على الرغم من الوضع المالي للدولة المشكوك فيه الذي نتمتع به حالياً فإننا نجد صعوبة في حل العديد من المشكلات الاقتصادية كارتفاع معدلات البطالة، تزايد الفقر، مشكلة الإسكان، ارتفاع معدلات التضخم، انتشار الأمراض المزمنة و غيرها، رغم أنها مشكلات يفترض أننا نملك الموارد الطبيعية التي تجعلنا قادرين على حلها. هذا الوضع الغريب سببه أننا نخطئ كلما حلت حكومة مكان أخرى، فنظن أننا نواجه مشكلات اقتصادية متعددة، من ثم فنحن نحاول حل كل واحدة منها على حدة، فتُكلف كل وزارة بحل مشكلة البطالة، و تصبح وزارة أخرى هي الجهة المسؤولة عن حل مشكلة تزايد الفقر، في حين تتولى وزارة الإسكان وحدها حل مشكلة الإسكان، و يمكن أن نضع قائمة طويلة بمهام منفصلة تتولاها أجهزة حكومية مختلفة متجانسة في الإيديولوجية، بينما الواقع أن كل هذه المشكلات لا تعدو كونها مشكلة واحدة فقط، كان من بين إفرازاتها ارتفاع البطالة، ونقص المساكن و السكن، و زيادة الفقر، و ارتفاع التضخم، و ارتفاع الأسعار المفاجئ، و هذه المشكلة ما هي إلا مشكلة غياب التخطيط الاقتصادي الإستراتيجي و الصريح الذي يضمن توجيهاً سليماً للموارد منها الطبيعية يرفع كفاءة استخدامها و يجعلنا قادرة على حل مشكلاتنا الاقتصادية و الاجتماعية الحالية و التي أصبحت تهددنا صباح مساء.
لتجارب الدولية الناجحة في التخطيط الاقتصادي تشير إلى أن إناطة مسؤولية التخطيط الاقتصادي في الدولة بجهة مستقلة عن الجهاز التنفيذي، يعهد إليها بمهمة صياغة الإستراتيجيات الاقتصادية الشاملة و وضع الخطط التفصيلية التي تحدد بوضوح و دقة دور و مهام مختلف الأجهزة التنفيذية، لا يحقق فقط تناغم وتضافر جهود تلك الأجهزة، بل يضمن أن تكون الخطط الاقتصادية مبنية على رؤية شاملة للتحديات الاقتصادية، و أنها تأخذ في الاعتبار كل الخيارات المتاحة.. مثلا تحتدى به التجربة السنغافورية في اتباع هذا الأسلوب في التخطيط الاقتصادي تعتبر الأبرز على مستوى العالم، حيث استطاعت هذ الجزيرة الصغيرة من خلاله نعم تلك الجزيرة الصغيرة أن تنقل اقتصادها من اقتصاد متدني الأداء إلى أن يصبح واحداً من أكثر الاقتصاديات العالمية تطوراً و كفاءة، و كان من أهم ما قامت به هو إنشاء مجلس التنمية الاقتصادية في عام 1961م ليصبح الجهاز الحكومي المنوط به وضع و متابعة تطبيق إستراتيجيات تطوير الاقتصاد السنغافوري، و أعطي صلاحيات واسعة لاتخاذ كل ما يلزم لتشجيع التصنيع و إنشاء المجمعات الصناعية و إدارتها، حقق هذا الأسلوب في التخطيط الاقتصادي لسنغافورة، و هو البلد الذي لا يمتلك أي موارد طبيعية ، و كان يعاني من مشكلات اقتصادية مستعصية، أن ينمو اقتصاده بسرعة هائلة، أما نحن في المملكة فنعاني من تعدد الجهات المسؤولة (علما أن البلاد تحخر بموار طبيعية عملاقة) بشكل أو بآخر عن التخطيط الاقتصادي، و كان المأمول أن يسهم إنشاء المجلس الاقتصادي في حل هذه الإشكالية، إلا ربما أن محدودية إمكانيات المجلس و كونه مجرد لجنة تحضيرية لمجلس الوزراء لا يتمتع بأي استقلالية، و يعتمد تشكيله بصورة شبه كاملة على مسؤولي الأجهزة التنفيذية المعنية بالشأن الاقتصادي، أضعف كثيراً من البعد التخطيطي للمجلس و جعله غير قادر على القيام بالدور نفسه الذي تقوم به مجالس التنمية الاقتصادية في الدول الأخرى التي حققت نجاحاً متميزاً في مجال التخطيط الاقتصادي
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=3762