أرض خارج الكون
على سبيل المرور أمام:
(عشق الوهم والخيال)، للشاعرة خديجة علام
تغوص الشاعرة خديجة العلام في بحر ملكوته الحقيقة والخيال، تنسج خيوط لعبتها اللغوية انطلاقا من ثورة ذاتية، ونار واقعية، وصوت مبحوح لفض نزاع التشرذم العربي والحزن الذاتي..
تقيم الشاعرة خديجة العالم برزخا قويا لتحقيق الصلة والرابطة الأسرية، وتقدم نصيبا من كلماتها للأم والحنين للموطن الأصلي/ مسقط الرأس صفرو..
هي تيمات حاضرة بقوة في ديوان (عشق الوهم والخيال)، باستغلال وصفة نثرية ذات طابع الشعرية المخترقة لفواصل التقطيعات والسكنات الإيقاعية داخليا، دون التشكيل العروضي الخليلي.
* تيمة الحب والهوى، فوضى الانتماء بين الذات والآخر:
تختلف قيمة الحب بالنظر إلى الحبيب وطبيعته، لذلك اختارت الشاعرة خديجة العلام أن تبدأ حكايتها التخييلية بإهداء إلى:
إلى قلب غرفت منه شهد الحنان
إلى عيون سهرت من أجل أن أنام
إلى ثغر باسم في وجه الأحزان[i]
فاختارت أن تنسج خيوط إهدائها إلى الأم أولا ثم الزوج ثانيا فالأبناء ثالثا.. وقد خصت كلا منهم بنص منفرد تحية لهم.. من ذلك قولها في (حبيبتي بثينة):
أنت أجمل وردتي
أنت إلهام شعري
يا مصدر حناني[ii]
تتخل كثير من النصوص فوضى الانتماء واللاانتماء، تتحرر الشاعرة من قيد العروض فتتربع على إيقاع الذات، تناوش كل ضمائرها البارزة والمستترة، فتحضر ياء المتكلم وحاضر الذات وماضيها.. وفي خضم هذا يحضر الحب والهوى للآخر، دليل على انتماء قوي وسلطته وعنفوان الرابطة التي تجمعهما.
تقول في نص (كن ما تشاء):
كن أنت كما تشاء
ولأكن أنا الجدول مملوء ولو بقطرة ماء
أو أكن، مطرا يسقي الأرض جادت به السماء
أو لأكن حبة رمل ذرة تبعثرت في الهواء
فراشة أنا أتنقل فوق الورد ولا أخشى الأعداء
إلى جانب الحب، استطاعت الشاعرة أن تغوص في ذاتها المكلومة معبرة عن أسف وحزن ومكابدة لا حدود لها.. الحياة فوضى بهمومها، والهم قنديل يغطي فؤادها، تعيش وسطه مستسلمة لفؤادها.
كما أن الديوان حافل بكثير من المفارقات في ما يخص الواقع العربي، من المحيط إلى الخليج، فتثير قضايا متعلقة بالوطن من قبيل حياة (المدرس)، حيث تورد قولها:
في طريقه الأحادي
يتأبط همَّهُ
مرفوع الهامة
صبار اللون واللمس
فالمكابدة جزء من حياته، وحياة الشاعرة، كما أن الموقف الذي تثبت فيه دورها في الواقع له نصيب من المعاناة اليومية التي تعيشها.
وبالانتقال إلى الواقع العربي، تذكر الثورات العربية وما خلفته من مآسي الشعوب المقهورة، وتثير أيضا بعضا من الانشغالات التي تنم عن ارتباط المبدع بمحيطه سواء في حالة الصفاء والرضى أو التذمر والعناء:
فلا الاعتقال يخيفنا
ولا الموت يقبرنا
أعلنا الحداد واستقبلنا العذاب
سنبحر ضد الموج الأحمر
كما أن الحنين تعدى الحياة الخاصة، والهوى ملك الفؤاد للمكان كما الذات الأخرى، حنين إلى مسقط الرأس والحياة الأولى (صفرو)، وحنين إلى مدن مغربية ومناطق ذات تأثير عميق على المبدع، كمراكش والأطلس وغيرهما.
جاء في نص (سلام عليك مراكش):
السلام عليك مراكش الحمراء السامية
وسلاما على شهدائك وعلى كل البشرية
لذلك فيبقى الحزن والمعاناة رديفين للإبداع، وتصير الغربة المكانية أسّاً مسيرا للعملية الإبداعية، فتنطوي الذات على ملكوتها الداخلي، وتستهوي النفوس الأخرى كي تتعايش ومآسيها.
(عشق الوهم والخيال)، ديوان شعري، وإن كان لا يمارس قواعد العروض الخليلية، فإنه استطاع أن يخلق الصلة بالمتلقي انطلاقا من موسيقى الذات التي تسيطر عليها التوازيات الصوتية، خاصة حين يتعلق الأمر بضمير المتكلم المتكرر في كثير من النصوص، فيثير تنويعات تتشكل أحيانا في قافية، وتصير أخرى داخل المتن ركيزة ثابتة.
في قاعة محاطة بالحواسيب جلستُ
عن المجهول أبحث وأترقب ولكني صمتُ
العلمي في شاشته يشرح يكتب ويتحدثُ
ينوبه الزيتوني في هدوء ورقة فتسمرتُ وسمعتُ
أو استغلال ياء المتكلم في قولها في نص (شنقتُ بحبل وهمي):
جاء يساورني
يخنق كلامي
في صمتي
في سجودي
(عشق الوهم والخيال) أيضا صورة لواقع مهزوز، ولحظات شاعرية تجمع بين باث ومستقبل، الرابط بينهما الذات، ووجه الشبه الحزن العميق الذي تدفق عبر شرايين الكتابة، ليصل مرفأ الأمان عن نهاية قافية الكتابة، تتقوى فيها رؤية الشاعرة، وتنهلا من رؤيا البوح والشرح، حتى وهي تقود قافلة التلاميذ في ساحة الدرس، أو تتبع درسا وتكوينا في قاعة الحواسيب، أو تعيش حياة الأنس بين روافد أسرتها، أو تتجول في آفاق الواقع المغربي والعربي عامة، أو تحتار بين الشوق والتوق إلى الأفضل..
إنها رؤية خديجة العالم من محيط الرباط إلى كل خليج شاعري، ومحاورة ذوات ليست بذاتها، وحيوات ليست حياتها، وتتعايش مع أطيار الأمل وطرائف الحلم الوردي البهي.
الدكتور محمد دخيسي (أبو أسامة)
العيون (سيدي ملوك) في 5 صفر 1435ه الموافق 9 دجنبر 2013
– خديجة العلام: عشق الوهم والخيال، ص. 5.[i]
– المصدر نفسه، ص. 35.[ii]
– المصدر نفسه، ص. 97.[iii]
– المصدر نفسه، ص. 20.[iv]
– المصدر نفسه، ص. 95.[v]
– المصدر نفسه، ص. 105.[vi]
– المصدر نفسه، ص. 75.[vii]
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=3120