وهكذا كان إنشاء مدينة أزمور ضرورة استراتيجية للحماية والدفاع ومراقبة الطرق التجارية بين الشمال والجنوب ، على الضفة اليسرى للوادي الذي هو الأكثر تشعبا ووفرة وانتظاما بين الأنهار المغربية ، مما دفع به أن يصبح الحد الفاصل بين مملكة فاس في الشمال ومملكة مراكش في الجنوب ، وذلك منذ عهد الدولة المرابطية.
2ـ إشكالية التسمية:
يذهب بعض المؤرخين إلى أن وادي أم الربيع تمت الإشارة إليه في أول الأمر عند الأمير القرطاجي حانون أثناء رحلته ما وراء عمود هرقل الى الجنوب(القرن الخامس قبل الميلاد).وقديما كان الوادي يسمى “كوفة” ، ولسنا نعلم أصلا لهذا الاسم . وأورد آخرون اسم “ماسنات”، وهذا الاسم بدوره يطرح علامة استفهام . وبناء على ماجاء في رحلة بوليب(125-210ق.م) ، فإن اسم الوادي هو “أناتيس” ، ويجعله على بعد 496 ميلا من رأس نون و205 ميلا من ليكسوس . واستعمل آخرون اسم “أسانا” ، كما نجد ذلك عند بطليموس وبلين الشيخ(79-23 م ) ، ويضيف هذا الآخير بأن” ماءه أجاج وميناءه ممتاز” ، ولعلها أول إشارة إلى حضور الميناء على ضفة الوادي ، وهو يحدد موقعه بين وادي “فوت” (تانسيفت) ومدينة سلا ، أي أنه يوجد جنوب نهر أبي رقراق . ويذهب ستيفان جزل إلى أن أناتس هو نفسه أسانا ، رغم أنه بعد ذلك يخلطه مع نهر إينديس في مدينة أرزيليا ، كما جاء عند سيلاكس.
وفي غير موضع من كتاب “التشوف” ، يشير ابن الزيات إلى أن الأصل في تسمية الوادي هو “وادي وانسيفن” ، بالامازيغية حسب أحمد التوفيق هي وادي الوديان . وفي موضع آخر يسجل بأن الوادي كثير الماء لا يكاد يقطع بالدواب .والاسم نفسه أورده الحميري صاحب “الروض المعطار”، وأورد كذلك اسم أم الربيع ، الذي يقول بأنه اسم قرية كبيرة جامعة ، فيها أخلاط من البربر وهم أصحاب حرث ومواش وجمال ، والغالب عليهم الفروسية. وبهذه القرية ألبان وأسمان ونعم كثيرة وحنطة في نهاية الرخص.
ومن المنبع إلى المصب تتوالى عشرات الحكايات والاساطير حول الوادي ونشأته وتسميته ، حول مياهه وخيراته ، حول جبروته وتمرده وغضبه…ومن هنا يمكن اعتبار أزمور هبة أم الربيع . وكانت المدينة محط أنظار ومقر استقرارللعابرين والوافدين من الجماعات البشرية على اختلافهم ، ومصدرا للثروات لمن سوف يتعاقب من الاحتلالات ، من فنيقيا إلى الرومان ، من البرتغال إلى الحماية الفرنسية . لأن ذلك الغزو لم يكن اعتباطيا ، بل كان تابعا لاستراتيجية بعيدة المدى ، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. وهذا الموروث الفينيقي الأمازيغي الروماني ، العربي الإسلامي ، نلمسه في عدة جوانب من حياتنا . هذا بالإضافة إلى أن من سوف يتحكم بمقاليد السلطة ، من الدول المتعاقبة بعد الفتح الاسلامي ، عملت على تأسيس الاستبداد الشرقي ، الذي يقترن بالحضارات النهرية.
5- سؤال الخاتمة:
إذن ما هي عطايا الوادي للمدينة ولسكانها؟ وماهي قصة أسماك الشابل وغيرها في الوادي،وماهي أنواع الشابل،وما هي أسباب انقراضه؟؟وكيف تفاعل السكان مع المتغيرات الحاصلة في الوادي؟؟
كل هذا نقف عليه إنشاء الله في الاعداد المقبلة.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=20739
