أزمور أنفو 24 : الكاتب عبالواحد سعادي .
مغربنا هو نصوص لثلاثة أجيال من المثقفين ، جيل الخمسينات الذي ارتبط بإشكالية الاستقلال واستعادة الهوية ، وجيل السبعينات الذي انشغل بقضايا الدولة الحديثة والتقدم ، والجيل الذي اقترن تحركه الفكري في التسعينات بمسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان .
فأسلوب الرؤية وطريقة المعالجة ، وطبيعة اللغة ، تختلف من جيل إلى آخر ، والجميع يلتقي حول القضية الوطنية المركزية التي تتمثل في الإصلاح ، والنهضة والحداثة .
فداخل التبادلات الاجتماعية لا نعثر على شخص أو فاعل أكثر اتهاما من المثقف ، إذ راكم كل النعوت والتصنيفات ، ومورست عليه كل أنواع الحصارات والمحظورات ، وخضع لكل أصناف الإغراءات ، لدرجة جعلت من موقعه الاجتماعي موقعا يتميز دوما بالمفارقة ، فالمثقف في كل الأزمان والمجتمعات له وجود خصوصي داخل التقسيم الاجتماعي ، فإما أن يكون منخرطا في إرادة للقوة يقبل فيها هو بإلغاء ذاتيته ليصير عضوا ينطق برموز هذه الإرادة ، وإما أن يدخل في علائق صراعية ضد السيطرة والاستبداد من أجل نشدان الحرية والعدل ، إنه الكائن المغضوب عليه حين وضعه للسلطة موضع سؤال ، ذلك ما حاول المفكر محمد عابد الجابري معالجته في كتاب ” المثقفون في الحضارة العربية محنة إبن حنبل ونكبة إبن رشد ” التي لا يكف هذا المفكر العملاق عن الدعوة إليها ، وقبله بسنتين كتاب ” المسألة الثقافية بالمعنى العربي للكلمة ” قصد إعادة بناء منظور يخرج من جوف الأمة ومن رصيدها المعرفي ورأسمالها الرمزي ، فمن هو المثقف إذن ؟
يعرفه عابد الجابري : بالمثقف شخص يفكر بصورة أو بأخرى ، مباشرة أو لا مباشرة ، انطلاقا من تفكير مثقف سابق ، يستوحيه ، يسير على منواله ، يكرره ، يعارضه ، يتجاوزه ،… والتفكير تفكير في موضوع ، والموضوع إما أفكار وإما معطيات الواقع الطبيعي أو الاقتصادي أو الاجتماعي .
أما النخبة الوطنية فمنذ بداية القرن العشرين وهي تعمل على اقتراح صيغ لكي يتصالح المغرب مع ذاته ومع العالم من خلال إعادة بناء هوية وطنية قادرة على التفاعل مع الزمن المعاصر ، وإقامة مؤسسات سياسية واقتصادية وثقافية تستجيب للحركة الفعلية للمجتمع المغربي في تعبيراته المتنوعة ، وبصيغ متنوعة تدعو إلى نوع من المصالحة المزدوجة ، بين المغرب وذاته والعالم ، وبين الثقافة والسياسة ، لهذا السبب كان لابد من الحديث عن الموقع الإشكالي للمثقف والثقافة ، فإذا كان هناك غموض يلف خطاب المثقفين عن المثقف المغربي المحاصر ، فمرد ذلك إلى الالتباسات الفكرية والسياسية التي تحيط بالمسألة الثقافية .
فمعرفة السلطة أصبح معها المثقف موضع اتهام وهجوم من كل جانب ، فالمثقفون لهم في كل الأحوال موقع ووظيفة ، هم الذين يشغلون فكرهم داخل حقول الإبداع وإنتاج المعرفة ، يجهرون بالرأي ، ويلتزمون بقضية ، وإذا كانت هذه المواصفات قد ارتبطت بظهور المثقف العصري أو بفئة الانتلجنسيا أو بمفهوم النخبة الثقافية التي ما زالت المؤسسات السياسية والاجتماعية تنزعج من اجتهاداتها ونصوصها .
إن الزمن العالمي يفترض في كل زمن يرى في نفسه شروط الانتماء إلى هذه الفئة أن يمارس دوره الطبيعي بدون هوادة ، والمتمثل في التفكير والفهم ، والاشتغال على الأطر الملائمة للتواصل والتأثير خصوصا في مجتمع ما يزال في حاجة إلى بذل مجهودات جبارة على صعيد التربية والتعليم ونشر المعرفة ، الوعي بالواقع وبالزمن وبأحوال الانسان وفهم الحاجات الوجودية لتحقيق هويته المتعددة في التاريخ المتجذر في المكان المفتوح على آفاق الحياة .
هذه هي الشروط التي لايكف المثقف المغربي على إبرازها والانشغال بأبعادها حسب تطور الظرفيات والإكراهات ، ومهما قيل في حقه فإنه عمل على تسجيل توقيعه المميز في سيرورة الثقافة في المغرب المعاصر وأوجد لذاته قدرة لافتة عن نسج نصوص ترقى إلى مستوى عال من الفهم والنظر والتأمل بجذارة فكرية انتصر من خلالها على المعوقات المتنوعة التي تعترض سبيل الاجتهاد الفكري في المغرب وعلى المشاكل المزيفة التي ما تنفك تخلقها الأطر الاجتماعية والسياسية المرهونة بثقل التقليد حتى ولو رفعت بشعارات الحداثة والانفتاح والتقدم .
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=16216