أزمور أنفو 24 المتابعة: عبد الواحد سعادي
يطرح اليوم تحديات جد متنوعة بحكم إكراهات العولمة المتمثلة في وجود تفاعل ثقافي و إعلامي جد مكثفين حول العالم ليس إلى قرية صغيرة بل إلى أسرة كبيرة تتوحد في نمط استهلاكها الاقتصادي و خيارها السياسي ، مثلما تتوحد في منظومتها الثقافية و الإعلامية، بل الإعلام تحول إلى ساحة جد مفضلة لبسط مختلف التناقضات التي يشهدها المنتظم الدولي ، فبين العولمة الاقتصاد و عولمة الثقافة أمسى الإعلام ساحة الغي أللاثنين بامتياز ، مثلما تحول الى حلبة للصراع الضمني بين السياسة و الاقتصادي بهدف ليتحكم في المشهد الإعلامي إدراكا من الطرفين بأن من يتحكم في الإعلام بتحكم في دواليب المحيط الاقتصادي ، فلا يمكن بلورة مشروع مجتمعين قوة في غياب نظام اتصال فاعل و فعال .. إن هذه الجدلية بين الإعلامي و الاقتصادي تجد شرعيتها و مشروعيتها على امتداد التاريخ الإنساني حيث نرصد نوعا من التوازن بين تطور الأفراد و الجماعات و تطور وسائل الإعلام و الاتصال من عصر النقش على الأحجار الى عصر بث الأقمار فقد يشهد هذا التاريخ أن الاتصال كان دوما يكوي بين طياته جدلية الوفاق و الصراع التي تنشأ في عقول البشر ، إن خطورة إعلام عصر المعلومات لا تمكن في الطغيان الحاصل في الوسيط
الإلكتروني على باقي وسائل الاتصال الأخرى، لكن الخطورة تمكن في ظل التدفق الهائل للرسائل التي تأتي من هذا الوسط الاتصالي الجديد وسرعة تدفقها و طرق توزيعها واستقبالها ، لقد نجمت عن ذلك تحولات جوهرية في مهام وسائل الإعلام ، فهو اليوم محور أساسي في المنظومة الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية لكل مجتمع ، فمثلما هو مرتكز فعلي للعولمة الاقتصادية فإنه كذلك شرط أساسي لتنمية دول العالم الثالث بشكل هيمن معه الإعلام على الساحة الثقافية حتى أصبحنا نسمع بثقافة الميديا ، ثقافية الوسط المتعددة، ثقافة التكنولوجيا ، الأمر الذي دفع الباحثين في علوم الإعلام الى القول بأن اذا كان أوسط يعتبر المعلم الأول فإن الإعلام غدا المعلم الأعظم بعد أن تحول الإعلام كثقافة وصناعة قوية.
إن هذه التخوفات هي في حقيقة الأمر تناقضات صارخة يعاني منها إعلام اليوم بشكل جلي سواء تعلق الأمر بالنسبة الدول المتقدمة أو الدول المتخلفة مع اختلاف في الأسباب و المظهرات بين الاثنين ، فرغم الثراء التقني و أهميته السياسية و الاقتصادية و الثقافية مازال التناقض فالتربية الإعلامية حاضرا بقوة بين الوفاء بمطالب استقرار المجتمع و مطالب تغييره في نفس الوقت، مثلما يبرز التناقض بين رسالة الإعلام و إكراهات الإعلامية ، بين مراعاة مصالح الحكام و الحرص على المحكومين ، بين الأهداف السامية التي وجد من أجلها الإعلام كوسيلة فعالة لخلف تمنية اجتماعية مستمدة و بين مطامح القوى الاقتصادية التي نظرا لطابعها التجاري قد تحيد بوسائل الإعلام عن نهجها التنموي لتوقعه في طابع ترفيهي صرف ، إن هذه التناقضات الموضوعية تظهر بشكر جلي في عالم اليوم ، ف:ل مؤشرات تسير في إتجاه ولحد ألا و هو وجود تحالف في العصر الإعلامي بين القوى الاقتصادية التي أمست تتحكم في قرارين السياسي ة الاقتصادي و القوا الرمزية على حساب السلطة السياسية التي تحولت الى أداة طبيعية في يد النخبة الاقتصادية ، فمثلما انزوت بالأمس السلطة الكنيسة بفعل المتخير الصناعي بدأت تتوارى السلطتان السياسية و العسكرية فسيحتين المجال لسلة الاقتصادية التي تجل من الساحة الإعلامية احي واجهاتها الأساسية.
لقد سبق لي ميشيل فوكو وان أشارة إلى إن السيطرة في الماضي كانت تمكن في استعراض قوة الفئة الحاكمة على المرأى من الأغلبية المحكومة ، أم القوة الحكم في عصر الإعلام ألمعلوماتي فترتكز في بالأساس على ضرورة إبقاء هده الأغلبية الصامتة مستهلكة أمام الأنظار السلطة الحاكمة ،إد يتخذ هذا التحييد أشكال متعددة : فإما أن يتم بشكل وقائي عن طريق نظم الإعلام الموجه و أضوائه التي تتف دالينا من خلال شاشات التلفزيون و أما بكيفية تشخيصية عن طريق استطلاعات الرأي ، و إما علاجيا أن اقتضى الحال بواسطة أجهزة الأمن و الرقابة الالكترونية . في ظل هذا التحالف الجديد بين القوى الاقتصادية و القوى الرمزية تضمحل الحدود الفاصلة بين العالم العولمة الاقتصادية و العولمة الإعلامية بشكل يجعلها تتبدلان موقعي التأثير و التأثر بشكل سافر أو غير سافر ، بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، فعولمة الاقتصاد تسعى جاهدة لان تجعل من العولمة الإعلام أقوى أسلحتها فيما تسعى العولمة الثقافية من جانبها إن تتخذه من عولمة الإعلام ساحة لحوار التفافات و تعددها و توسعها ، فمستقبل المجتمع الإنساني سيتوقف علة من تكون له الغلبة في النهاية على جبهة العولمة : الاقتصاد أم الثقافة فيما يبرز المجال الإعلامي كساحة للوعي بين الاثنين مرتكزا بشكل أساسي على الرمزية . فماذا نعني بالقوى الرمزية ؟
تعرف القوى الرمزية بأنها قوى لينة تختلف اختلافا جوهريا عن القوى التقليدية في تعمل بالجدب لا بالضغط ، بالترغيب لا بترهيب بحيث تخاطب العقول من أجل التأثير عليها ، فالهوائيات و الفضائيات تحولت إلى ترسانات أسلحة و منصات صواريه قادرة على التأثير بشكل فعلي و حساس على الرأي العام الوطني و الدولي ، أن هذا التغيير حمل معه مفاهيم جدة ذات سبغه حربية أكثر منها إعلامية كمصطلحات الهجوم الدفاع ، العنف ، التحسس فأمسينا نسمع بالحملات الإعلامية ، الاكتساح الإعلامي ، العدوان الإذاعي ، العنف الرمزي … و في وقت الأزمات و الحروب توضع القوى الرمزية في خدمة القوى الأخرى ، إد يمكن الوقوف بسهولة عن دور هذه القوى انطلاقا من الحروب الصليبية إلى اليوم ، فعلى سبيل المثال ما الحصر نستعرض ما قامت به ألمانيا النازية من الحر العالمية و الدور المركزي الذي تلعبه وكالة المخبرات المركزية في كواليس السياسة الأمريكية ، أم اليوم فقد تم تجاوز دور المساندة التي كانت تقوم بهذه القوى ، الإعلام اليوم لم يعد شأن ديمقراطيين أو مهمة المنظرين بل خضع التنميط السياسي و الاقتصادي الذي ضمن الاستقرار قوى المجتمع و لإعادة الإنتاج فاحتكار وسائل الإعلام أمست السمة المميزة للإعلام المعاصر ، فهناك أربع وكالات أنباء عالمية تعرف باسم <<الأربعة الكبار>> تحتكر 80% من مجموع المعلومات الى جانب أربع مجموعات إعلام تتحكم في 90% من الصحف البريطانية 10% من شركات الإشهار الأمريكية تسيطر على 80% من إجمالي الإنفاق الإعلاني في الولايات المتحدة الذي وصل الى 250 مليار دولار سنويا ، بل حتى شبكة الانترنيت لم تسلم من هذا الاحتكار المنهج فهناك مائة موقع على الانترنيت تستولي لوحدها على 80% من إجمالي الزوار لمواقعها تاركة الخمس فقط لتتنافس عليه ملايين المواقع الأخرى.
الى جانب إشكالية الاحتكار الشرس لوسائل الإعلام الكبرى تطرح إشكالية أخرى لاتقل عن الأولى أهمية و تعني بذلك مسألة غياب الجرأة المؤسساتية لوسائل الإعلام بحكم التبعية الاقتصادية أو السياسية .
في سنة 1995 أتيرة في الولايات المتحدة الأمريكية فضيحة إعلامية بطلاها شركة بروان لإنتاج السجائر و قناتا أ بي سي و سي بي سي حيث توصل مراسل القنتة الاولى بمعلومات بواسطة مهندس سابق لشركة السجائر بروان ، تفيد أن هذه الشركة تضيف نسبة مكتفة من النكوتين لسجائر بشكل يفضي إلى إحداث سرطان خطير ، وقد تمكن طاقم برنامج 60 دقيقة الذي يذر أموالا طائلة على هذه القناة من الحصول 4000 وثيقة تدين هذه الشركة و قرر الطاقم استضافة المهندس جيفرند بغية الإدلاء بهذا الحقائق . بين أن شركة براون سترفع دعوى بهذه القناة مطالبة بتعويض مالي يناهز 15 مليون دولار بدعوى خرق أسرار مؤسسة خاصة ، بعد جدال قوي ستتنازل شركو براون عن دعوتها الأكثر من دلك سيتم تحقيق نوع من الاندماج بين قناة أي بي سي و مؤسسة والت ديزني التي تملك أسهما مهمة في شركة براون و هو ما سيحصل بالنسبة لقناة سي بي سي لكن عبر سناريو آخر فيما ستتمكن جريدة نييوك تايمز وجامعة كليفورنيا من نشر 4 آلاف وثيقة عبر موقعها على الانترنيت حول هذه الفضيحة مرتكزين على تعديل الأول من فصل الدستور الأمريكي الذي يخول نشر المعلومات إذا مكانة تهم المصلحة العامة .
إن هذا المثال يكشف بحق غياب الجرأة المؤسساتية لوسائل الإعلام بحكم الإكراهات الاقتصادية و السياسية الكبرى على وسائل الإعلام توازيها سيطرة ذات صيغة سياسية قد يتدخل فيها المعطى السياسي مع المعطى الاقتصادي أو تأتي نتيجة لهيمنة العامل السياسي فقط مثلما هو عليه الحال بالنسبة للعديد من الدول المتقدمة التي أمست تجعل من الإعلام حصان طروادة لتمرير خطاباتها السياسية و استراتيجيها العسكرية حيث نستحضر على سبيل المثال إصرار إدارة الرئيس السابق جورج بوش الأب على خلق قمر اصطناعي خاص بإنشاء قنوات تلفزية للإطاحة بمظام كاسترو ، و في نفس الاتجاه كان الحديث يجري بجدية في كواليس البنتاغون على خلق مركز لرصد نظام الاتصال التلفزيوني و هو في واقع الأمر نوع من الرقابة على القنوات التلفزيونية و يترجم الامتعاض أبدي إدارة جورج الابن ضد قناة الجزيرة بسبب انقراضها ببث تصريحات ابن لادن المناوئة لأمريكا ، مثلما يترجم الحملة الشرسة التي قامت بها أمريكا لثني بعض القنوات التلفزية العربية على عدم بث المسلسل التلفزيوني بفارس بلا جواد بدعوى أنه يذكى مشاعر العداء للإسرائيليين ، فيما حرصت أمريكا على تعديهم مسلسل نهاية أمير و مسلسل يتعرض بشكل فاضح للحيات الخاصة إحدى الأميرات بالمملكة العربية السعودية ، ورغم العلاقات الدبلوماسية الجيدة و المحولات الحثيثة التي أجرها السلطات السعودية إلا أن المشاهد الأمريكي تمكن مشاهد هذا المسلسل .
أن الأمر هنا يتعلق بإشكالية أعمق و أدق ألا و هي إشكالية دمقرطية و سائل الإعلام و الاتصال في المنتظر الدولي المعاصر ، و ذلك بسن بروتوكول دولي يضمن الحق في ديمقراطية وسائل الإعلام و الاتصال بشكل يحقق لها الاستقلالية و الحياة و الموضوعية بعيدا عن أي تأثير للوبي الاقتصادي أو لصناع القرار السياسي .
إن هذه الاستقلالية هي التي ستحقق روح وجوهر الديمقراطية في أبعد تجلياتها ، فقد عجزت الأنظمة الديمقراطية عن ترجمة إعلام فعلي لمبدأ الديمقراطية حكم الشعب و بواسطة الشعب لكمن بإمكان وسائل الإعلام أن تحقق هذا الهدف مثلما بإمكانها امتصاص التوترات المجتمعية بفتح نقاشات جادة حول مصير مجتمعي العولمة .
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=11627