محمد عبد الفتاح
تعود بنا الذاكرة إلى سنوات بعيدة حين كلف الحسن الثاني بعد موجة من الانتقادات كانت توجه للقناة الأولى الطيب الصديقي بمباشرة عملية إصلاح شاملة، الملف أطلق عليها ساعتها”التلفزة تتحرك”، منذ ذلك الحين لم تتحرك التلفزة، وفشل المشروع لاعتبارات أساسية:
– الطيب الصديقي لم يكن من ذوي الاختصاص.
-تكلس الذهنيات العاملة بالمؤسسة.
. -تعاظم الدور المخزني الذي تلعبه وزارة الداخلية أنذاك
وباشر عملية “الإصلاح” من بعده وزير الداخلية القوي الذي عاث في هذا القطاع عبثا وفسادا، حين تم إلحاق مؤسسة الإعلام بوزارة الداخلية ضمن حقيبة وزارية واحدة إبان تولي أم الوزارات كل شيء، لم يكن من وظائف التلفزة عصرئد الإخبار، وإحاطة المشاهد المغربي علما بما يقع ويجري في محيطه بقدر ما كان دورها هو الاستخبار، والتقاط الخبر وإيصاله إلى دوائر الأمن والبوليس والديستي، هذه المرحلة عاشها المغاربة حتى فترات قريبة، ولا زالت الذاكرة تحفظها جيدا.
اليوم ونحن نسمع بتحرير القطاع السمعي البصري، وإحداث الهيئة العليا، ومرور فترة غير قصيرة على مباشرة عملها، نسجل الملاحظات التالية:
-أن هذه الهيئة تم اختيار حكمائها من الأسماء القريبة من الدوائر النافذة مما أعطى الانطباع بأن أية عملية للإصلاح لن تخرج عن وضع الإصلاح المتحكم فيه.
-أن الأسماء التي سمح لها بإنشاء محطات إذاعية تقلدت فيما بعد مسؤوليات رسمية سواء في التلفزيون الرسمي، أو في وكالة لاماب، مما أوحى لنا أن هناك أسماء مرضي عنها في مقابل أسماء أخرى مغضوب عليها.
-الإيقاع السلحفاتي التي تتم به عملية إصلاح القطاع، فكم سيحتاج المغاربة مرة أخرى ليشاهدوا قنوات في المستوى المطلوب؟
-رغم تعدد هذه القنوات التلفزية التي تبقى شريكا أساسيا في عملية الإنتاج السينمائي، إلا أنه تعدد كمي لا يراعي مبدأ التخصص ولا يرقى إلى الجودة من حيث الشكل، وكأن الأمر يتعلق بعملية استنساخ على طريقة “الفوطوكوبي”،فالشيء المختلف في هذه القنوات هو تعدد أسمائها وكل قناة هي نسخة طبق الأصل من باقي القنوات.
-أن التلفزة المغربية كقناة رسمية لم تبذل جهدا يذكر في التحرر من الإنتاج الأجنبي، وإنعاش دينامية الإنتاج الوطني عبر تصوير المسلسلات والأفلام المغربية، بل يمكن القول إن هناك ردة إلى الوراء مقارنة مع أعوام سابقة، والاكتفاء ببث أعمال مغربية خلال شهر الصيام.
-لم تنفتح تلفزتنا (إن صح الحديث بضمير(نا) على اعتبار أن الخدمة العمومية التي تؤديها هي من جيوب وأموال المغاربة) على الرأي والرأي الآخر عبر برامج سينمائية وثقافية جادة تراهن على ذكاء المتفرج، يقدمها منشطون يتوفرون على ثقافة عالية تمكنهم من الإحاطة بموضوعاتهم أثناء تصوير الحلقات، فالتلفزة لم تؤهل طاقما بشريا له رصيد من التكوين الإعلامي يرضي فضول المشاهد، فغالبا ما يكون المشاهدون على دراية بتفاصيل الموضوع وجوانبه أكثر من هؤلاء المقدمين، وأغلبهم من أساطين العهد القديم، بعيدين عن ذهنية المشاهد الذي انفتح على الفضائيات، وأصبحت في ذهنه نماذج معينة في عالم التقديم استحقت من طرفه الإعجاب كمقدمي قناة الجزيرة القطرية التي رغم تخلف البنيات المجتمعية أنتجت قناة في المستوى المطلوب.
أن تلفزتنا تعتمد الانتقائية في الاستفادة من كعكة الإنتاج، فلا يستفيد إلا الأسماء –
المنفوخ فيها التي قدمت أجندة قاسية من التنازلات، بعيدا عن روح المصداقية في الدعم.
-أن معاهد التكوين ونخص بالذكر المعهد العالي للصحافة والمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي خاضعة لمزاجية وزراء الثقافة والاتصال المتعاقبين على الحكومة مما أفقد هذه المؤسسات مشروعا بيداغوجيا يلائم مستويات التكوين ومتطلبات التخصص، ويمكن أن نستحضر هنا الصراع الذي خاضه أساتذة معهد الفنون المسرحية ضد وزير الثقافة في الحكومة المنتهية ولايتها حول برامج التكوين، دون أن نغفل أن إقامة معهد الفنون المسرحية كانت تحكمه نظرة التقليد على غرار الدول العربية التي قامت بهذه المحاولات الآن وبعد مرور كل هذه السنوات على تأسيس هذا المعهد الذي يلتهم كل سنة ميزانية ضخمة يجب أن نتكلم عن الحصيلة، وهي حصيلة تبقى دون المستوى المطلوب لأن العدد الذي يتخرج سنويا ضئيل جدا ( يتقدم كل سنة حوالي 180 مترشحا في المعدل المتوسط ينتقي منهم المعهد حوالي 20 طالبا فيهم السينوغرافي والممثل وصاحب الإضاءة والمخرج والمؤلف إن وجد)، وأغلب هؤلاء يشكل المعهد بالنسبة لهم هاجسا للوظيفة لا غير. ومن تم تعمل الدولة على إلحاقهم بالمندوبيات بعد التخرج، مما يعني أن الحركة المسرحية ومعها السينمائية لا تستفيد منهم، فمن غير المعقول أن يقضي الممثل 4 سنوات في التكوين لكي يصبح موظفا إداريا. أما بالنسبة للتكوين داخل المعهد، فإنه من المؤسف حقا الحديث عن مؤطرين في المستوى المطلوب.دون أن ننسى أن هذه المؤسسة بصيغتها الحالية تعيش خللا تنظيميا لأنه يجب أن تكون تابعة لوزارة التعليم العالي، وليس لوزارة الثقافة.
– أننا لم ندخل بعد دوامة الإنتاج بشكل ينعكس على الفنان المغربي المصادر من حقه حتى من هذه الصفة في بطاقة الهوية، فالفنان في المشرق العربي يضيق يومه بين تصوير مسلسل وشريط سينمائي وبرنامج مباشر يذاع على الهواء ومسرحية ليلية، عكس الفنان المغربي الذي يعييش مهنته مع وقف التنفيذ و يجلس أغلب وقته في المقاهي انتظارا لفرصة عمل قد تأتي أو لا تأتي.
-أن المركز السينمائي المغربي كمؤسسة سينمائية أقيمت منذ عهد الاستعمار، لم يتخلص من الذهنية الاستعمارية، فجل موظفيه يتم تعيينهم من خارج القطاع، وكأن الأمر يتعلق بضبط المشهد السينمائي المغربي وحصر أدواره أكثر منه مؤسسة تلعب أدوارا طلائعية في إغناء المشهد السينمائي المغربي برؤى ومبادرات واقتراحات من شأنها بث روح في شرايين هذا القطاع. كما أن أدواره التي أسس من أجلها أصبحت تطّلع بها بعض الجمعيات والنوادي الناشئة وأحيانا بفعالية أكبر.
– أن مهرجان مراكش السينمائي الدولي رغم كونه مكسبا فنيا وسينمائيا وضرورة ملحة في-
تطوير الحقل السينمائي المغربي، إلا أنه لم يرق على امتداد دوراته الاثنى عشر لأن يكون صناعة وطنية يوكل أمر تدبيرها إلى طاقات وطنية مغربية ، فالملاحظ هو أن المغاربة يحلون ضيوفا مع كل سنة على مهرجانهم الدولي الذي يكون فيه الأجانب هم أهل الحل والعقد، مما يجعله مجرد واجهة لتصدير صورة وهمية عن إقلاع سينمائي لم يتحقق بعد.
حالة القطيعة بين السينما والأدب المغربي الذي يبقى الركيزة الأساسية في أي انطلاقة سينمائية متوخاة فمثلا السينما المصرية لم تكن لتحقق خصوصيتها لولا انفتاحها على كتابها الكبر أمثال: نجيب محفوظ ويوسف إدريس وإحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وغيرهم…
-افتقادنا إلى كتاب سيناريو حقيقيين، وهذا مشكل في التكوين أساسا، فرغم أننا نسجل أن جميع المؤشرات تقول إن هناك فعلا نقلة سينمائية، إلا أنها طفرة على المستوى الكمي فقط وليس على المستوى النوعي، فلأول مرة نصور ثمان أو تسع أفلام في السنة، ويكون لبعضها نجاحا جماهيريا داخل القاعات السينمائية، وبعضها يحصد جوائز عالمية، وهذا شيء إيجابي، غير أنه هناك نقص في السينما المغربية على مستوى المواضيع المطروقة، وهذا راجع لأننا نفتقد كتابا سينمائيين من شأنهم بث روح ودماء جديدة في المشهد السينمائي الوطني.
-أن أفلاما سينمائية مغربية تم تصويرها في السيتينات والسبعينات والثمانينات لم تعرف طريقها إلى العرض يوما ولا يعرف نقادنا السينمايئون (ناهيك عن المشاهد العادي) عنها شيئا.
-أن مشكل التعبير لا زال مطروحا بحدة أكثر من أي وقت مضى فهناك من الفنانين من طالهم ويطالهم المنع في ظل حكومات تعاقب عليهما وزيرا اتصال من اليسار ووزير من حزب إسلامي ويتعلق الأمر بالفنان أحمد السنوسي الممنوع من حقه في التعبير حتى إشعار آخر.
ونحن نسجل هذه الملاحظات نتمنى أن يتحقق فعليا تحرير القطاع السمعي البصري بوتيرة تجنبنا مزيدا من الاحتقان، وأن ننخرط في إنجاز صناعة سينمائية وطنية دولة ومؤسسات، من أجل إقلاع سينمائي وطني حقيقي، كما نتمنى مخلصين أن نكون وفقنا في إسماع صوت شريحة واسعة رافضة للطريقة التي يدبر بها هذا القطاع.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=3799