أزمور انفو24: بقلم أبوالقاسم الشــــبري، بـــاحث أثري
الجديدة : 07-01-2020
عطفا على المقال المنشور بجريدة إلكترونية مغربية (هسبريس) https://www.hespress.com/regions/454903.html
بتاريخ 31-12-2019، في الرابعة فجرا، والموسوم ب (قصبة “بولعوان”. “منارة السلطان إسماعيل” تواجه خطر الاندثار)، للأخ مزيني عبد الرزاق،
ومن باب الواجب الوطني والمهني تجاه الرأي العام، وارتكازا على أخلاقيات الصحافة، يسرنا غاية السرور أن نحرر هذا المقال التعقيبي لنشكر أولا صاحب المقال على تنبيهنا إلى أن المغاربة في القرون الوسطى وإلى القرن 18 كانت لم وثائق تحفيظ الأراضي في ملكيتهم الشخصية. وعليه، وجب هدم كل مدن المغرب العتيقة وقلاعه وحصونه ورباطاته وزواياه وأبراجه المصنفة تراثا وطنيا، لأنها كلها بنيت فوق أراض فلاحية كانت في زمن سحيق ملكا للخواص، في عهد يوبا الثاني ومولاي إدريس ويوسف بن تاشفين ويعقوب المنصور الموحدي وأبو عنان المريني وعبد المالك السعدي ومولاي حفيظ.
ويسرنا ثانيا، من باب الاختصاص أن نقدم إلى الرأي العام الوطني والمسؤولين المغاربة بعض المعطيات لتنويرهم. وقبل ذلك لا يسعنا إلا أن نشكر صاحب المقال ونحييه لغيرته وحيويته وشجاعته وصدقه، ولا يمكننا إلا أن نتأسف معه أسفا شديدا لتعثر مشاريع ترميم هذه التحفة المعمارية الفريدة والأخاذة، مثلما يشرفنا أن نُطَمئن الشعب المغربي والغيورين على التراث في العالم بأن قصبة بولعوان لن تندثر أبدا ولن تخرج يوما عن ملكية الدولة، في شخص وزارة الثقافة باعتبارها السلطة الحكومية الوصية على التراث الوطني. وقصبة بولعوان مدرجة في عداد الأثار بمقتضى ظهير ملكي لا يلغيه إلا ظهير ملكي، طبقا لأحكام الدستور، وليست أهواء الأشخاص ونزواتهم.
وفي البدء إذ كانت الكلمة، لابد من كلمات لإبداء بعض الملاحظات، من حيث الشكل، حول المقال، نوجزها كالآتي :
أ- لم يوجد يوما في تاريخ المغرب رجل حكم المغرب يسمى “السلطان إسماعيل”. فحتى لو كان أحدهم يرفض الاعتراف بالنسب الشريف للناس فلن يعرف أحد عمن يتحدث إذا لم يكتب الإسم التاريخي كاملا “مولاي إسماعيل”. وله الحق بعد ذلك في منازعته في نسبه الشريف، إذا كان من الرافضة،
ب- كلمة “ويلكبيديا” لا وجود لها في العالم، ويقصد صاحبنا موسوعة ” ويكيبيديا” هو الإسم الصحيح للموقع <<الموسوعي>> الذي ينقل منه أي شخص هاوي وغير أكاديمي، مثل صاحب المقال،
ج- الباحث الفرنسي “إدمـوند دوتي” ليس “ديوتيا” ولا مُدمنا حتى يُكتب إسمه بالفرنسية على شاكلة ما كتبه صاحبنا “Dutty” وEdmon بدل Edmond Doutté،
د- صاحب المقال يحيل القارئ على كتاب لم يقرأه، وهو كتاب لإدموند دوتي وأسماه “دكالة”، بينما صاحبنا كان ربما يود أن يدل القارئ على أحد من كتب الراحل ومنها “Marrakech” أو “En Tribu”، أو “Mission au Maroc”،
ونكتفي بهذا القدر ليخلص معنا القارئ إلى أن صاحب المقال ناقل لا يعرف ما ينقل، وهو من دون شك “وحيد اللغة”. ولن نتحدث هنا عن مستواه اللغوي حتى لا ينعتنا البعض بالتحامل المجاني، ونترك للقراء الكرام العودة إلى المقال الأصلي ليقفوا على نوعية اللغة التي يكتب بها صاحبنا.
أما بعد،
يسرنا، من باب الاختصاص والوجود الميداني، روحا وعينا، لأزيد من ثلاثين سنة، أن نمد الرأي العام الوطني والمسؤولين بالمعطيات الدقيقة والمضبوطة التالية :
1- قصبة بولعوان التي وصلتنا اليوم شيدها فعلا السلطان مولاي إسماعيل عام 1122 هـ. لكن ترتيبها في عداد الآثار على عهد الاحتلال الفرنسي لم يكن في 11 مارس 1911 بل كان بموجب ظهير للسلطان مولاي يوسف مؤرخ في 11 مارس 1924، موافق 05 شعبان 1342 هــ. وقد وقع قرار التصنيف المارشال ليوطي شخصيا. وتم نشر الظهير بالجريدة الرسمية عدد 599 بتاريخ 15 أبريل 1924، الصفحة 658. نرجو أن يتم نشر القصاصات رفقته المقتطعة من الجريدة الرسمية المعنية،
2- قصبة بولعوان لا تحيط بها أية حقول فلاحية ولا هي بنيت فوق أراض فلاحية، بل هي توجد فوق ربوة قاحلة أغلبها صخري ومحيطها قاحل. بينما توجد أسفلها بجنبات وادي أم الربيع قطع أرضية صغيرة لبعض الأشجار المثمرة،
3- قصبة بولعوان توجد على خط التماس بين دكالة والشاوية وليس بين إقليمي الجديدة وسيدي بنور، وهي تابعة لعمالة الجديدة ولا علاقة لها إداريا بعمالة سيدي بنور التي ادعى صاحبنا أنها أكدت له مزاعمه، مما يعني أن صاحب المقال لم يزر المعلمة ولم يتفحص خريطة المغرب والمنطقة،
4- قصبة بولعوان لا تحيط بها دواوير لأنها بعيدة عنها، با ستثناء دوار قرؤب قليلا يقع شمال القصبة،
5- قصبة بولعوان ليست معزولة “بدون مسالك طرقية”، بل هي موصولة بطريق معبدة إسفلتية، مهترئة لكنها جميلة بما أنها طريق غابوية، لكنها طريق غابوية متصلة بطريق رائعة مهيئة بكل تفان، من مدينة الجديدة إلى مقر جماعة بولعوان والقنطرة التي يُعبر منها إلى الضفة اليمنى للوادي وبلاد الشاوية، وقد تم ترميم هذه الطريق كاملة منذ أقل من 3 سنوات،
6- قصبة بولعوان لم يتهدم أي سور من أسوارها ولم يتهدم أبدا مسجدها، عكس ما يزعم صاحب المقال، وإن كنا نقر معه بالإهمال. بل إن المسجد كان قد تم ترميم سقفه منذ حوالي 40 سنة، وكان ترميما فاشلا بإدخال الإسمنت المسلح على السقف، وإن كان عملا مشكورا لأن لولاه لكان المسجد قد تهدم فعليا. كان حري بصاحبنا أن يتحدث عن خراب دار السلطان والمنزه والكوراسا، لكنه لم يزر القصبة ففاتته هذه الملاحظة القيمة والمثيرة لشهية النقد والانتقاد،
7- الوزير السابق سي محمد الأشعري لم ينقل اعتمادات بولعوان لترميم مدينة مكناس التي ليست هي مسقط رأسه ولا مدينة احتضانه، فالرجل زرهوني وسيظل زرهونيا متيما عاشقا لزرهون، حيا وميتا. لذلك يؤلمنا أن نقرأ مثل هذه الأقاويل التي يعج بها المغرب عن افتراء بنقل اعتمادات مدينة إلى مدينة أو من جماعة إلى جماعة. ونحن شخصيا من أشرس المنتقدين لتدبير الشأن العام بالمغرب قاطبة، وعلى جميع المستويات،
8- الاعتمادات التي خصصت لبولعوان، منذ عرفنا دكالة عام 1991 إلى يومه في يناير 2020، كانت كلها مشاريع نوايا ولم تتحق يوما كاعتمادات مالية مرصودة فعليا. وقد تعثرت كل مشاريع النيات الحسنة لكل عمال الإقليم وبعض وزراء الثقافة أو السياحة مثلا، وكانوا كلهم ينطلقون بنية حسنة، لكن مخططاتهم فشلت، لأسباب نجهلها،
9- الوزير سي محمد الأعرج لم يقُد مشروعا “لترميم الواحات” لأن الواحات لا ترمم. بل إن السيد الأعرج، في زيارة ميدانية إلى قصبة بولعوان بينما كان في رخصة قانونية لعطلة الصيف عبر، من داخل قصبة بولعوان ورفقة مسؤولين محليين ومنتخبين، عن نية رسمية علنية نُشرت بالصحافة عن عزمه تخصيص 1 مليار سنتيم لترميم قصبة بولعوان ثم أراد أن يضيف إليها 100 مليون سنتيم بمثابة منحة ترميم كان يعتزم تخصيصها لجمعية خريجي المعهد الوطني لعلوم لعلوم الآثار والتراث (بالرباط) والتي نحن اليوم نشغل مهمة نائب الرئيس في مكتبها، تبسيطا للمساطر لانطلاق الأشغال في أسرع وقت دون المساطر الإدارية التي ستؤخر مشروع المليار المخصص للمديرية الجهوية للثقافة بالبيضاء. وقد رافقنا شخصيا السيد الوزير في زيارته الميدانية التي أعلن فيها عن انطلاق مشروع ترميم بولعوان، وبعد أربعة أيام توجهنا إلى وزارة الثقافة وسلمنا مدير ديوانه والكاتب العام ومدير التراث الثقافي مشروع جمعيتنا للترميمات الجزئية بالأسوار التي عبر عنها الوزير. ومن دون شك كان مشروعنا هذا هو ما قال صاحب المقال أنه شاهده فوق مكتب مدير ديوان الوزير،
10- السيد الأعرج لم يخصص “30 مليون درهم” في شطر أول، ولو كان حصل ذلك لكنت شخصيا قضيت ثلاثين يوما دون نوم، من الفرح والغبطة. 3 ملايير هذه يا أخي، لإنقاذ قصبة أسميناها في كتاب لنا “قصبة بولعوان. بهاء العلويين”. كل ما في الأمر أن المليون درهم الذي كان الوزير سيخصصه لجمعية خريجي معهد الآثار للقيام بجزء من الترميمات الأولية يبدو أنه لم يَرُق لبعض الجهات داخل الوزارة أو خارجها فلم تستلم الجمعية أية فلس، فتحولت 100 مليون سنتيم إلى فقط 30 مليون سنتيم (300 ألف درهم) رُصدت إلى مصالح الثقافة بالجديدة قصد إغلاق الباب الشمالي للقصبة حتى لا تبقى معبرا لساكنة الدوار شمالي القصبة. وحسنا فعلت الساكنة بمنع إغلاق الباب وإرغام وقف الأشغال، لأننا شخصيا كنا ضد ذاك العمل الارتجالي وعبرنا عن ذلك في قلب وزارة الثقافة. وكان السيد الأعرج قد أعطى تعليمات لا لُبس فيها أن يتم التنسيق معنا شخصيا في مشروع ترميم بولعوان، وهو ما لم يتم للأسف عند مباشرة تلك الأشغال الارتجالية، بعد أن كان تنسيق السيدة المديرة الجهوية معنا قد بدأ لإعداد مشروع صفقة الدراسات الهندسية التي تسبق صفقة الترميمات،
11- لم تكن هناك اجتماعات بمقر عمالة الجديدة حول ترميم قصبة بولعوان. كل ما في الأمر أن السيد الأعرج الذي زار القصبة في فترة عطلته الصيفية، رافقه من باب البرتوكول والتقدير، السيد رئيس ديوان عامل إقليم الجديدة بتكليف رسمي من السيد العامل. وطبيعي أن تكون عمالة الجديدة أول من يصفق لمشروع إنقاذ تراث يوجد فوق مجالها الترابي، بل وتوفر له كل سبل التحقق والنجاح،
12- مشروع الأعرج لترميم قصبة بولعوان لم يتوقف لأن القصبة تقع فوق أرض فلاحية، بل لأن السيد الأعرج تم فصله من الحكومة، لأسباب غير مفهومة، قبل أن يوقع، مع كامل الأسف، على تحويل المليار سنتيم الذي كانت ستتكفل به مديرية الثقافة لجهة البيضاء – سطات،
13- من خلال تحرياتنا، يبدو أن صاحب المقال لم يتصل بمصالح عمالة الجديدة كما زعم في مقاله، لأن أي مسؤول من داخل العمالة لم يؤكد بتاتا صحة مزاعم كاتب مقال اندثار بولعوان، حتى لا نبالغ فنقول بأنهم يجهلون تماما صاحب المقال، هذا الشخص الغيور على بولعوان وعلى دكالة. أما وأن يكون قد اتصل بمصالح عمالة سيدي بنور فإنه يكون كمن سأل والي أكادير عن السجل التجاري لشواية بوادي أمليل من بلاد غياثة،
هذا من حيث الشكل والمضمون. أما من الناحية القانونية، فنقول للقراء الكرام والرأي العام الوطني والدولي مل يلي :
-1/ إن قصبة بولعوان مثلها مثل المدن العتيقة مكناس والرباط ومراكش وتزنيت وباريس وروما وبراغ وميونيخ ولشبونة، كلها بنيت فوق أراضي فلاحية كانت في زمن سابق ملكا للخواص. فهل يأتي أناس اليوم ليطالبوا بهدم هذه المدن المعالم بدعوى أن أجدادهم كانوا يحرثونها، بينما هم لا يتوفرون على أدنى وثيقة تثبت ذلك، جدلا،
-2/ إن القانون المغربي 22-80 الصادر الأمر بتنفيذه بمقتضى ظهير ملكي منشور بالجريدة الرسمية والمتعلق بحماية الآثار التاريخية والمواقع الأثرية والتحف المنقولة والمناظر، لا يترك مجالا لمثل هذه المزاعم غير القانونية . وبمجرد إدراج عقار أو منقول في عداد الآثار، فإنه يصبح حصريا تحت تصرف الدولة وحمايتها، في شخص السلطة الحكومية المكلفة بالثقافة، حتى ولو كان ذلك العقار ملكا للخواص، من قبيل الرياضات والبيوتات العتيقة أو الزوايا مثلا، أو حتى ولو كان هو مقر رئاسة الحكومة. ومن ثمة يلزم مالك العقار، شخصا كان أو سلطة حكومية، أن يطلب رخصة من وزارة الثقافة كلما رغب في إجراء إصلاحات وترميمات، أو إذا أراد بيع العقار. بل إن المشرع أعطى للدولة حق الشفعة إذا ما كان هناك بيع أو تفويت دون علم منها،
-3/ هل يمكن أن يصدق العقل أن يقوم الناس اليوم بالمطالبة باسترجاع أرض أخذتها الدولة منذ ثلاثة قرون بالطرق المعمول بها آنذاك، وفق الوضعية السياسية آنذاك، سواء كانت بواسطة الشراء والتوافق أو عن طريق التنقيل أو الطرد والترحيل التعسفي حتى. واليوم، في القانون المغربي (تجارة، عقار،،) نجد أن التصرف في عقار ما لمدة عشر سنوات كاملة تصبح معها حيازة العقار قانونية لمن يستغله ميدانيا وفعليا، ما لم تكن هناك عقود كراء أو رهن مثلا. لذلك ضاعت كثير من الأملاك من أهلها أو من يد ذوي الحقوق لأنها لم تكن مُحَفظة واستغلها أشخاص لأزيد من عشر سنوات بدون عقود رهن ولا كراء فبادروا إلى تسجيلها في أسمائهم في سجلات المحافظة العقارية.
ختاما، أضم صوتي إلى أخي صاحب المقال لأعبر عن أساي من تشتيت جهة دكالة-عبدة من جهة، ومن جهة أفظع وأمر، لأعبر عن امتعاضي من اندثار إسم دكالة من تسمية جهة البيضاء – سطات. ولذلك فأنا أيضا غاضب من أعيان دكالة.
ثم اعلموا أن قصبة بولعوان سيلحقها الترميم، في أمد قصير أو متوسط. ونحن لدينا مشروع مكتمل متكامل ليس فقط لترميم هياكل القصبة، بل لإعادة توظيف عدد من بناياتها، وكذلك لإحداث عدة مشاريع مُـهَــيْـكِلة حوالي القصبة لتأكيد أن التراث كان وسيظل دوما في قلب تنمية شاملة، ومندمجة، ومستديمة، ومحترمة للبيئة. يكفي أن يبادر القيمون على الشأن العام بسؤالنا فنجيبهم. كما علمنا مؤخرا أن الوكالة الحضرية الجديدة-سيدي بنور بصدد إعداد دراسة هامة بخصوص إنقاذ قصبة بولعوان. ولنا الثقة في أن وزير الثقافة الجديد لن يتخلى عن بولعوان.
لكن لا يمكنني إغلاق هذا المقال التعقيبي والتفصيلي دون أن أنصح الجميع بتوخي الدقة عند الكتابة، وبالغربلة عند القراءة والتلقي.
أبوالقاسم الشـــبري
باحث أثري
مدير مركز دراسات وأبحاث التراث المغربي البرتغالي (وزارة الثقافة)
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=43678