د. عادل محمد عايش الأسطل
تجاوز كل الممنوعات وكافة المحرمات رئيس الحكومة الإسرائيلية “بنيامين نتانياهو” من وجهة نظر اليمين الإسرائيلي، في شأن موافقته السهلة مقابل سراب، على إطلاق سراح سجناء فلسطينيين (ما قبل أوسلو) تلطخت أيديهم بدماء يهودية، وتساءلوا بعنف، أين الخطوط الحمراء التي طالما عاهد “نتانياهو” الإسرائيليين بأنه سوف لن يقترب منها؟ .. ها هو قد نكث بعهده، وأطلق منذ الصيف عام 2013، سراح ثلاث دفعات منهم، وأدخل المزيد من الآلام على الإسرائيليين بشكل عام، وقضى على عزائهم الوحيد، بأن السجناء يمكثون في السجون ويُعانون العقوبة، وفي نيّته – برغم الخسارة- إطلاق سراح الدفعة الرابعة قبل ختام هذا الشهر، زيادة في الإيلام ولا يبالي، وهو يعلم أيضاً بأنه سيتجاوز محرمات أخرى لا تقل خطراً عن الفائتة على إسرائيل، بسبب أن هذه الدفعة ستشمل 14 من أسماء عرب داخل –الخط الأخضر- يعيشون في وادي عارة، كفر قاسم، الرملة، باقة الغربية، أم الفحم، والقدس، والتي تعتبرهم إسرائيل بأنهم يقعون في نطاق مسؤوليتها، كونهم من مواطني إسرائيل. وعبّروا بأنّ لا أحد يرغب بإطلاق سراح (الإرهابيين الفظيعين)، الذين أضرّوا عائلات كثيرة جدًّا في إسرائيل.
“نتانياهو” نفسه وهو على أبواب الميعاد، انتقل من غير اتزان باللوم ضد وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” بسبب أنه لم يجد صدىً بالمرة، لتلك الوعودات الجميلة التي خلقها أمامه، والتي كانت سبباً في تركيعه للإقدام على فتح السجون وتسريح الأسرى.
تصدّي اليمين وجهات إسرائيلية أخرى، وعدم قدرة “كيري” على الوفاء بتعهداته بشأن تلقي أيّة تنازلات فلسطينية، وخشيته من انسحاب فلسطيني عند إتمام الإفراج عن الأسرى، وجد “نتانياهو” نفسه أمام أن لا بد من إعادة النظر، لأجل استدراك ما يمكن إنقاذه في هذا الصدد، بهدف الحصول على محفزات أخرى، وأهمها في الظروف الحالية، هي تمديد فترة إجراء المحادثات بعامٍ آخر بدءاً من نهاية فترة التسعة أشهر المقررة للتوصل إلى حلولٍ تخدم مزاجه، أو بنيّة السحب نحو نسف العملية السياسية برمتها، لأجل تشكيلها من جديد.
ما يُفكر به “نتانياهو” لم يكن كافياً لتهدئة الكثيرين في إسرائيل بدءاً بأعضاء بارزين في الحكومة التي يرأسها، أو بالحركات والأحزاب اليمينية، أو بالنسبة للعائلات اليهودية المتضررة، ولهذا وجد نفسه أمام موجات غضب متلاحقة، لم تكن كسابقاتها، حيث بدأت تتكوّن ضده إنذارات وتهديدات واشتراطات معجزة أخرى، وهو الأمر الذي جعله يلعن نفسه كلّما شاهد نفسه يتلقى تلك الإنذارات وتلك التهديدات.
كان الضغط الداخلي على “نتانياهو” يزداد أكثر من ذلك الضغط الذي يتلقاه من الإدارة الأمريكية والفلسطينيين، لثنيه عن الموافقة على تحرير أسرى فلسطينيين على حساب العملية السياسية. وكان “داني دانون” نائب وزير الجيش الإسرائيلي قد أقدم على التهديد بالاستقالة من منصبه في حال أجاز “نتانياهو” عملية الإفراج.
وفي خطوة تصعيدية، أبلغت كبيرة المفاوضين الإسرائيليين “تسيبي ليفني” الرئيس الفلسطيني “أبومازن” خلال اليومين الفائتين، أن إسرائيل قد لا تقوم بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، في حال لم يلتزم بمواصلة محادثات سلام إضافية بعد انقضاء المهلة المقررة للتوصل إلى اتفاق في إبريل/ نيسان، على اعتبار أنه لم يكن هناك على الإطلاق، التزام تلقائي بالإفراج عن الأسرى دون أن يكون مرتبطاً بإحراز تقدم في المفاوضات.” وأن مصير الأسرى يحدده “أبومازن” نفسه وليس إسرائيل.
وكانت أشد تلك الضغوطات وأكثرها غرابة – باعتبارها سابقة-، تلك التي أعلن بها ثلاثون عضو كنيست من بينهم “تساحي هنغبي، حاييم كاتس وموشيه فايغلين”، وأعضاء كنيست آخرين من حزبي إسرائيل بيتنا، والبيت اليهودي ومعظم أعضاء أحزاب شاس ويهدوت هتوراة، بمبادرة من عضوة الليكود “ميري ريغيف” للضغط على “نتانياهو”، من أجل إطلاق سراح ما أسموهم بـ (الأسرى اليهود الوطنيين) أيضاً، الذين أُدينوا بقتل فلسطينيين، كخطوة مضادة لتحرير أسرى من فلسطينيي 48 ضمن الدفعة الرابعة من تحرير الأسرى. وادّعوا بوجود تمييز بين الإسرائيليين أنفسهم في حال لم يتم تحريرهم.
من جانبها، الولايات المتحدة، التي لا تجد وسيلة إلى الآن، بشأن تحفيز الإسرائيليين على تنفيذ الاتفاق، ليس بسبب أنها لا تستطيع ممارسة الضغط عليهم، ولكنها هي نفسها غير بريئة من اشتراكها في المماطلة واللغط الإسرائيلي الدائر، سعياً منها لجلب تنازلات فلسطينية ذات شأن تعمل على تقدم خطة الإطار الأمريكية المقترحة، وعزوفاً عن الاصطدام بقضية العميل الإسرائيلي “جوناثان بولارد” المحتجز في سجونها، ترغب إسرائيل في إطلاق سراحه، وهي اكتفت بالدعوة فقط، بأن على إسرائيل تنفيذ الاتفاق، بسبب خشيتها من أن تنهار المفاوضات،
وعلى أيّة حال، وسواء كانت المماطلة من الإسرائيليين أو بالاشتراك مع الأمريكيين، و- لـ”كيري”، سابقة في هذا الصدد-، فإن الجانب الفلسطيني يرفض كل المماطلات والاشتراطات وكل ما من شأنه أن يعيق عملية تحرير الأسرى أو أن يتسبب في معاناتهم أكثر، باعتبارها استفزازات مكشوفة لا طائل منها، بسبب أن عملية الإفراج، ليست مرتبطةً بتنازلات ولا بتمديد المفاوضات، فقط كانت مقابل تجميد القيادة الفلسطينية توجهها للانضمام للمؤسسات والمنظمات الدولية خلال فترة المفاوضات،
صحيح، أنّه لا يوجد أحد من الفلسطينيين يساوم بقضية الأسرى، بسبب أنهم فوق كل اعتبار، ونتانياهو” يعلم ذلك جيداً، ولكن تعوّده كما تعوّدت إسرائيل من قبل على إحراز المكاسب، قبل أن يقوم من غير ريب على تنفيذ الاتفاق، وستقوم تلك المكاسب بالدرجة الأولى، على إفساد السرور الفلسطيني، سواء كان ذلك بتأجيل عملية الإفراج، أو بإطلاق سراح سجناء (يهود) قتلوا فلسطينيين، وهو الأمر الذي له تداعياته المستقبلية ضد الفلسطينيين، وفي الوقت ذاته، سيتلقّى ما يعتبره مكسباً حقيقياً له ولإسرائيل عموماً، وهو المتعلّق بتمديد فترة المفاوضات إلى مدةٍ أطول، على الرغم من الرفض الفلسطيني حتى هذه الساعة، والتهديد بالانتقال إلى الأمم المتحدة، على أن هذا التهديد لن يكون مجدياً كفاية، من وجهة نظري على الأقل.
خانيونس/فلسطين
20/3/2014
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=6083