ازمور انفو24:
تعد مدينة آسفي ذاكرة تاريخية بامتياز من يزورها يلاحظ للوهلة الأولى تنوع و ضخامة مآثرها التي لازالت تؤرخ لحقب زاهية متنوعة و ضاربة في عمق التاريخ ، مدينة تدل أسوارها و بناياتها و جوامعها و كنائسها و أضرحتها و قصباتها و زواياها و كل الحفريات المنجزة بها على عمق الحضارات التي تواجدت على أراضيها منذ الأزمنة الغابرة ،و قد أجمعت كل الأبحاث و الدراسات التي أجريت على المدينة و النواحي على أن العديد من الجنسيات حطت الرحال فوق أراضيها كالفينيقيين و الكنعانيين و القرطاجيين و البرابر و البورغواطيين إضافة إلى العرب و الموريسكيين و اليهود و النصارى…
كما أن ميناءها التجاري يعد أقدم ميناء إفريقي يوجد على الساحل الأطلسي عزز من استقطاب هذا التواجد البشري للمدينة. إن هذا الاختلاف العرقي و الحضاري لا بد أن يترك بصمته على الكثير من المعالم التاريخية، رغم تعرض العديد منها للتخريب و الإتلاف، و خصوصا، في فترة تعرض المدينة للغزاة البرتغالين الذين هدموا السور الموحدي و بنوا على أنقاضه سورا ضخما قصد الحد من هجومات السعديين ، كما خربوا المسجد الأعظم الموحدي و حولوا صومعته بعد هدم جزئها العلوي إلى برج جذاب أقاموا عليه أجراس كبيرة لكنيستهم .
و ارتباطا بالموضوع أقدمت جمعية شباب و تعاون للأوراش الدولية التي لها تجربة رائدة و خاصة في مجال إصلاح و ترميم و صباغة كثير من دروب المدينة العتيقة على المطالبة بتقييد صومعة المسجد الأعظم الموحدي كترات وطني استنادا إلى القانون رقم 80 ـ 20 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية و الكتابات المنقوشة و التحف الفنية ،و بالفعل وافقت اللجنة الوزارية المختلطة المنعقدة مؤخرا على الطلب المذكور و يعد هذا الاهتمام المنقطع النظير بالمعالم الأثرية حدثا تاريخيا و مكسبا هاما للجمعية المذكورة ، لأنه يعد أول تقييد بعد الحماية الفرنسية ،حيث تم إعداده بتنسيق مع السيدة وفاء مداح المفتشة الجهوية للمباني التاريخية و المواقع بمندوبية الثقافة بآسفي ، كما يعكس هذا التقييد مكانة هذه المعلمة التاريخية ، التي تختزن ذاكرة المدينة في فترة تولي الموحدين لحكم شمال إفريقيا و الأندلس في الفترة الممتدة ما بين 1130 م و 1163م.
و تعتبر صومعة المسجد الأعظم من المآثر التاريخية الهامة للموحدين على غرار صومعة حسان بالرباط و الخيرالدة بإشبيلية بالأندلس و التي رجح الباحث إبراهيم كريدية تشييدها على يد أحد الزعماء التقاة المولعين ببناء الجوامع ألا وهو يعقوب المنصور الموحدي لكون شكلها المعماري ،و خاصة الخارجي منه، يبدو متأثرا إلى ،حد بعيد، بالفن المعماري الأندلسي المتميز بالزخرفة ذات الطابع الإسلامي كما أن متانة بنائها من أسباب صمودها، طوال هذه السنين في وجه التخريب و الزلازل التي تعرض لها المغرب .
و بعد هدم المسجد تغيرت المعالم المحيطة به حيث أصبحت الصومعة ملفوفة بكثير من الدكاكين و المحلات التجاريةالعشوائية التي أخفت المظهر العام للمسجد الأعظم لذا طالبت الجمعية المذكورة بإعادة الاعتبار لهذه المعلمة التاريخية و ترميمها في فضاء أرحب يليق بقيمتها التاريخية التي تؤرخ لفترة هامة لحكم الموحدين للمغرب.
إن زوار آسفي و سكانها ليروا بأم أعينهم اليوم الحيف التاريخي الذي تتعرض إليه هذه المدينة العريقة حيث لم تشفع لها كل هذه المآثر و المباني التاريخية المذهلة و التي قل نظيرها في المغرب من تبوإ المكانة الثقافية التي تستحقها بين مدن المملكة التي تم تصنيف الكثير منها ، ليس تراثا وطنيا فحسب، بل تراثا عالميا أيضا ، بل و الغريب في الأمر أن بعض المدن لا تملك مآثر تاريخية توازي تلك الموجودة بمدينة آسفي إلا أنها نالت حظها من هذا التصنيف ، و يبدو أن المدن التي المستفيدة من برامج الدولة في التسويق السياحي هي التي نالت الحظوة بالدرجة الأولى من منظمة اليونسكو .
من هذا المنطلق يعد لزاما على وزارة الثقافة الوصية و كل الفعاليات السياسية و المجالس المحلية و الإقليمية و الجهوية و المدنية و الحقوقية و الغيورة أن تكثف جهودها للمطالبة بتصنيف المآثر و المواقع المتواجدة كترات عالمي يعيد لهذه المدينة المغبونة هبتها و مكانتها التي كانت تشغلها في السابق كواحدة من أعرق المدن المغربية.
محمد افنوني / نبيل المودن
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=23520