ازمور انفو24:بقلم . الدكتور عبدالواحدلكناوي
لا شك أن تعديلات الدستور عقب خطاب صاحب الجلالة 9 مارس كانت ذو وقع كبير على المجتمع المغربي في العديد من تجلياته ووعدا بخلق جو من الديمقراطية يلغي عهودا سادت فيها الزبونية والمحسوبية في ولوج الوظائف العمومية والمناصب السامية. غير أن حكومتي بنكيران والعثماني اللتين صادف صعودها سدة الحكم ما اصطلح عليه بالربيع العربي، حراك 20 فبراير ثم حراك الريف في المغرب، وعطش المواطن للديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ما ما فتئت أتجهز أعلى حقوق الفئة المستضعفة في المجتمع، وتجاهران بخرق بعض مواثيق الشرف التي سبق وأن وقعتها الحكومة السابقة، بدعوى أن هذه المواثيق مخالفة للدستور. هذا وقد صدّعت الحكومتين، اللتين يرأسها حزب يدعى أنه إسلامي سابقا، رؤوس الشعب المغربي بأنها جاءت لإرساء دعائم الديمقراطية والمساواة بين أفراد المجتمع الواحد وكسر كل قواميس المحسوبية والاقصاء على حساب قطاع كبير من الشعب طاله التهميش والجور. هذا وطال ما تغنت، حين كانت في المعارضة، بأن المعيار الرئيسي الذي يجب أن يسود في تعيين واختيار الأشخاص المناسبين في المناصب المناسبة هو الكفاءة ولا شيء غيرها. فعجبا لحكومة حزب ادعى الإسلام يأمر بمعروف ويكفر به وينهى عن منكر ويؤمن به، ويقول القول ليفعل نقيضه. وقد ظهر هذا من خلال أول حكومة تأسست تحت رئاسة الحزب ” الاسلاميسابقا”، إذ خلت من الكفاءات والخبرات الوطنية، ليتضح جليا أن ما نادت به من أجل اعتماد الكفاءة معيارا للتعيين، كان مجرد أضغاث أحلام تبخرت لتصير سرابا في اختيار وزراء الحكومة الرسمية والاحتياطية إلا ما ندر، حتى لا نعمم، لكسب العطف الجماهيري.
فلا تزال حكومة التناقضات تتحفنا بقراراتها وقوانينها البراقة وخطاباتها الرنانة، كي ترسخ هذه النظرية المجربة بأفعال وتشريعات تناقض ما استندت إليه لخرق اتفاقيات الحكومات السابقة. فقد سبق وأن اتفق رئيس الحكومة السابق ووزير التعليم العالي السابق، وهما عضوان في نفس الحزب وأبوا إلا أن يسقطوا هذا الأخير من علوه إلى أسفل سافلين بمجموعة من القرارات المتناقضة مع صلب وجوهر جميع الدساتير المغربية على مر العصور والتي تكفر بقولهم اعتماد الكفاءة معيارا للاختيار ومستهترة بمستقبل فئة من الطبقة المثقفة للمغرب والعمود الفقري للتنمية والتطور في كل مجتمعات العالم السائرة والراغبة في النمو والتطور العلمي والتكنولوجي. هذه المرة بقرار يقضى بإقصاء جميع المواطنين المغاربة الحاصلين على شهادة الدكتوراه الوطنية وغير الموظفين من اجتياز مباريات ولوج الجامعات كأساتذة مساعدين، بعد أن حصل تمييز صارخ وضارب في مبدأ تكافؤ الفرص والمنافسة على أساس الكفاءة، بين الدكاترة الموظفين وغير المزظفين. ثم يأتي الوزير حصاد وكتاب الدولة لديه تحت رعاية رئيس الحكومة العثماني بقرار أقل ما يقال عنه خال من الحكامة والحكمة والنية الحسنة للسير قدما في إصلاح الجامعة المغربية وهو الاستعانة بأطر الوزارة الحاملين لشهادة الدكتوراه متجاهلين أن هناك فئة عريضة ترمى على هامش اهتمامات الحكومة الحالية.وبهذا يكون بنكيران والداودي والعثماني وحصاد قد سعوا بقرارهم هذا إلى التمييز العنصري بين الدكاترة الموظفين والدكاترة غير الموظفين وإطلاق رصاصة الرحمة على الجامعات المغربية التي كانت تحتضر. وبناءا عليه فإن بنكيران وصاحبه والعثماني وصاحبه قد كفروا بدستور ما بعد خطاب 9 مارس في مجموعة من الفصول، ليكفروا بما آمنوا به حين حاجوا المعطلين بأن الولوج إلى الوظيفة العمومية يجب ألا يعرف تمييزا أو محسوبية وأن الفرص لابد وأن تتساوى بين أفراد المجتمع دون إقصاء حاملي الشهادات الذين يمتنعون عن الاعتصام والتظاهر. ليدحض حجته التي ارتضاها لنفسه بإقصاء الدكاترة غير الموظفين لحاجة في نفس بنكيران والعثماني وحزبهما الإسلامي والإسلام براء منه براءة الذئب من دم يوسف. وفيما يلي بعض فصول دستور ما بعد خطاب 9 مارس التي كفرت بها قرارات بنكيران:
الفصل 31-
تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في:
– الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة؛
– الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة؛
– الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل، أو في التشغيل الذاتي؛
– ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق؛
– التنمية المستدامة.
ونرى جليا أن الحكومة خرقت خمسة بنود من الفصل 31 من الدستور، فيقصي الدكاترة غير الموظفين من الحماية الاجتماعية، ويحرم أبناء الشعب المغربي من تعليم عصري ذي جودة، إذ أن الدكاترة الموظفين قد نفذ رصيدهم الأكاديمي والعلمي نتيجة الابتعاد عن البحث العلمي والتلقين الأكاديمي، إلا ما ندر، وألغى دعم السلطات العمومية عن الدكاترة غير الموظفين من جهة وانحاز للموظفين. ومن جهة أخرى ألغى معيار الاستحقاق من قاموسه الحكومي، وحرم المجتمع المغربي من العديد من الكفاءات التي يمكنها المساهمة في التنمية المستدامة التي توقفت في عهد هذه الحكومة والحكومة التي قبلها.
إضافة إلى ذلك فإن الفصل 35 المخصص لحق الملكية، واستنادا لعموم الفصل وتقديما للمصلحة العامة، جاء فيه: “تضمن الدولة حرية المبادرة والمقاولة، والتنافس الحر. كما تعمل على تحقيق تنمية بشرية مستدامة، من شأنها تعزيز العدالة الاجتماعية، والحفاظ على الثروات الطبيعية الوطنية، وعلى حقوق الأجيال القادمة. وتسهر الدولة على ضمان تكافؤ الفرص للجميع، والرعاية الخاصة للفئات الاجتماعية الأقل حظا”. هذا وقد حرمت فئة من المجتمع من حق التنافس الحر والتباري على المناسب في الجامعات المغربية وعطّل دورهم في المساهمة في التنمية البشرية والحفاظ على الثروات الطبيعية الوطنية، وحجر على حقوق جيل بالكامل في حقه الطبيعي في العمل وفي عدالة اجتماعية حقيقية. إن إقصاء الدكاترة غير الموظفين يعتبر بخسا لشهادة الدكتوراه ونقصا من قيمتها العلمية والجوهرية، ولزاما فهو تبخيس للجامعات، بما فيها الرؤساء والعمداء والأساتذة، التي تمنح هذه الشواهد وكتحصيل محصول قد تكون هذه السلسة من التعيينات غير محسوبة الخطوات هي رصاصات الرحمة على جامعة ظلت تحتضر لعقدين من الزمن. ولا يختلف عاقلان عن أن هذه الاستراتيجية لا يمكن لها لا أن ترفع من جودة التعليم العالي فضلا عن جودة البحث العلمي في المغرب. إذا لا يمكن لأي دولة أن تتطور وتواكب مستجدات التكنولوجيا وأساس كل تطور مجتمعي وعلمي وفكري وثقافي يعاني التهميش والتمييز.كما سيكون لمثل هاذين القرارين عواقب على مردودية وإنتاجية الطلبة الباحثين المسجلين بسلك الدكتوراه والمقبلين على مصير مجهول في ظل هذه القرارات غير الحكيمة.إن هذا القرار الأخير لا يعدو أن يكون تتمة لما قبله في ظل الشح القاتل في عدد المناصب المخصصة للتعليم العالي في الست سنوات الأخيرة وتضييقا على فئة الدكاترة غير الموظفين، علما أن الجامعة المغربية تعاني خصاصا مهولا في الموارد البشرية والأطر وخصوصا في السنوات القليلة القادمة، إذ يقدر أن جيلا بأكمله سيغادر الجامعة متقاعدا وتاركا هذا الخصاص والفراغ في ازدياد.وتجدر الإشارة إلى أن معطيات وزارة التعليم العالي تفيذأن عدد الأساتذة الباحثين في التعليم العالي الجامعي يعرف انخفاضا مهولا منذ سنة 2014، حيث وصل لما يقارب 12 ألفا و80 أستاذا، كي يزداد انخفاضا وتعميقا للخصاص في الموارد البشرية للجامعة في السنوات القادمة ويزداد معه عجز الجامعة، إذ يقدر أن عدد الأساتذة الجامعيين سيصل سنة 2020 إلى ما يقارب 10آلاف و350 أستاذا باحثا، أي أن الانخفاض سيكون بنسبة 14 في المائة.
وفي الختام نذكر أن الإقصاء لا يولد إلا الإقصاء وأن الحكومة لا بد أن تلتزم بما وعدت به من ضمان حق التنافس والتباري الحر في جميع المناصب والاعتماد على الكفاءة والاستحقاق معيارين للتعيين وخصوصا في مؤسسات حساسة كالجامعات. إذ أن المجتمع لا ينهض إلى بدعم البحث العلمي، واعتماد الكفاءات الأكاديمية في التدريس الجامعي سواءا من الدكاترة الموظفين أو غير الموظفين الذين تتوفر فيهم شروط الاستحقاق والكفاءة. بناءا عليه نخاطب نقابات التعليم العالي والأساتذة الفاعلين الجامعيين إلى تكاثف الجهد من أجل وقف نزيف الجامعة واستهتار بعض المسؤولين بالحياة الأكاديمية للجامعة والمجتمع ككل. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الإقصاء والتمييز لا يصبو أن يكون نواة لاحتقان مجتمعي قريب الانفجار. وعلى المسؤولين المواطنين والوطنين الغيورين على النظام التعليمي لهذا البلد والساعيين لضمان استقراره وتجاوز كل مظاهر الفتنة والقلاقل أن يتحركون من أجل وقف مثل هذه القرارات المستهترة والتي لا تزيد إلى من الإقصاء والتهميش وبالتالي الاحتقان.
الدكتور عبدالواحدلكناوي
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=29096