د. عادل محمد عايش الأسطل
إضافة إلى سعيه بشأن العملية السياسية وأقواله ضد إسرائيل حول المسجد الأقصى، فقد كانت رسالة العزاء التي دفع بها الرئيس الفلسطيني “أبومازن” إلى أسرة الشهيد “معتز حجازي” قاتل الناشط اليميني “يهودا غليك”، هي التي أثارت غضبًا إضافياً عارمًا في المنظومة السياسية الإسرائيلية، سيما وأنه نعت خلالها حادثة استشهاد “حجازي” بأنها جريمة بغيضة ارتكبتها عصابة القتل والإرهاب، برغم علمه بأن إعصاراً سيثور باتجاهه، سيما بعدما عاصر عاصفةً سابقة، في أعقاب لقائه بالأسيرة المحررة “آمنة منى” في تركيا أواخر عام 2011، والتي كانت سبباً في خروجه من مِلّة السلام التي يؤمن بها “نتانياهو” وحكومته، بعد وصف لقائه بها، بأنه مهين، ونعته بأنه غير جدير بالثقة، كونه يدعي أمام العالم بالسعي لتحقيق السلام مع إسرائيل، ثم في الخلفيّة يرعي الإرهاب ويدعمه.
كانت تعزية “أبومازن” حجّة قوية لحكومة “نتانياهو” كي تقوم بتكثيف جهودها نحوه، بهدف إثباتها أمام المجتمع الدولي، بأن أفعاله بشأن مواساة القتلة هي تدعم الإرهاب من جهة، وأن تصريحاته هي تصعيدية ولا تساعد في جلب السلام من جهةٍ أخرى، سيما وأنه أصبح شريك معتمد جنباً إلى جنب مع حركة حماس التي تدعو إلى مهاجمة الإسرائيليين وقتلهم.
لم تكن رسالة العزاء وحدها، هي التي أشعلت فتيل الغضب الإسرائيلي، وإنما كانت وسيلة جيدة لتسمين خواطرها حول عزل الرئيس والإطاحة به عن الساحة السياسية، سيما وأن أصواتاً يمينية ويسارية، بدأت تؤمن في هذه الأثناء، بالحلول الانفرادية وبمعزل عن الفلسطينيين، على أن التنسيق مع قوىً دولية وعربية، هي كفيلة بإنهاء الصراع، وهذا لا يتم إلاّ بإزاحة “أبومازن” من وجه السلام، ويأتي ذلك تأييداً لما نادى به طويلاً، اليميني المتطرف “أفيغدور ليبرمان” الذي ما فتئ ينادي بأن “عباس” هو عقبة في طريق السلام، ويجب التخلص منه.
“نتانياهو” الذي لم يوافق علانيةً على هجومات “ليبرمان”، منذ انطلاق لسانه بهذه الصورة، أو مواقف أقطاب اليمين المتطرّفة، كان أول من بادر بالهجوم العنيف وغير المسبوق على “أبومازن” هذه المرّة، حيث كانت زمجرته مسموعة أثناء جلسة كتلة الليكود البرلمانية والتي انطوت على القول والفعل معاً، حين اتهم صراحةً، بأن “أبو مازن” هو من يعظم القتلة ويحتضن حركة حماس، وأنه حان الوقت لأن يشجب المجتمع الدولي “عباس” على أقواله هذه، وأن ينكر أفعاله، بدل نوبة التجاهل واللامبالاة التي تواجهها إسرائيل، وأمّا الفعل، فقد أعطى لحكومته أن تصادق على بناء مئات الوحدات السكنية داخل مدينة القدس.
الهجوم من أقطاب اليمين كان متوقعاً، لكن الذي لا، هو أن اليسار بدأ هو الآخر يتحرك في إطار اليمين المتشدد، فعلاوة على تصريحات “عمرام متسناع” التي كان أعرب خلالها عن استنكاره لتعزية “أبومازن” وتحذيره من منع اليهود من الصلاة في المسجد الأقصى، وتمجيد خطوات الحكومة، فإن وزيرة القضاء “نسيبي ليفني” قد صعّدت من نبرتها هي الأخرى، حيث ادّعت بأن خطابات” أبو مازن” هي التي أججت خطرًا، وسواء بشأن مواقفه السياسية المتصلّبة، أو خطواته الانفرادية اللامحسوبة، أو بشأن دعمه صراحةً للإرهاب، حيث جعل الجيش الإسرائيلي هو مُرتكب الاعتداء، وجعل المعتدي – حجازي- شهيدًا، ولم تكن مترددة ولا مرتجفة، حين تماهت مع أقوال اليمين، بأن “عباس” ينأى بنفسه عن الخط السياسي المطلوب، والذي من شأنه أن يفقده السيطرة على المنطقة ككل.
وكان “ليبرمان” قد صرّح خلال الفترة القريبة الفائتة، بأن إسرائيل قدّمت الكثير “لعباس” من أجل تصحيح وضعه السياسي والأمني، سواء في الضفة العربية وأمام حماس أيضاً، وصبرت عليه بما فيه الكفاية، لكنه أثبت بأنه أكثر خطورة من “خالد مشعل” كونه يتبادل الأدوار معه لمحاربة إسرائيل، والآن آن الأوان، لنرد على هذا الإرهابي بما ينبغي، ما يوحي بأن الجهود جادّة ومتواصلة لإنجاح حملة فض الشراكة، وبرغم أن الولايات المتحدة، لم تشارك حكومة إسرائيل في هذا التوجّه، ضد “أبومازن” كما شاركت ضد الراحل “ياسر عرفات” ابتداءً من العام 2002، إلاّ أن حكومة إسرائيل ستبقى ضاغطة في هذا الاتجاه، وسواء كان ذلك لأجل تدفيع “أبومازن” ثمن مواقفه المصيرية، أو للتخلص من المسيرة السياسية، واستحقاقات الشرعية الدولية بشكلٍ عام.
خانيونس/فلسطين
3/11/2014
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=11857