في الطائرة جلست ذات يوم أثناء سفري خارج الوطن في رحلة عمل و صدفة جلست بجانب مسافر خليجي فدار بيننا حديث و حوار … و ما أطال استغرابي هو حين أخذ يحكي و يقول قبل أن يعلم أني مغربي مسلم :
“هربت الخادمة …!
ما إن قلـبّت جواز سفر الخادمة الأفريقية بين يديّ ، حتى لمحت به ختماً لسفارة بلادي يقول ( الإعدام عقوبة تهريب المخدرات ) ، أي إن بلادنا ستعاقب بالإعدام كل من تسول له نفسه تهريب أي مخدرات إلينا ، و هذا عمل يشكر عليه المسؤولين لحماية شبابنا من المخدرات ، لكن تمنيت أن يوضع ختم آخر بجانبه ، ويكتب فيه ( السجن عقوبة الهاربين و الشاردين ) .
يصرف معظم السعوديون ( الطبقة الكادحة ) ما ورائهم و أمامهم من أجل الحصول على مدبرة منزل ( خادمة ) ، و خاصة العوائل التي لديها ضروف صعبة ببلادها، سواء اجتماعية أو صحية أو ظروف عمل … فنوقع استمارة عقد العمل مع المكتب المنسق بأن الخادمة ستكون موظفة منزل ، أو مديرة منزل ، و إنها ستعامل كعضو من العائلة ، و إنها ستأكل مما نأكل ، و تسكن معنا ببيت واحد ، و تركب سيارة العائلة .
و بعد جهد جهيد ، وفتح جيب جديد ، تصل الخادمة و تمضي ثلاثة أشهر من التدريب و التكسير ، ثم يقع المواطن بين أمرين كلاهما مُـر … فأما ترفض العمل بأي حجة أو تهرب وكأنها فص ملح و ذاب كما يقال ! .. فجل الخادمات يعرفن تاريخ اليوم الميلادي بالدقة الذي يحق لهن فيه رفض العمل ، أو البكاء والتحايل على الكفيل بأنها تريد العودة لأبناءها ، وهو نفاذ ضمان الثلاثة أشهر ، فتنفذن معظمهن الخطة ، وتطبق ماخطط له مسبقاً مع عصابة الخادمات بوطنها ، فتسفر، و تعود لبلادها ، و يرجع لها المبلغ الذي سلمته لمكتب الخادمات بدولتهم كضمان صبرها لثلاثة أشهر ، فتحصل على العمولة ، و بجيـبها ثلاثة رواتب ، بالإضافة إلي ما سرقته من ذهب وحاجيات مهمة من عائلة كفيلها المغبون .. أما بحالة الهروب ، فما عليك أيها المواطن إلا أن تبلغ مكتب الخادمات الهاربات الحكومي ، وأرجع نام في بيتكم وأضرب يد بيد، و كأنك فقدت قطة شيرازية ! و ربما القطة أعظم.
من سيعوض خسارتنا المادية التي جمعناها بالحبة وضاعت بالدبة ؟ و من سيساعد الأم العجوز ، أو الزوجة المريضة المضطرة ، أو يجلس مع أبناء الزوجة الموظفة ؟ و من الكثير من علامات الإستفهام التي تطرق بيوتنا و عقولنا ، وا لمصيبة إن بعض البيوت تتفاجئ بعد فترة زمنية باتصال مفاجئ من الخادمة ، وكأنها رسالة شماتة الانتصار ، بأنها وصلت بلادها أو إنها تعمل لدى عائلة أخرى ، وأضرب راسك بالحيط إذا يعجبك الوضع !
رجاء كل الرجاء من المسؤولين وأصحاب القرار ، نريد عقوبات رادعة تضبط النظام مع الخادمات الشاردات والهاربات ، فمن أمن العقاب أساء الأدب ، و بصراحة لقد بلغت قلة أدب الخادمات معنا حد الزبى ! ، وليبدأ العقاب من الخادمة نفسها بوضعها أمام نص القانون قبل أن تنتهكه ، و لنعمل بقانون البصمة الإلكترونية في كل مكان ، و لتعرف إنها لو هربت و مسكت ستوضع بالسجن لمدة سنة مثلاً مع الغرامة المادية ، و كذلك عقوبة كل مواطن و مقيم يأوي أ ويتستر على خادمة هاربة أو شاردة ، أو يستغلها في قضايا تجارية أو إباحية ، و إنه سيلقى جزاءه بالسجن و الغرامة المادية و التسفير و الحرمان من تأشيرة خادمة مستقبلاً ، و لا ننسى تمديد ضمان الاستبدال إلي ستة أشهر بدلاً من ثلاثة .
مع الأسف إن الأخبار تقول ، إن بكل مدينة سعودية كثير من المواطنات المخالفات يأوين مجموعة من الخادمات في بيوتهن و أوكارهن ، ومعظمهن هاربات و شاردات، و يتم التجارة بهن بالساعة للعمل بالبيوت ، و خاصة في شهر رمضان ، و الإجازة الأسبوعية ، أو ربما التجارة بلحومهن ، و لو تم الإمساك بإحداهن ستنكر ذلك ، بأنه لا دليل على المخالفة ، و ستدعي المخالفة إن الخادمة هاربة و طرقت الباب … و على فكرة ، يتم إعطاء الخادمات الجدد أرقام اتصال لتلك العصابات الموجودة بالسعودية ، و قد أعطيت فكرة عن الوضع و ما هي ردة فعل القانون هنا ، وإن السعوديين شعب طيب و خلوق و مسالم ، فأجمعي ماشئت من الأموال ، و إذا قبضوا عليك ، فقط توقيف لمدة شهر بمبنى جميل فندقي، و أشرس ما سيعملون هو إنهم سيستبدلون كبسة الغداء الرز بخاري ببرياني حار ، و يتم تسفيرك بطائرة مريحة مع وجبة و منديل معطر .. و النهاية المواطن المخذول المسكين هو الخاسر في آخر المطاف … و كأني بلسان حال الخادمة و هي عائدة لوطنها يقول : الحسابة بتحسب و ما أحد حايشك بأرض النفط. “
وحين انتهى من الحكي قمت من مقعدي وقلت بصوت مرتفع …الغربال لا يخفي أشعة الشمس و أن الشجرة لا تخفي الغابة و قصدت باب الطائرة دون أن ألتفت إليه حيث أشعرته أنه يزيف الحقيقة…و يخفي الحقيقة…لأن استغلال الخادمات أصبح شغل شاغل المنظمات الحقوقية النسائية و أن الغطاء انكشف …و الواقع المر الذي تتخبط فيه المرأة المستغلة من طرف مشغلها انكشف ..
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=3858