أزمور أنفو 24 المتابعة: عبدالواحد سعادي.
مولاي مصطفى العلوي الصحفي والمعلق والمنشط والرمز الإعلامي المتميز بعد بن ددوش ومعلينو ،أثبت قدرات باهرة لا يضاهيه فيها أحد في مجال الإذاعة والتعليق وحظي بشعبية منقطعة النظير بجميع البيوت المغربية ،يعرفه الصغير والكبير والأمي والمتعلم والطفل والشيخ منذ إطلالة السبعينات ،هز مضاجع العقيد القذافي والهواري بومدين بتعليقاته المدوية حول ردوده عن عداء الحكومتين الجزائرية والليبية للمغرب بعد استرجاع أقاليمنا الصحراوية ،كما أحرج العديد من كبار المعارضين للحسن الثاني طيب الله تراه .
هذا الصحفي المتميز في إخلاصه ووفائه لملوكه العلويين أبصر النور أول مرة سنة 1948 بمدينة مكناس ،وهناك ترعرع وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في الآداب وسط محيط الشرفاء المخلصين للوطن المتشبعين بالولاء لجلالة الملك،واستفاد من ثقافة عربية تراثية محافظة على القيم والشيم الرفيعة ،حيث ينحدر والده من منطقة الراشيدية ووالدته أمازيغية ،استقرا بمكناس وأنجبا مولاي مصطفى العلوي الطفل هو الذي أرسل في وقت مبكر إشارات النجومية ،بإثارته إعجاب معلميه ومربيه وجيران أسرته،ونظرا لنبوغه في عدة مجالات دراسية وبعد خطأ في التوجيه ،أخذه في مرحلة شبابه الى المدرسة العسكرية ،إلا أنه سرعان ما غادرها ،بعدها بدا مصطفى العلوي أبا عطوفا وحنونا ورب أسرة متميزا بعلاقة طيبة مع أطفاله الثلاثة.
أما الولادة الاعلامية لنجم الراديو والتلفزيون المغربي فكانت أواخر الستينات حينها تقدم الفتى المهذب ابن الأسرة الصغيرة الشريفة بمكناس ولم يبلغ سنه العشرين واجتاز مبارة لولوج دار البريهي بالرباط ،وما أدراك بدار البريهي في ذاك الزمان ،المهارات العليا والملكات المتميزة في الإلقاء وسلامة النطق ومخارج الحروف وأناقة الصوت وخلو اللغة من الأخطاء والارتباك ،عوامل ساعدت الشاب النحيف مصطفى العلوي في تخطي حاجز الامتحان ،بالإضافة إلى إعجاب نافدين حينها بصوت ولغة العلوي من أمثال محمد حسن البصري الذي قاد الشاب الملتحق الجديد إلى تمرين صوته في تمثيليات إذاعية باللغة الفصيحة ولم تطل هذه المدة كثيرة حتى أبان الشاب عن طاقاته كبيرة في مجال طلاقة اللغة وحسن الإلقاء والخطابة الارتجالية دون أخطاء نحوية أو لغوية وبصوت قح جذاب ومثير ،انتقل مصطفى العلوي إلى تنشيط وتقديم البرامج التفاعلية والاجتماعية والفنية وكان أول من جلب مجموعة ناس الغيوان إلى استوديو التلفزة.
شخصية مصطفى العلوي الإعلامية سوف تبدأ في البروز مستهل السبعينات ، فعندما نجح وتفوق في الإلقاء بالعربية القحة من خلال تقديم النشرات الإخبارية ،كان أول من تميز أيضا باستعمال الدارجة المغربية في التواصل مع عامة المغاربة ،فتخصص في تقديم برامج تخاطب جميع المغاربة بلغتهم الدارجة عوض العربية الفصحى ،وبرز بشكل رائع وغير مسبوق في المواضيع الدقيقة والحساسة والوطنية التي تهم المغاربة ،يقول العيادي الخرازي قيدوم دار البريهي عن هذه الفترة ـ كانت فترة الانقلابات العسكرية المتوالية و المحاولات الرامية إلى تصفية عاهل البلاد وتنفيذ عمليات مسلحة في عمق التراب المغربي ،بدعم من جهات أجنبية وقطاعات واسعة من التيارات اليسارية المعارضة مرتبطة بهذه الجهات الأجنبية ـ من هنا بدأ الانقلابيون واليساريون وحلفاؤهم بليبيا ومصر والجزائر وغيرها يكيدون لمصطفى العلوي ويلقبونه ببوق القصر وعميل المخزن ومنهم من لا يزال إلى يومنا هذا يكن له الحقد والعداء المبين ،نظرا للدور الطلائعي الذي لعبه الصحفي المتميز كحلقة وصل بين الملك وشعبه الوفي،فبصوت مولاي مصطفى العلوي وتعليقاته المكثفة كان جلالة الملك حاضرا في كل بيت مغربي صباحا وزوالا وعشية ، مما جر عليه عداء مستطيرا من قبل المعارضين لجلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله الذين تصدى لهم مصطفى العلوي بصوته المحبوب لدى رعايا جلالته بالمداشر والقرى والصحاري والجبال وفي كل مكان كان صوته يدوي ضد أعداءالملك بالداخل والخارج .المغاربة كانوا إلى غاية هذه الفترة يعلقون صور جمال عبدالناصر إلى جانب صور جلالة الملك،فكانت المهمة الشاقة والصعبة لمولاي مصطفى العلوي هي إقناع المغاربة أن هذا الرجل عبد الناصر يقف ضد مصالح البلاد ، ويريد زعزعة استقرار المغرب ،وأنه ليس تلك الشخصية البطولية المناصرة لقضايا الأمة ،فنجح في مهمته الإعلامية ،ثم انتقل بعد ذلك لمواجهة أعداء وحدة الوطن بليبيا والجزائر وهو ما تولى المذيع الشاب مصطفى العلوي التصدي له،فأصبح الصوت المتميز لهذا الفتى يصدح في جميع البيوت المغربية بدارجة راقية،حولها العلوي إلى سوط لاذع ضد كل من العقيد معمر القذافي الذي كان يسميه ب الكديديفي مباشرة على الهواء ورفيقه في العداء للمغرب الهواري بومدين ،فقدم برنامجا تلفزيونيا ضد الجزائر حمل إسم ـ صوت الحق ـ وفي أوج أزمة الصحراء اسطاع استقطاب اهتمام جل المغاربة وقام بإذكاء الخطاب المستفز للجزائر.
يقول عبد الوهاب الرامي الأستاذ في المعهد العالي للإعلام والاتصال ،إن مصادر أخرى ذهبت إلى القول أن مصطفى العلوي الذي جاوز بالكاد 26 سنة بات ينتقل تحت حماية حراس شخصيين جندتهم الدولة خوفا عن سلامته من الخصوم السياسيين والزعماء بالجزائر وليبيا ،إلى جانب هذه المهمة الوطنية بدأ النجم الصاعد تقديمه للنشرات الإخبارية في كل من الإذاعة والتلفزيون مستفيدا من امتيازه المتمثل في طلاقة اللسان وسلامة التعبير .
ونظرا لإيمان جلالة الملك بالدور الكبير للإعلام ،ونظرا لرغبة حساد المملكة في تصفية ملك البلاد وزعزعة استقرار المغاربة كان جلالته في حاجة إلى رجال أوفياء مخلصين من عيار مصطفى العلوي لنقل رسالته إلى المغاربة.
شاءت لي الأقدار أن ألتقيه أول مرة بمعرض الكتاب بالمديرية العامة للجماعات المحلية بالرباط وفي مناظرة متعلقة بالتعمير بالمدرسة الملكية لتكوين الأطر حضرها إدريس البصري ،وإبان أيام المناظرة الوطنية للجماعات المحلية بتطوان ،وفي سنة 1995 نطق إسمي الكامل والجماعة التي أمثلها والحزب الذي أنتمي إليه من خلال إحدى النشرات الاخبارية التي يقدمها ،قامت الصحافية المقتدرة فاطمة تبوت أطال الله عمرها باستجوابي بعد نشرة العلوي ومن تم ترسيخ إعجابي بفصاحة وطلاقة لسان الرجل ،لا تفوته الفاصلة ولا النقطة ولا علامات التعجب أو الاستفهام علاوة على وضوح الإدغام والإعجام، وفي الوقت الذي يباشر فيه الرجل مواكبة تغطية الموكب الملكي مثلا فإنه يصول ويجول عبر مدارس مختلفة في مجال الأدب العربي خصوصا في طراز الوصف والتشبيه ،وهو بيان يمتلكه بالبداهة أو ملكة ربانية يؤتيها الله سبحانه للأدباء والشعراء وناذرا ما نشهدها لدى الصحافيين أو مقدمي ومنشطي البرامج.
أصدقاء وخصوم مصطفى العلوي يختلفون في أشياء كثيرة ،لكنهم يثفقون حول شخصيته القوية يعرف جيدا ما يريد ،يحسن الديالكتيك ليحافظ على استقراره المهني وشق طريقه بثقة في النفس ،لكنه في الوقت نفسه لطيف ومهذب ومتسامح ومنفتح على محيطه المهني والاجتماعي ،يقول الصحفي بنبوعزة “لم أر ولم أسمع مذيعا يخلص لعمله ويعطيه وقته الكامل مثل العلوي” يقول العيادي الذي اقترن اسمه ببرنامج “القناة الصغيرة” مصطفى العلوي هو أيضا صحفي محنك يعرف خبايا الأحزاب السياسية وتناقضاتها الداخلية ، لسانه حلو، قليل الغضب ،كثير الفكاهة والدعابة برأي زميله الآخر مصطفى أمغار.
وفي مستهل عقد الثمانينات بدأت تحالفات جديدة في التشكل حول معسكرين ،الأول يتزعمه مصطفى العلوي معلنا ولاءه للنظام والثاني يقوده أحمد الزيدي النائب البرلماني الاتحادي الحالي ،هدفه تمرير الخطاب الآخر عبر التلفزيون باعتباره مؤسسة عمومية من حق الجميع الولوج إليها ،فكان صحفيو هذا المعسكر يتصادمون مع المسؤولين حول بعض المواضيع وطريقة تناولها ، فيما كان العلوي يجعل نفسه رمزا للموالاة للنظام مما جعل الوزير الأول المعطي بوعبيد رحمه الله آنذاك يتدخل شخصيا لتسوية الوضعية الإدارية للعلوي وترقيته إلى السلالم العليا، إلى أن جاء توقيفه عن العمل إثر تعليق رافق الألعاب الأولمبية للوس أنجليس من خلال رواية تقول إن سيدنا كان يتابع أطوار سباق اعويطة ونوال المتوكل فأزعجه الصوت المرتفع لتعليق العلوي وطلب من الحاضرين خفضه مشيرا بيده ” سكتو علي هذا” فأخذت هذه الإشارة من رجال محيط الملك على أنها أمر بإخراس المعلق نفسه نهائيا ،كونه أزعج سيدنا ، فكانت هذه الزلة كافية لترسل مصطفى العلوي إلى دكة الاحتياط ،فبدأت مرحلة الظلام في مسار الرجل ،وبقي سبب توقيفه غامضا،إلى أن حل يوما زير الداخلية ادريس البصري بدار البريهي ،فلم يتردد مصطفى العلوي في اول اجتماع عقده الوزير مع صحفيي القناة في استوديو التلمساني في طلب الكلمة واستفسار الوزير عن سبب ابعاده وتوقيفه، حتى ادريس البصري لم يفهم شيئا فسأل المسؤولين بجانبه ” مال العلوي علاش موقف” وبما أن أحدا لم يجب على سؤال الوزير ،كانت نهاية الأحزان وعاد مصطفى العلوي ليدشن مرحلة جديدة من مساره الزاهر ،ففي 1986 كان العلوي موقوفا بعد أن ضاقت مجموعة من الاتحاديين بنجوميته وإخلاصه للعرش ، حيث كان الاتحاد الاشتراكي ينتهج سياسة اختراق الإذاعة والتلفزة عن طريق الصحفيين ،لتقوم الدولة المغربية بفرض مصطفى العلوي في تقديم النشرة الرئيسية.بعد أن تخلص من خصومه القدامى بالضربة القاضية ،شرع مصطفى العلوي بتجربته وحنكته وتمرسه وإتقانه وتفانيه في عمله في تشييد معسكر جديد ،ألفه من الملتحقين الجدد بدار البريهي الذين احتضنهم وضمهم إلى مدرسته التي طافت حول مصر وليبيا والجزائر والشيوعيين واليساريين وجميع الانقلابيين وبلغت الرسالة على التمام والكمال لجل المغاربة ،حتى أضحت لا تعرف من الإذاعة والتلفزة إلا مصطفى العلوي وبعده السيدة لطيفة القاضي ،فقد كان العلوي من بين القلائل الذين يستقبلون الشبان الوافدين على دار البريهي بالأحضان ،فأصبح هؤلاء الشباب الصحفيين يقولون لأصدقاء الزايدي الاشتراكي “الناس اديال المخزن أحسن منكم رحمة وتواضعا” بعدها تولى مصطفى العلوي رئاسة نشرة جديدة سميت “النشرة الجهوية” زادت من تقوية معسكره ضد أعدائه ،مزودا إياها بوجوه جديدة علمها أصول وقواعد الانضباط والوطنية والوفاء على طريقته مما زاد من حدة واشتداد وطأة الهجوم الذي شنه عليه الخصوم السياسيون ،لكن الرجل لم يكثرت لذلك وسار على المشوار ،فأصبح أعداؤه يرشقونه بأنواع السخرية والتنكيت وأعطوه ألقابا جديدة ك ” العام زين” و ” مسقط الطائرات”.
في مرحلة التسعينات أصبح المخزن يجري في دم العلوي نظرا للمتاعب والأهوال والأقوال التي لاحقه بها خصومه المعارضين ،والبعض يرى فيه الرجل الشجاع الذي أقدم على الإفصاح عن انتمائه بكل صراحة لدار المخزن وتحمل مسؤولية ذلك ،والبعض الآخر يقول ان ذلك كان على حساب المهنية والإعلام الحقيقي ،وآخرون يرون أن خصوم العلوي بدار البريهي وبأحزاب اليسار كانوا يطمحون بالاستحواذ على الإذاعة والتلفزة من أجل تكريس إيديولوجيتهم وتمرير خطاباتهم التحريضية إلى المغاربة.
ولا ننسى تلك الدموع الغزيرة والبكاء المتواصل الذي انهمر من أعماق العلوي وهو يواكب ويعلق على جنازة الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله وقد بكى معه جميع المغاربة الذين يسمعونه بكاء شديدا وعميقا ،وقد سمعوه من قبل يتصدى لعبد الناصر والقدافي وبومدين اللذين غلبتهم القدرة الإلاهية عن قتله حتى لبى نداء ربه مرضيا رغم رصاص السنوات التي كانت تستهدف روحه الطاهرة، وتصفيته الجسدية في الجو أو البر ولكن ما شاء الله فعل وقدر، وما مصطفى العلوي إلا حلقة أصابها جزء يسير من ذلك العداء المستفيض للسلطان الشريف.
وبعد انسحاب مصطفى العلوي مع ” المغادرة الطوعية” وغياب عن شاشة القناة الأولى مع الحكام الجدد الذين أقحموا وجوها جديدة تمثلهم كما فعل الثوار المصريون وغيرهم من حركات التغيير حقق مصطفى العلوي نقلة نوعية بتحوله إلى مواكبة وتغطية أنشطة جلالة الملك محمد السادس نصره الله ،وأصبح ذلك همه الوحيد فدخل طاقم تغطية الأنشطة الملكية والذي أحدث في الهيكلة الجديدة للشركة.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=11162