رسالة الكاتب بي قوة الطرح وإلهام الحلول

2015-01-11T18:39:37+00:00
فسحة الأدبمنوعات
11 يناير 2015آخر تحديث : الأحد 11 يناير 2015 - 6:39 مساءً
رسالة الكاتب بي قوة الطرح وإلهام الحلول

أزمور أنفو 24 : الكاتب عبدالواحد سعادي ؛

الفرق بين الكاتب وقرائه أنه أكثر وجدانا منهم، أي أنه يجد نفسه في أبعاده الزمنية والمكانية، أكثر مما يجدون هم أنفسهم، ومهمته ان ينقلهم الى درجة وجدانه ويكسبهم ضميره.
للكاتب أسلوب وموضوع وكلاهما يعودان الى شخصيته ،فمن حقنا ان نعرف المعدن الذي صهرت منه هذه الشخصية كما نعرف العوامل التي كونتها وعدلتها وغيرتها، وعندئذ فقط نستطيع أن نعلل الاسلوب ونقف على ميزاته ونربطها بأصولها.
فحياة الكاتب اكبر من فنه هي الكل وهو الجزء هي الشجرة وهو الثمرة.
ولذلك فقصة هذه الحياة هي اعظم ما يستطيع ان يكتبه المؤلف، لانها بجلالها وتفاهتها ،وبمشكلاتها وانتصاراتها، وبواقعها وخيالاتها، وبكفاحها وضعفها تبسط للقارئ جيلا، بل ربما أجيالا وتشرح له تقلبات العصر الذي عاش فيه الكاتب.
إننا لنحس حين نعرض لحياة طه حسين منذ نشأته طفلا الى ان صار ضريرا في قرية الصعيد الى ان صار وزيرا، أن حياته هي خير مؤلفاته ،كما نحس حين نقرأ عن كفاح فولتير لإنقاد المضطهدين وحرصه على ان يدخر حياته لهذا الكفاح باختيار بقعة تمكنه من الفرار بين فرنسا واسويسرا وزيارته لانجلترا ودراسته الدستور البريطاني ونظرية نيوتن ، نحس ان هذه الحياة هي الكتاب الاول، كتاب الشرف والشهامة والتعقل الذي كتبه فولتير.
وهذا هو الشأن في برناردشو الذي عاش 94 سنة يعالج فيها حياته ويعيد تأليفها من وقت الى آخر كي يتجدد وينمو.
حياة الكاتب العظيم هي خير مؤلفاته، ومن حق الجمهور أن يطالبه بوصفها وشرحها وتعليلها، لأنها تزيده استنارة وتفطنا لموضوعاته وأسلوبه، ومن واج الكاتب أن يلبي هذا الطلب.
شخصيا تجدني مغرما بلغة طه حسين وأسلوب سلامة موسى ونقد العقاد وغيرهم من جهابدة وفطاحلة الكتاب العرب، ومن الشعراء حسان بن تابث شاعر الرسول وشعراء المعلقات السبع، فلغتهم غير لغة الفقه الاسلامي أو لغة المترفين والمادحين من الأمراء والأثرياء كأحمد شوقي وأبو فراس الحمداتي.
فعندما نقرأ أشعار شوقي نحس أنه أديب ماهر يكتب للأدباء، وكل من يعرف حياة شوقي والأمير الحمداني أبو فراس، والوسط العالي الذي كانا يعيشان فيه يدرك الأسباب التي جعلتهما يكتبان بأسلوبهما المتعالي، فهموم الشعب لم تدخل قط في وجدانهما الأدبي، وقد كانا يتعاليان في عيشهما فتعاليا في أسلوبهما كذلك.
ومن هنا فنحن نؤثر حافظ ابراهيم على احمد شوقي وأقدمه عليه لأنه أقرب إلى الشعب منه، كما نؤثر زهير بن أبي سلمى أو لبيد وامرئ القيس عن المتنبي لأنهم انشغلوا بتصوير قبائلهم وواقعهم ومعيشتهم اليومية فيما انشغل المتنبي في الفخر ومدح الحكام أو هجوهم.
ولهذه الحال أسباب واضحة ،هي أن هناك هوة كبيرة تفصل بين الأدباء أو الكتاب وبين عامة الشعب، ولذلك لم ترتفع هموم هؤلاء الى أقلام أولئك ،كما أن هؤلاء الكتاب لم يصلوا إلى وجدان بحالتهم تنبههم الى واجبهم نحو الشعب.
وكذلك الأمر في الأدب القديم بالنسبة للمتنبي وابن الرومي أو المعري، فإن جمهور الشعب العربي لم يكن كله على دراية باللغة القوية والظليعة تجعله قادرا على فهم كل ما كانوا يكتبونه من أشعارسامية.
ثم هناك أمر آخر تجلى في تلك القوانين التي سنها دعاة الاستعمار والاستبداد لتقييد الأقلام وأحيانا لسجنها ولقصفها، ذلك لأنهم يعرفون أن أعلى الأصوات هو هذا الصوت الخافت الذي يصدر عن صرير الأقلام إذ هو يزعجهم إزعاج قنابل المدافع، وخاصة في يد الكاتب الذي لا يثعب ولا يجف أو ينضب له قلم.

أعتقد ان الكاتب الذي يخون أدبه ويفر ذهنيا ونفسيا من مجتمعه ويغادر التاريخ الماضي ويجتنب الفلسفة هو أخطر علينا من أية قيود تفرضها حكومة مستبدة تقصف بها الأقلام.
إن القرون المظلمة حيث كانت الكنيسة بؤرة الثقافة، حين قتلت جاليلي لمجرد اكتشافه وقوله ” الأرض تدورحول الشمس”، كسرها وأبادها عصر الأنوار أو عصر النهضة، ولحد الآن مازلنا نجد كتابا يفصلون بين الروحيات والماديات أو بين النفس والجسد أو بين العلم والأدب أو بين الدين والفلسفة (من تفلسف تزندق…والسؤال بدعة )كما كان يفعل كتاب العهود المظلمة مع أن رجال النهظة ألغوا هذه الفروق إذ جعلوا كل هذا النشاط “بشريا” وكان فنانهم دافنشي يمارس الرسم والنحت كما يمارس علوم الطيران والحرب والطبيعيات، كما كان عالمنا المرتضى ابن سينا قبلهم يزاول الطب وينظم الشعر ويؤلف في الفلسفة ويقول في الفقه والحكمة ، لأنه ما دامت بؤرة الثقافة البشرية هي الإنسان فإن جميع نشاطه الثقافي يجب أن يكون احتوائيا استيعابيا يتناول كل مايزيد الانسان كرامة ورفاهية وفهما، ورجل العلم إذ لم يكن أديبا فنانا فيلسوفا قد يكون عرضة لأن يوجه نشاطه العلمي وجهة الشر ، كما أن رجل الأدب عندما يجهل العلم، قد يكون عرضة للانتكاس الرجعي وللرهبنة في البرج العاجي.

أقول إن الكاتب يجب ان يجعل مشكلات المجتمع موضوع أدبه يهتم بالموسيقى والرسم والفروسية كما يهتم بنقابات العمال، وهو يدرس شعر المعري والمتنبي كما يشتبك في الحركات المجتمعية والنقابية والسياسية يولبها من وقته وجهده مثلما يولي الاسلوب أو النقد الفني سواء بسواء.
ان الكاتب بشري يدرس شؤون البشر ،فكما يدرس فلسفة أرسطو طاليس عليه أن يدرس حالة ومعاناة الفلاح بالأرياف ويعيش هموم الفقراء في قمم الجبال والدشور والفيافي النائية.

وأخيرا رسالة الكاتب شطرين : عامة وخاصة .
فأما العامة فهي أن يجعل الأدب وفق المبادئ البشرية بحيث يغرس في القارئ حب البشرية والطبيعة والفن والعلم والثقافة ،لأن الكاتب الحق هو صديق الانسان لا يعرف التعصب أو العنصرية ولا يقول بالقسوة أو الحرب ،والأديب الحق هو الذي يعرف أن مهمة الادب مثل مهمة الفلسفة ،تغيير المجتمع، بحيث يحمل القارئ على السخط ثم الرغبة في التغيير، والكاتب الحق هو الذي يطلب المزيد من الحرية، فهو لذلك لايمكن أن يكون إرهابيا أو فاشيا أو يرضى بالحكم المتسلط الذي يقيد أو ينقص الحريات، والأديب الحق هو الذي يتأنق ويعبن لنا مأربا فنيا في نشاطنا.
وأما رسالته الخاصة فهي خاصة لأنها تعالج شأنا من شؤون مجتمعنا الحاضر، يجب أن يدرس الواقع بعين المتفحص المتبصر، ويستشرق الالمستقبل بعين التفاؤل، كما يدرس المشكلات والاكراهات والتحديات والأحداث من حوله باعتقاد القدرة على حلها وليس باعتبار تشخيصها فقط، وليس باعتبار العجز عن فهمها أو تهويلها ، أو أنها ليست من اختصاصه.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!