[highlight]قضية العربية المغربية «الدارجة» يطرحها أصحابها طرحا مغلوطا، و ذلك لغرض في نفس المستعمر المارشال ليوطي[/highlight]
كثر المدافعون عن المغربية الدارجة، لأن الفصحى لا تقوم بالمطلوب منها في التعاملات اليومية التي تلزمها الخفة و الروح و الارتجال. فما صحة هذه الأفكار، وكيف يمكن لنا أن نفهم ظواهر سياسية وثقافية عاشتها بعض دول المشرق العربي في الماضي و عدنا نعيشها نحن في بداية الألفية الثالثة في المغرب؟. لنفكر قليلا فيما يدور و يجري، متذكرين قولة المغاربة الشهيرة: «إذا كنت في المغرب فلا تستغرب!».
اللساني المغربي المعروف عبد القادر الفاسي الفهري قال في برنامج تلفزيوني إن الماريشال ليوطي، الحاكم العام للمغرب أثناء الاستعمار الفرنسي، هو أول من كتب دفاعا عن الدارجة بغية إحلالها محل الفصحى. و بعيدا عن نظرية المؤامرة سننصت لما يعتمل في أحشاء المجتمع اللغوي المغربي هذه الأيام. يقول عزيز ذكي، الناقد التشكيلي و أستاذ الفرنسية بجامعة الجديدة: «أعتبر اللغة الدارجة لغة مكتملة السيادة. فمن غير المنطقي أن نكتب بلغة لا تتطور كالفصحى. إننا كمغاربة نعيش في شيزوفرينيا، نحيا في لغة و نكتب بأخرى، ويمكننا أن ندرس بالدارجة الاقتصاد والمعلوماتية و الأدب و أن نبدع بها في المسلسلات التلفزيونية والسينما …» هذا الرأي لا يخص الأستاذ الناقد وحده، بل يشاركه فيه العديد من كتاب الفرنسية كيوسف أمين العلمي و غيره. بيد أن هذا الموقف يحتاج إلى تمحيص.
يقول اللساني عبد المجيد جحفة: «وسائل إعلامنا تتكلم العديد من اللغات. يتم هذا في إطار من الفوضى العارمة، و سوء الفهم و الخلط و السطحية. و قد تفاقمت هذه المشكلة بعد «تحرير القطاع السمعي البصري»، و الذي يمكن أن نسميه، فيما يخص الجانب اللغوي تحديدا، «تسييب القطاع» (من السيبة)». يضع جحفة أصبعه على مكمن الداء. فهذا الخطاب صار قويا في المغرب بعد أن دخل المجال السمعي البصري. و أصبحنا نرى ونسمع أصحاب هذه الإذاعات يفتخرون، و هم في الغالب من الفرنكوفونيين، بأنهم يتواصلون مع ملايين الجماهير المغربية. نقف هنا على كلمة السر: التواصل. بيد أن هذا التواصل يتم بماذا ؟ و بأي مضامين معرفية ؟ ثم يتوجه لمن؟ يسعفنا هنا الفاسي الفهري لتوضيح الواضحات: «إذا اكتفت العربية المغربية بالتواصل فهذا يعني أنها تتوجه للأميين. فاللغة لا يمكنها أن تكتفي بالتواصل، لأنها تتمتع بوظائف أخرى تجعل منها منظومة لغوية ذات مضامين فكرية و معرفية مختلفة». بهذا التوضيح نضع السؤال البدهي: «هل العربية المغربية لغة؟ لا. فلتصير كذلك يلزمها التاريخ، و الجسد و العلم، ثم المعارف.»
يضيف في هذا السياق عبد المجيد جحفة: «هناك أناس يدافعون عن العربية المغربية بالفرنسيةّ! لتحل محل العربية وليس محل الفرنسية؛ يدافعون عنها لتقوم بوظائف العربية. و الواقع أن الدارجة لا يمكن أن تقوم بوظائف العربية، نظرا لأن العربية مكتوبة و الدارجة شفوية، و ليس لها تمثيل كتابي. و هذا التمثيل الكتابي (أو الكتابة، وهي قواعد ولغة أيضا) هو الذي من شأنه أن يمكنها من لعب وظائف اللغات المكتوبة في الانتاج الثقافي عموما».
قضية العربية المغربية يطرحها أصحابها طرحا مغلوطا، و ذلك لغرض في نفس ليوطي. فهم يضعونها وجها لوجه مع اللغة العربية وينسون أن الدارجة وليدة العربية الفصحى. و في هذه المقابلة المغرضة تخرج اللغة الفرنسية كالشعرة من العجين، أي أنها تعامل كلغة وطنية و ليس لغة أجنبيةّ! و هذا هو العجب العجاب الذي جعل المغاربة يبتكرون جملتهم السحرية: «إذا كنت في المغرب، فلا تستغرب» غير أننا سنكسر هذا القانون ونستغرب. و نزيد استغرابا بتقديم مثال تلك الفنانة الأميركية إلينا التي استقرت منذ سنوات في طنجة ونصبت نفسها «مناضلة» من أجل الدارجة المغربية، فأسست دارا للنشر أطلقت عليها إسم «خبار بلادنا». و هو نفس الاسم الذي تحمله الجريدة المجانية التي تصدرها الدار وتتضمن أيضا صفحات بالأمازيغية الريفية و السوسية و الشلحة، و هدفها «تشجيع الرغبة في القراءة عند الناس العاديين وتعليمها إياهم بأسلوب سهل وممتع حتى يتمكنوا لاحقا من تعلم أي لغة أخرى». كما تعاونت إلينا برينتس مع كتاب مغاربة يكتبون بالفرنسية كالروائي يوسف أمين العلمي الذي أصدر عندها رواية «تقرقيب الناب» (ثرثرة) بالعربية المغربية. لكن هذه التجربة توقفت نهائيا بعد فشل صاحبتها في إدخال المغاربة العاديين إلى جنة القراءة والكتابة. ومعنى ذلك أن الإنسان الأمي لا يقرأ ولن ينتظر أن يقرأ له المتعلم «أخبار بلادنا»، لأن المتعلم يقرأ في الغالب الصحف المكتوبة بالعربية.
ولدت هذه الوضعية اللغوية الملتبسة مناخا غير صحي في علاقة المغاربة بلغتهم الوطنية، أي العربية. كيف؟ أصبح الجميع يرى أن الدارجة هي الحل. لماذا ؟ الله أعلم. فما لا يفهمه المروجون لهذه الأطروحة هو أن خيوط اللعبة ليست في أيديهم.
يقول جحفة: «إن ما يقوم بوظائف العربية هو الفرنسية: التنازع قائم بين العربية والفرنسية، والدارجة لا تدخل في هذا التنازع. و لكي يستقيم هذا الخطاب، الذي لا يرى أن الفرنسية لغة أجنبية، وجبت مهاجمة اللغة العربية، و بخاصة تعبيريتها ووظيفتها داخل المجتمع. وينسى هؤلاء المدافعون أن هذا التصور هو السبب فيما تعانيه اللغة العربية من نقص وعجز على عدة مستويات».
و انطلاقا من هذا التصور صرنا نرى المغنين الشباب الذين يتحدثون في الغالب بالفرنسية التواصلية والعربية المغربية، يهاجمون لغة الضاد باعتبارها لغة ميتة. كما أن هؤلاء الشباب الذين يغنون الراب و الريكى و موسيقى العالم، و الذين يصدرون ألبوماتهم بدعم مجلات ناطقة بالفرنسية تبنت هذه الأطروحة، لا يدركون خطورة المشروع الذين هم بصدد الإسهام فيه، لأن النقد الراديكالي المؤسس على الجهل و الأفكار الجاهزة قد يؤدي بالمغرب إلى الجدار. هذا الجدار الذي يبنيه بنشاط كتاب و مغنون وصحافيون و أناس عاديون، يعتقدون أن الحل هو الحرب الشاملة على الهوية المغربية. هذه الهوية التي تميزت منذ الأزل بتعدديتها وثرائها العربي الإسلامي والأمازيغي.
لذلك لا يفهم الكثير من المتتبعين لهذه القضية سياسة الحرب التي أعلنت على اللغة العربية عوض التفكير الرصين في حل إشكالية السياسة اللغوية في المغرب التي تتكامل فيها العربية الفصحى بالعربية المغربية, فأهل فاس لا يتكلمون كأهل الدار البيضاء و أهل وزّان حديثهم يختلف عن حديث أهل سلا. يدقق في هذا الأمر عبد المجيد جحفة مضيفا: «هناك جهل تام عند المدافعين عن العربية المغربية بالعديد من الأمور البديهية. وهي أمور ترتبط بالتمييز بين اللغة الوطنية واللغة الأجنبية، و بتعبيرية العربية المغربية و وظائفها، في مقابل تعبيرية العربية و وظائفها. يعتقد الكثير من الناس أنه يكفي أن نقرر وضع لغة مكان لغة أخرى لنحل مشاكل التواصل والتعبير التي قد تكون لغة معينة تعاني منها. والحال أن تبني لغة معينة يمر عبر إدراجها في التعليم، و هذا الأمر يتطلب عملا على بنية اللغة و استنباط النحو و تبني نظام للتمثيل الكتابي. و يتطلب الأمر، فوق كل هذا، إنتاجا إبداعيا وعلميا بهذه اللغة».
ربما لا تشعر النخبة الفرنكوفونية بجسامة هذا التصور الذي يهدف إلى القضاء على لغتها الوطنية. و أمام هذا الوضع المقلق للغة العربية التي لم تر أكاديميتها النور إلى حدود يومنا هذا رغم أنها من مقررات ميثاق التربية والتكوين الذي أعلنته أعلى سلطة في البلاد منذ سنوات، لا يسعنا إلا أن نستحضر أحد منظري الفرنكوفونية، وهو ميشال غيو الذي قال : “إذا كان الاشتراك في اللغة أساس كل تواصل، فإنه ينبغي جعل كل الوسائل الحديثة في خدمة هذا المجال (السمعي البصري). لقد ألححنا دائما على هذه النقطة: على الفرنكوفونية أن تحتل أكثر فأكثر الفضاء الإعلامي”. كلمة السر: أبعد العربية الفصحى و استعمل الدارجة في الفضاء الإعلامي، تفسح الطريق السيار لفرنسة المغرب و المغاربة. أي تكمل حلم الماريشال ليوطي الذي حققه نسبيا. هل تعلمون ما هي حكمة ما يحدث الآن في المغرب؟: «إذا كنت في المغرب، فلا تستغرب!». والله أعلم
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=2925