يكتبها عبد العظيم حمزاوي
الخدمات العامة ضعيفة و متدنية في العديد من الجماعات القروية بتراب إقليم الجديدة
تعاني الخدمات العامة الضعيفة في العديد من الجماعات القروية بتراب إقليم الجديدة
إضافة إلى مؤشرات التنمية البشرية المتدنية بالفعل، ضغوطاً مستمرة جرّاء استشراء الفساد داخل الإدارات العمومية. علما أن الفساد يضعف الحكمة الرشيدة و يدفع بأعداد متزايدة من سكان المناطق القروية في براثن الفقر و الهجرة إلى المدن.
و تعليقاً على هذا الوضع، إذا أردنا أن نرى أثر الفساد على الجانب الإنساني في مناطقنا … فعلينا أن ننظر إلى الأطفال الذين يقطعون أميالاً إلى مدارسهم سيراً على الأقدام طيلة السنوات الدراسية لعدم توفر نظم للنقل العمومي الرسمي، و إلى النساء و الأمهات اللائي يلدن و يتوفين نظراً لعدم وجود المعدات الأساسية في المستوصفات أو الأخصائيين و الممرضين و الممرضات المولدات المؤهلين ان وجدت تلك المستوصفات . كما أننا ندرك أن الكثير من المداشر لا يستطيعون الحصول على المياه الصالحة للشرب .
من بين الأشكال الأكثر شيوعاً للفساد داخل الجماعات القروية، الرشوة، و تزوير الانتخابات، و صفقات العقود المشبوهة مع الشركات العاملة في قطاع الموارد الطبيعية، ناهيك عن تحويلات الأموال غير المشروعة إلى خارج المنطقة و خارج الوطن .
و على الرغم من أن المنطقة تضم 10 بالمائة فقط من إجمالي سكان الحواضر لمجموع سكان ، إلا أنها تتحمل 24 بالمائة من العبء الجهوي للأمراض. كما أنها تنوء بعبء أمراض ثقيلة مثل داء السل و الأمراض المزمنة ، في الوقت الذي تفتقر فيه إلى الموارد اللازمة لتوفير الخدمات الصحية الأساسية، و ذلك وفقاً لمؤسسة التمويل الوطنية.
لا شك أن الفساد يؤثر على التنمية التقليدية و التنمية المستدامة في مجموع تراب الإقليم، و ما من شك في أنه يؤثر في أغلب الأحيان على الفئات الأفقر والأضعف في المجتمع، كما أن ما يقرب من نصف الوفيات في المدن من الأطفال ممن هم دون سن الخامسة تحدث في البوادي، التي يوجد بها أيضاً أعلى معدل للوفيات النفاسية بمعنى أثناء الولادة و بعدها. و أن الآباء يضطرون في بعض الأحيان لدفع رشاوى لإلحاق أطفالهم بالمدارس و الدخليات و الحصول على منح مدرسية ، و أنه لا شك أن الفساد يؤثر على التنمية التقليدية والتنمية المستدامة في و البوادي و ضواحي المدن ، و ما من شك في أنه يؤثر في أغلب الأحيان على الفئات الأفقر و الأضعف في المجتمع.
و من الناحية الاقتصادية، عندما يتم تهريب ملايين الملايين كل عام بسبب الفساد، فإن تأثر ذلك على المجتمع يعتبر مدمراً….إنه يضعف النمو والتنمية ورفاه السكان عموما بشكل كبير.
و تعج العديد من الحملات السياسية داخل المدن و خارجها بالعلم القروي بإدعاءات المخالفات و الممارسات الخاطئة. و في هذا الصدد أن الأمر لا يقتصر فقط على كون الانتخابات عُرضة للفساد في صورة تزوير الأصوات و رصد الاحتيال، بل بالطريقة التي تصبح بها نخبنا السياسية راسخة ومتحصنة دوما على كراسي السلطة التشريعية.
و أن الفساد بأشكاله و أصنافه المتعددة يخلق و سيلة لإدامة القابعين تحت قبة المجالس الجماعية و البرلمانية، و إحدى الطرق التي تديم المترشحين هي شراء الأصوات و الدمم، و هذه تؤثر فعلياً على جودة الديمقراطية التي رسمها عاهل البلاد محمد السادس نصره الله منذ اعتلائه عرش أسلافه المنعمين، مع الإشارة إلى أن النخب التي يُنظر إليها على أنها فاسدة لا تحظى بثقة أفراد الساكنة و الناخبين، الذين غالباً ما تتعرض أصواتهم للإسكات أو التجاهل عند انتقاد الفساد.
و نظراً لأن الفقراء و المحتاجين يعتمدون بشكل أكثر من غيرهم على الخدمات العامة، فإنهم ينفقون أضخم نسبة من دخلهم على دفع رشاوي للمسؤولين و حتى لمديري المدارس و المؤسسات العمومية و الغير العمومية ، و من ثم فإن الفساد يدفع الفئات الأكثر ضعفاً إلى الفقر و الانحلال الأسري و الخلقي . ففي تراب العلم القروي التابع لإقليم الجديدة، يعتقد 90 بالمائة من السكان أن الإدارة بمختلف تصنيفاتها فاسدة و فاقدة لمصداقيتها، و في المدن تصل هذا النسبة إلى 70 بالمائة.
و على الرغم من الجهود المبذولة لزيادة الشفافية و المساءلة في جميع أنحاء البلاد، فإن الحرب ضد الفساد على مستوى الإقليم آخذة في التراجع خلال السنوات الأخيرة ، وفقاً لمؤشرات صدرت عن بعض المنظمات المناهضة للفساد الإداري و الرشوة. و باستثناء، سجلت أدنى نسبة مئوية في مكافحة الفساد في جميع أنحاء الجهة.
و أن “تعيين موظفين في الخدمات بالجماعات المحلية على أساس المحسوبية أو الرشوة، بدلاً من الجدارة والكفاءة، يخلق مشكلات كبيرة… و المشكلات الناجمة لا تقتصر فقط على توفر فرص عمل أو شغل أقل لأولئك الذين يستحقونها، بل تقويض سيادة القانون وعرقلة النمو الاقتصادي”.
و غالباً ما تؤدي الأحكام القضائية بحكم ضعيف إلى إضعاف الأجهزة الأمنية و المجهودات الأمنية، الأمر الذي قد يؤدي إلى زيادة نسب الجريمة المنظمة المحلية، بما في ذلك الدعارة و مشتقاتها والاتجار بالمخدرات و مصنفاتها. كما يمكن أن يقود أيضاً إلى تقويض حقوق الإنسان. و في هذا الإطار، أن السبب في كثير من الأحيان هو الفشل في أن تكون الحراسة على مواردنا الطبيعية ، و من ذلك عدم السماح بحدوث عمليات تسرب في داخل و خارج الاقتصاد الإقليمي .
لكي تنجح الحكومة في مكافحة الفساد، يجب عليها أولاً أن تدرك أن الفساد مشكلة حقيقية. و يجب على الحكومة التأكد من أن الهياكل الوطنية المُكلفة بمكافحة الفساد تتمتع بموارد جيدة، و أن لدى الموظفين القدرة على القيام بعملهم بطريقة مستقلة، دون تدخل سياسي، و أن عليها أيضاً أن تضمن وجود إطار قانوني ملائم، يتسق و المعايير الإقليمية و الدولية المعنية بمكافحة الفساد، و أن تقوم بتثقيف المواطنين العاديين، و تعمل على تعزيز النزاهة على المستوى الفردي، أن هذا يمكن أن يتم من خلال إنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد ناجعة، و منح استقلال سياسي للقضاة من جهتها، و أنه يمكن لجمعيات المجتمع المدني و المنظمات غير الحكومية أن تساعد و تساهم في وضع مدونات لقواعد السلوك و تعزيز النزاهة، و الدعوة إلى تشريعات مناسبة و تبنيها، و كذلك تدريب أجهزة مكافحة الفساد.
و في هذا السياق أيضاً، يجب أن يتم تمكين المواطنين للتنديد بالفساد والتماس سبل الإنصاف حال وقوعهم ضحايا للفساد، و يمكن إعداد ميزانيات أكثر شفافية عن طريق إشراك المواطن في مراقبة الإنفاق العام، علما أن الشفافية هي عامل مهم في بناء حكومات ديمقراطية تخضع للمساءلة أمام شعوبها…نعتقد أن هذا ما نحتاج إليه لوقف تدفق الأموال غير المشروعة والقضاء على هذا الفساد.
من جهة أخرى إذا استطعنا خفض حجم الأموال التي نفقدها في الوقت الحالي بسبب الفساد بنحو 50 بالمائة فقط، فسوف نوفر الأموال اللازمة لإنجاز أمور مثل إحراز تقدم في التعليم و تحسين شبكات الطرق القروية و توفير مستشفيات بالعلم القروي… و بهذه الطريقة، يمكن أن نضمن عودة أطفالنا إلى المدارس و معاهد التأهيل المهني، و الحفاظ على نظم الرعاية الاجتماعية و التأكد من أن نظم الرعاية الصحية تعمل بشكل سليم و بنزاهة.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=4288
