ازمور انفو24المتابعة:وفاء الاتوبي
يحل علينا شهر صوم رمضان الذى إعتبره الحق جل ثناؤه موسماً للطاعات , وعمل الخيرات , وفيه تتزايد الأفعال الطيبات , والأعمال الصالحات , وإلى البعد عن سيئ العبادات حيث يقول المولى جل علاه فى كتابه المبين “شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه” سورة البقرة , آية 185 (1) , لذا إختصه رب العالمين من بين الشهور الهجرية بهذه الخصوصية السامية إذ أنزل فيه هذا القرآن الكريم الذى يعرف بدستور المسلمين , وهو الدستور الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد . ولذلك , يحظى هذا الشهر المبارك على منزلة كبيرة فى نفوس الصائمين لما له من حريته , وميزته , وخصوصيته , فيقبلون ويضاعفون فيه على العمل الصالح فى ليله ونهاره , فى قيامه وصيامه من أجل مضاعفات الحسنات إذ فضل الله تعالى بعض الأيام على بعض , وبعض الشهور على بعض فى أزمنة محدودة حيث يأتى على قمة هذه الأشهر المباركة شهر صوم رمضان . ومن ثم , نعطى هنا نبذة مسهبة عن تعريف الصوم , ومتى فرض , وحكمة مشروعيته , والإلتزام بآدابه , والحفاظ عليها لتربية أنفسنا لترسيخ ذلك فى قلوبنا , وإذا حققنا هذا استقمنا فى تربيتنا على صراط الله المستقيم الذى يحثنا على طاعته , ومراقبته لنا , واليقين بأنه يعلم كل سر وما يخفى بنا حتى تتأصل فينا الإرادة الإيمانية , وتقوى الله تعالى .
*- تعريف الصوم
يعرف الصوم فى اللغة بالإمساك عن أى عمل حتى جاز أن يقال صام فلان عن الكلام أى سكت , وأمسك عن الحديث . ويعرف الصوم فى الشرع بالإمساك عن المأكل والمشرب . وعن شهوتى البطن والفرج . وعن سائر المفطرات من طلوع الفجر حتى غروب الشمس مع بقاء النية .
*- متى فرض الصوم ؟
فرض الحق تبارك وتعالى الصوم على عباده المسلمين فى شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة النبوية . وفرضه على الأمم السابقة من قبلنا . وجعله عبادة متميزة عن شتى العبادات الأخرى لأنه كف وإمتناع . بينما العبادات الأخرى أقوال , وأفعال , وبذل , وعطاء . وفريضة الصوم هذه الصوم مثبتة بالقرآن الكريم , وبالسنة النبوية المشرفة , وإجماع المسلمين . أما ثبوته بالكتاب , يقول أصدق الصادقين جل شأنه فى قرآنه الكريم “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ” سورة البقرة , آية 183 (2) , أما ثبوته فى السنة النبوية فيتجلى ذلك فى أحاديث كثيرة منها : ما رواه البخارى ومسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “إن الإسلام بنى على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله , وأن محمداً رسول الله , وإقام الصلاة , وإيتاء الزكاة , وصوم رمضان , وحج البيت” وهذا يدل على أن صوم رمضان ركن من أركان الإسلام. وقد ثبت إجماع المسلمين على فرض صوم رمضان من لدن رسول الله إلى عصرنا هذا فكان ذلك إجماعاً على فريضة صوم رمضان .
-(2)-
ويثبت هلال شهر رمضان برؤية جماعية له فإن لم يتيسر ذلك ثبت برؤية جماعة له , فإن لم يتيسر ذلك ثبت برؤية جماعة له , فإن لم يتيسر ذلك ثبت برؤية شخصين عدلين له , فإن لم يتيسر ذلك , ورآه شخص واحد عدل أخذ بقوله عند جمهور العلماء , وصام المسلمون بناء على شهادته بأنه رآه . وقال صاحب كتاب “نور الإيضاح من الأحناف يثبت رمضان بالرؤية , فإن عم الهلال أى إختفى فكان شعبان ثلاثين يوماً . ولذلك , إنه صلى الله عليه وسلم قال “صوموا لرؤيته , وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوماً” رواه الشيخان . (3) .
*- حكمة مشروعيته
تكمن حكمة مشروعية هذا الصوم فى نيل الصائمين منه على درجة التقوى التى هى أعظم درجاته منزلة , وأعلاها قدراً , وأرفعها شأناً , وأعظمها مرتبة . وبذلك يكون هؤلاء الصائمون ممن رضى الله عنهم , ورضوا عنه . ويظهر هذا فى قوله تعالى “لعلكم تتقون” فهذه التقوى هى ثمرة العبادة الصادقة , والطاعة الخالصة لكونها مقصد كل عبادة , حركاته وسكناته , أقواله وأفعاله حتى تشع فى جوانب النفس الأنوار الإلهية , وتترادف عليها الإمدادات الربانية . وتكمن مشروعية هذا الصوم أيضاً فى تربية نفوس هؤلاء الصائمون على الإستقامة , والصفاء , ويساعد قلوبهم على التطهر والنقاء .
ويربى أيضاً فيهم قوة الإرادة , وصدق العزيمة الحقة , وتحمل الآلام , والمصاعب . والتأدب النفسى , وتقوية البدن , واكتساب الصحة , والتذكير الفعلى بجوع الجائعين , وحرمان المحرومين , وبؤس البائسين , وفى التسليم للحق جل ثناؤه بكمال العبودية التامة له . كما تكمن حكمة هذا الصوم كذلك فى جعل هؤلاء الصائمون فى كل أنحاء الدنيا من مشارقها إلى مغاربها يتحولون فى شهر رمضان إلى أسرة واحدة يتناولون طعامهم فى وقت واحد , ويؤدون شعائرهم الدينية فى وقت واحد .
*- الإلتزام بآدابه :-
حتى نربى أنفسنا نحن الصائمين على صوم رمضان , علينا أن نلتزم بآدابه قولاً وفعلاً . وهذه الآداب هى التالية :
1- كف جميع الأعضاء عن المحرمات . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “رب صائم حظه من صومه الجوع , والعطش , ورب قائم حظه من قيامه السهر” رواه الطبرانى بسند حسن . وسر هذا أن التقرب إلى الله بترك المباحات لا يكتمل إلا بعد التقرب إليه بترك المحرمات . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “يقول الله عز وجل : من لم يصم جوارحه عن محارمى فلا حاجة أن يدع طعامه وشرابه من أجلى” رواه أبو نعيم (4) .
2- غض البصر عن الحرام , وعن كل ما يشغل القلب , ويلهى عن ذكر الله تعالى .
3- حفظ اللسان عن كل لغو وهذيان , وخصومة وغيبة ونميمة , وكذب , وقول الزور , والزامه السكوت , وشغله بذكر رب العالمين , وتلاوة القرآن الكريم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الصيام جنة ما لم يخرقها . قيل: بما يخرقها ؟ قال: بكذب أو غيبة ” رواه النسائى بإسناد حسن وابن خزيمة والطبراني (5) .
4- كف بقية الجوارح من الآثام . وكف البطن عن أكل الشبهات وقت الإفطار . فلا معنى للصوم عن الطعام الحلال , ثم الإفطار على الحرام . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش” رواه النسائى وابن ماجة (6) .
-(3)-
5- ضرورة تعجيل الفطر وتأخير السحور . كان صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلى على رطبات , فإن لم يكن فتمرات , فإن لم تكن حسا حسوات من ماء ” رواه أبو داود والترمذى وقال : حسن صحيح . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “قال الله عز وجل : إن أحب عبادى إلى أعجلهم فطراً ” رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والترمذى وحسنه.وقال أيضاً رسول الله صلى الله عليه وسلم”تسحروا فإن فى السحور بركة” رواه الشيخان (7)
6- الدعاء عند الفطر . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “للصائم عند فطرة دعوة مستجابة” رواه النسائى . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر “بسم الله , اللهم لك صمت , وعلى رزقك أفطرت , فتقبل منى إنك أنت السميع العليم” رواه النسائى . “ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله” رواه أبو داود والنسائى (8) .
7- ضرورة المواظبة على صلاة التراويح . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكر رمضان بفضله على الشهور “من قام رمضان إيماناً وإحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه” رواه النسائى (9) .
8- الجود فى رمضان , وختم القرآن , ولو مرة فى هذا الشهر إقتداء بعمل الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه . روى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس , وكان أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل , وكان يلقاه فى كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن . فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة ” . وقال أيضاًَ رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله جواد يحب الجود , كريم يحب الكرم” رواه الترمذى . (10) .
9- ضرورة تجديد التوبة إلى الله تعالى , والمداومة على الإستغفار , ومن الإجتهاد فى العبادة خصوصاً فى العشر الأواخر من رمضان , والإعتكاف فيها لكون هذا الإعتكاف يربى جوارحنا على العبودية لله تعالى وحده .
الخاتمة :
يتبين لنا من كل ما أشير إليه متقدماً إلي أن تربية نفوسنا علي صوم رمضان إنما هي لكف جوارحنا , وأنظارنا عن كل المحرمات , وعن كل الآثام , وإرتباط عقولنا بقلوبنا إنما هو لترسيخ إرادتنا الإيمانية , وتحقيق تقوى الله تعالى التى تعد غاية صومنا وأساس إصلاح شأننا , وشأن بناء محيط بيئتنا الداخلية والخارجية . وبالتالى , ينبغى علينا نحن الصائمون فى شتى أرجاء العالم أن نغتنم صوم هذا الشهر الكريم , وأن نربى أنفسنا على ما أشير إليه آنفاً , وأن نكثر من أعمال البر , وفعل الطاعات , والتنافس إلى فعل الخيرات , وأن نكثر أيضاً من تلاوتنا للقرآن , وذلك بتدبر , وحكمة , وأن نكثر كذلك من الصلاة والتسليم على الهادى البشير محمد صلوات الله وسلامه عليه حتى يغفر الله عز وجل ذنوبنا ويقبل صومنا .
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=22660