هل عالجنا كل القضايا حتى لم يبق سوى الحديث عن الهاتف المحمول في المساجد؟
فمتى ستعمم وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية بالمغرب خدمة التشويش على الهواتف المحمولة في مساجد البلاد؟
مع الإنتشار الهائل للهواتف الخلوية أو النقال الذي تجاوز ملايين المغاربة مستخدميه و مستعمليه مؤخراً و أصبح إستعماله غير مقتصرا على فيئة إجتماعية دون أخرى ، أصبحت الهواتف النقالة سمةً من سمات الحياة في بلادنا و لكن و للأسف هذا الإنتشار صاحتبه تجاوزات أدبية و اجتماعية و أخلاقية يتراوح تأثيرها بين تجاوز الممنوع المطلق و المقيد و إزعاج الآخرين و تخطي الأعراف الإجتماعية و اللياقة أثناء اجتماع الناس في الحفلات أو المناسبات الإجتماعية. أو المآثم.
تجاوزت المطالبة بحلول لإسكات الهواتف الجوالة للحيطة من كوارث داخل محطات البنزين لتصل إلى الأفراد الذين يطالبون بإيقاف إزعاج الهواتف في المساجد و بمنع استخدامها أثناء قيادة السارات و المركبات ذات محرك. و عدم الرد على مكالمة لن يقتلك و لكن إستعماله أثناء السياقة قد يفعل هذا . …لكن بعد قضية التأثيرات الصحية للهواتف النقّالة التي لم يحسم أمرها لعدم توافر الأدلة العلمية القطعية، انتقل الإهتمام إلى قضية أخرى تتمثل في التأثيرات الاجتماعية والأدبية. ولأن حسن السلوك الفردي يبدو غير كافٍ، فقد هبّت التكنولوجيا لتعالج الإخلال في آداب استخدام الهواتف الجوال…
إن الهاتف المحمول يُستخدم للخير أو للشر، حاله حال كثير من الأجهزة الأخرى، فاستخداماتها تابعة لنيات المستخدم. و الهاتف المحمول قد يكون مصدرا لشر عظيم، لمن أصر على سوء استخدامه. و لعل أكثر ما يُحْزن العموم من كثير ممّن يحملون هذا المحمول، هو انبعاث أصوات الأغاني و الرنات أثناء الصلاة في المسجد، حتى وصل الأمر إلى أن أئمة المساجد أصبحوا ينبهون، قبل كل صلاة، على إغلاق المحمول، و ألصقت الملصقات الصغيرة و الكبيرة لهذا الغرض، و لكن لا حياة لمن تنادي !. فتجد الواحد يقف في الصلاة، ثم يرن هاتفه المحمول بصوت عال بنغمات راقصة و أغان صاخبة أو أناشيد مختلفة، بل إن هناك من المصلين من لا يجد حَرَجا في الرد على المكالمات الهاتفية في الوقت الفاصل بين الأذان و الإقامة، و لو داخل المسجد بصوة عال بدون حياء، و لا يُقْدم بعض المصلين على إغلاق المحمول إلا إذا شرع المؤذن في الإقامة.
و الحقيقة أن أمور الدين لا تنقسم إلى ثانوي و أساسي، بل يجب علينا كمسلمين أن نتحدث عن كل القضايا التي تهمنا، و خاصة الأمور المُسْتَحْدَثَةُ من التقدم التكنولوجي، و منها الهاتف المحمول. و الذي دعاني لكتابة هذا المقال، أن كثيرا من بني جلدتي أساؤوا استخدام الهاتف المحمول، و اسْتَغلوه استعمالا خاطئا، حتى وصل الأمر إلى أن نغمات الأغاني التي يندى لها الجبين دخلت كل مساجدنا، بل لم يَسْلَم منها حتى الحرم المكي و الحرم المدني، و هي أطهر بقاع الأرض.
و يا لها من مصيبة عندما تَسْتَشْعر بقلبك أن الله يراك و يسمعك، و قد خَرَجْتَ من الخشوع في الصلاة، و أخْرَجْتَ غيرك من خشوعه، بل صَرْفَت وجهك عن مولاك و التَفَتّ عنه إلى جهازك المحمول. و نظرا للفشل الذريع الذي لقيته كل المبادرات، ، و تعليق الملصقات لمحاصرة ظاهرة التشويش بالهواتف المحمولة على المصلين .و بغض النظر عمّا إذا كان الأمر متعمدا أو سهوا، فإن المُتسبب في التشويش على المصلين يَأْتَم، فقديما كان العلماء يختلفون على الزخرف في السجاد أو الجدران، مَخافة أن تلهي المصلي و تسلبه خشوعه الذي هو ركن أساسي، و كرهوا أيضا قراءة القرآن في حضرة المصلين، فما بالك برنات الهواتف المحمولة التي تجذب السامع إليها و تُخْرجه عُنوة من صلاته. فمتى ستعمم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب خدمة التشويش على الهواتف المحمولة في مساجد البلاد، تَقَيُّدًا بالاحترام الواجب لبيوت الله؟ .كلنا نصادف يوميا بكل مساجدنا، و في كل أوقات الصلوات، رنات هاتف نقال تَعْلو مع تكبيرة إمام، أو رنين هاتف جوال يَشْدو بأغنية حب وهُيام بقلب المسجد وفي عز الصلاة، وحتى في يوم الجمعة، بل أكثر من ذلك في صلاة التراويح برمضان، ليجد المصلين أنفسهم مُرغمين على سماع أصوات مغنيات مثل: “ايليسا” و”هيفاء” و”نانسي” و غيرها، بدلا من الإنصات إلى أنفسهم أو إلى الإمام. و رغم تذكير الأئمة بضرورة غَلْق النقال، إلا أن العادة تتكرر يوميا، حنى صار عاديا أن تعترض صلاتك بعض السيمفونيات الموسيقية و الوصلات الغنائية، تأخذك من موقفك بين يدي الله إلى إحدى القنوات الغنائية الفضائحية! و ما إن يتوقف محمول حتى ينطلق رنين هاتف آخر. و رغم أن العديد من الأئمة خَصّصُوا خُطبا و دروسا من الوعيظ في هذا الشأن، و ذكّروا المصلين بحُرمة هذا التصرف، و أنه يشغلهم عن عبادة الله، إلا أن سهو الداخلين إلى المسجد يوقع المصلين في المحظور، و يجعل صلاتهم متأرجحة بين القَبول و البُطلان.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=9401