ما يثير الانتباه تواجد مجموعة من السياح بالجديدة بالمدينة القديمة داخل و خارج أسوارها، بعضهم يحتسون كؤوس الشاي المنعنع و البعض الآخر يتذوق طعم السردين المشوي – بصيغة أهل النحو- بالمقاهى و المطاعم المجاورة للمناء ، التي ارتبط اسم بعضها بتاريخ الجديدة، و يتجولون بين الزقاق و كأنهم من ساكنتها، و يتبادلون التحية و الابتسامات مع أبناء الحي البرتغالي، ، .
و لم يكن تواجد حفيذ “صاليناص” بين السياح إلا تأكيداً على وفاء أبناء و أحفاذ من عاشوا في هذه المدينة لذكراها. و تأكيدا على المكانة التي لازالت تحتلها ضمن المنظومة السياحية للبلاد، رغم محاولات الإقصاء و التهميش التي مورست عليها لعقود، و رغم الإهمال المقصود و الموجه الذي طال العديد من المرافق التي كانت تنشط في هذا الميدان، الذي كانت رائدة فيه بحكم مجموعة من المقومات، التاريخية منها، و الجغرافية، و الاجتماعية.
و لعل الفترة التي عاشتها مدينة الجديدة، و اتخاذها مستقراً للعديد من الرواد في مجالات مختلفة، جعل منها في وقت من الأوقات، عاصمة دكالة للسياحة بالمغرب، قبل أن تصبح على الهامش، بفعل رؤية مصلحاتية إقصائية، أرادت أن تحصر كل ما هو اقتصادي بالدار البيضاء على بعد 90كيلومتر، و كل ما هو سياحي بفاس و مراكش و آكادير ، و الدليل على ذلك، نقل أغلب نشاطات ميناء المدينة و مطارها الترفيهي الذي صار في خبر كان، و إسقاطها من كل برامج الرحلات الداخلية المنظمة من طرف شركات السياحة، باستثناء اعتمادها محطة عبور آنذاك، دون أن تستفيد من جيوب الزوار فلساً واحدا، بعد أن كانت المقاهي و المطاعم و الفناديق و البزارات لا تخلو من الأفواج السياحية من مختلف البلدان، و على مر السنة، قبل أن تصير مستودعات للمنتوجات التقليدية الخزفية و الجلدية، لا أحد يسأل عنها، و لا عن حال صانعيها، و لا عن بائعيها، و قبل أن تقفل عدد من الفنادق التي كانت أسرتها محجوزة أغلب الأيام، و تحولت بفعل الركود المتعمد و الغير متعمد إلى غرف و مكاتب للكراء، ترثي جدرانها بحزن عميق، ذكريات أجمل و أبهى أيام العز والرفاهية، في زمن الفرنك، و المارك، و الليرة، و البسيطة…، و لا شك أن أبناء جيل الستينات و السبعينات يتذكرون جيداً، يوم كان أصغر بقال في المدينة يبيع بأي قطعة معدنية تقدم له دون اهتمامه لأي عملة تنتسب، و هذا دليل على التواجد الدائم و المكثف للأجانب، و الرواج الذي كانوا يساهمون فيه.
و يبدو أنه و بعد السبات العميق للمسؤولين عن القطاع السياحي بالبلد و بالجهة الدكالية، صاروا الآن يفكرون بإحياء ما تم العمل على اغتياله لسنين طوال، و فطنوا أن لا مستقبل لهذا المجال، دون إعادة الاعتبار لهذه المنطقة،منطقة دكالة التي صارت و بحكم إحقاق الحق، تتحمل عبئ جر قطار التنمية في مختلف المجالات. و هكذا، يتم الحديث اليوم على أهمية ما يطلق عليه في القاموس السياحي ب ” ساحل الحوزية ” و هو ما يقصد به منطقة آزمورو الجديدة ، لما تتمتع به من مميزات، تجعل منها مؤهلة لتصبح نموذجا لمنطقة سياحية يحتدى بها في المنظومة السياحية بالمغرب، لما تمتلكه من تنوع، سيجعل منها ِقبلة سياحية بأبعاد ثلاثة.
البعد الاقتصادي و التجاري، أو ما يمكن تسميته بسياحة الأعمال، و هو ما صارت المدينة مؤهلة لاحتضانه، بحكم التحول الاقتصادي الذي عرفته خلال العقد الأخيربفضل مناء الجرف الأصفرالدولي، و استقبالها للعديد من المشاريع الكبرى، التي جعلت منها ثاني قطب اقتصادي بعد الدار البيضاء و طنجة، و هذا ما يحتم عليها لتكون قبلة للعديد من المستثمرين و رجال الآعمال، و هو الأمر الذي بات يفرض على المسؤولين مراجعة العديد من النواقص، التي تحول دون تحقيق الغرض من هذا البعد، و التي تتجلى في مطار الطيران من و إلى مطار الجديدة، التي تفتقر اليه و إنجاز بعض المرافق الضرورية، كقاعات العروض، و الندوات، و المؤتمرات، و تشييد فنادق من الصنف الراقي، و تحسين الخدمات الإدارية، و حل إشكالية الازدحام و السير داخل المدينة، و توفير مواقف للسيارات، إلى غيرها من الإسشكالات التي ينبغي العمل على حلها حتى تتحقق هذه الرؤيا.
البعد الثقافي، و هذا ما يتطلب تحقيقه فتح حوار جاد، مع مختلف المكونات الفكرية و الثقافية بالمدينة و المدن المجاورة كأزمور، و إشراكها في العمل على رسم خارطة الطريق لتحقيق هذا الهدف، الذي و إن تحقق فعلا، سيمكن من إعادة الاعتبار لتاريخ المدينة القديم و المعاصر، و موقعها في القضايا السياسية الوطنية و الدولية، و نهضتها الفكرية، و هذا ما لا يمكن تحقيقه في ظل ما يتعرض له الجديدة و آزمور الآن من إهمال لمختلف مواقعهما الأثرية، و الإجهاز على بعضها، قصد استغلالها تجارياً، و عدم الاهتمام بصيانة المعالم الأثرية و اعدادت ترميمها ، التي صارت تنهار أمام أعين الجميع، و لنا في آزمور وغيرها خير دليل على ذلك. ثم غياب أي نشاط من شأنه أن يكون حافزا للمفكرين و المثقفين و الفنانين لزيارة المدينة و مدن الجوار التاريخية، و لو مهرجاناً ثقافياً واحدا بالمستوى المطلوب، بعيدا عن كل ما هو بهرجي… أو غير ذلك من إقاعات الرقص و هز البطن، التي لا تزيد من قيمة المدينة في شيء.
ثم البعد الترفيهي، و هو الشكل المعتاد للسياحة لآزمور و الجديدة، يوم كانت شواطؤهما من أجمل شواطئ المحيط الطلسي، و شوارعهما من أنظف الشوارع، و الأمن بهما على أحسن حال. يوم كانت المطاعم و المقاهي تغص بالسواح في ليالي رأس السنة، و البواخر السياحية تملأ مرسا ميناء الجديدة. يوم كان السياح و أهل المدينتين يفترشون رمال شاطئها الذهبي جنباً إلى جنب دون قلق أو مضايقات، و يوم كان الأجانب يأتون بفرقهم الفنية و الفولكلورية ، ليشاركوا أهل المدينتين في استعراضات 9يوليوزو 14 يوليوز- لمن يتذكر-، حينها كانت الجديدة و آزمور سياحة و ترفيه، أما اليوم، و قد صار كل شيء من أرشيف الذكريات، و الحزن على الماضي يغلب على الأمل في المستقبل، نتساءل و بكل جدية، هل تعود الجديدة سياحية ؟ و في انتظار إجابة القادم من الأيام، تحية مندكالة إلى كل السياح الذين يعشقون كسكوس و سردين الجديدة، ارتشاف الشاي في نفس المكان الذي ارتشفه عشاقها الأبديون،.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=2317