أزمور أنفو24 المتابعة
علماء المسلمين الأوائل استخدموا لفظ ″ العقيدة ″ للدلالة على المفاهيم المنبثقة من نصوص الوحي التي يشكل مجموعها تصور المسلم الكلي للوجود ،ولم يتطور مفهوم العقيدة ويأخذ المعنى المستخدم اليوم إلا في فترة متقدمة من تطور الفكر الاسلامي ،ويمكن اعادة بداية تبلور هذا المفهوم رغم صعوبة تحديد فترتها التاريخية الى منتصف القرن الثامن الهجري،حيث بدأت تبرز مؤلفات توظف مصطلح العقيدة لاعطاء تصور كلي للوجود مستمد من الكتاب والحديث،أهمها كتاب شرح ″ العقيدة الطحاوية ″ لمؤلفه علي بن ابي العز الأذرعي وكتاب شرح ″ العقائد النفسية ″ للتفتازاني.
لفظ ″ العقيدة ″ مشتق لغويا من كلمة ″ عقد ″ أي ربط وأحكم الوثائق ، فهي تفيد التصديق والتيقين والجزم ،فالمعتقد متيقن من صدق تصوراته وانطباقها على الواقع انطباقا لا يدع مجالا للظن او الشك، وبهذا تتميز العقائد عن المعارف النظرية.
لا يستخدم القرآن الكريم في معرض الحديث عن تيقن الانسان بصدق تعاليم السماء كلمتي ″ اعتقد ″ و ″ عقيدة ″ ، بل كلمتي ″ آمن ″ و ″ إيمان ″ فيشير الى تصديق الانسان للمعارف المنزلة من السماء عبر الرسل المصطفين بلفظ ″ الإيمان ″ فيخبرنا الله تعالى أنه أرسل وأنزل الكتب ليهدي الناس الى الحق بعد أن اختلفوا فيه، وليخرجهم الى النور بعد أن تاهوا في ظلمة الجهل .
وتتحدد مقومات الايمان كما تعرضها نصوص الكتاب في خمس: الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتضيف نصوص الحديث مقوما سادسا الى مقومات الايمان.
فتشترط الايمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى،كما ورد في حديث جبريل عليه السلام إذ سأل رسول الله عن الايمان فأجاب ″ أن تومن بالله وملائكته ةكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره″.
والتصديق بالكتاب يستدعي قبول ما جاء فيه من قضايا وأحكام الاحكام الشرعية التي يتضمنها من صلاة وصيام وجهاد وغير ذلك من الاحكام والعمل بها، كما يستدعي قبول غاية خلق الانسان كما بينها القرآن وقبول صفات الخالق من علم وقدرة وعدل وغيرها من الصفات الإلهية التي حددها الكتاب.
العقيدة إذن مرتبطة بالحياة العملية للفرد والمجتمع وهي منظومة من التصورات الهادفة الى التأثير في الفعل الانساني، من خلال مجموعة القيم والمبادئ والاحكام التي تنبثق من هذه التصورات وترتكز عليها.
وإذا كانت العقيدة الاسلامية هي مجموعة من المفاهيم والتصورات المستنبطة عبر جهد اجتهادي من مصادر الوحي ،فلا يصح اعتبارها مكافئة في محتواها المعرفي للتصور الكلي الثاوي في نصوص الوحي بل يجب النظر اليها على أنها مقاربة للتصور الاسلامي الكلي للوجود ،قابلة للتطور والتعديل والتصحيح والتدقيق، لقد أدرك علماء الكلام الأوائل أن الاجتهاد الفكري المبذول لتحديد أسس العقيدة الاسلامية لا يرقى الى مستوى التصور الثاوي في نصوص الوحي ،فنسبوا العقيدة لا الى القرآن أو الاسلام بل الى المجتهد الذي حدد أسس العقيدة وفضل مسائلتها ،ومن هنا نسبت المنظومات العقيدة المتحصلة من اجتهاد علماء السلف إليهم فدونت ″ العقيدة الطحاوية″ و ″العقيدة الواسطية″ و ″ العقيدة النفسية ″ وغيرها.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=8864