معركة وادي المخازن ترتحل من القصر الكبير إلى موسكو في نزال مغربي برتغالي

2018-06-20T10:42:09+01:00
اقلام حرةمنوعات
20 يونيو 2018آخر تحديث : الأربعاء 20 يونيو 2018 - 10:42 صباحًا
معركة وادي المخازن ترتحل من القصر الكبير إلى موسكو في نزال مغربي برتغالي

أزمور انفو 24:
كتبها : أبوالقاسم الشــــبري **باحث أثري**
البرتغاليون والمغاربة يشدون أنفاسهم ويعدون الدقائق إلى حين صافرة نهاية مباراة المغرب والبرتغال في الجولة الثانية من الدور الأول بمونديال روسيا بوتين، 2018، في مقابلة عصية على التكهنات وغير محسوبة العواقب تدور رحاها يوم الأربعاء 20 يونيو 2018، سيحفظها المغاربة كما يحفظون 20 يونيو 1981 بالدار البيضاء. هذا النزال الكروي بين الإخوة الأعداء يجري تحت ظلال ذكرى كوادالاجارا بمونديال مكسيكو 86 حيث أوقف دفاع البياز والزاكي هدير الهجوم البرتغالي بقيادة الوسيم النفاث باولو فوتري، بينما من تمريرات عرضية اتباعا من الحداوي )وخطإ دفاعي( وخليفة والتيمومي، ضرب خيري وكريمو الطر للبرتغاليين بثلاثية )مع هدف يتيم لديامانتينو( لم يستفق منها البرتغاليون فتذيلوا المجموعة السادسة التي ترأسها المغرب وتأهل للدور الثاني لأول مرة في تاريخ أفريقيا. ومازالت ذكرى 86 تشكل عقدة للبرتغاليين إلى حد أن رونالدو بكل قوته الصاروخية البدنية والنفسية سيكون هذه المرة مرتبكا بسبب تلك الهزيمة التي لا تضاهيها إلا ما وقع لأجداده البرتغاليين مع المغاربة عام 1578، ذات يوم حارق من شهر غشت. ومات سباستيان.
يوم 04 غشت 1578، بضواحي القصر الكبير دارت حرب استثنائية بكل المقاييس، بين المغرب والبرتغال ومات فيها ثلاثة ملوك، إثنان كانا ملكين حقا هما عبد الملك السعدي المغربي وسباستيان البرتغالي، وثالثهم لم يكن ملكا في الحقيقة وقد كان تم خلعه عن ملكه سنتين قبل ذلك ولم يفقد الأمل في العودة إلى العرش. هي معركة وادي المخازن أو معركة القصر الكبير وتسمى خطأ معركة الملوك الثلاث، لأن الثالث لم يكن ملكا كما أوضحناه للتو. هي معركة يجب احتسابها حربا عالمية وعدها ضمن كبريات حروب البشرية عبر التاريخ، سواء من حيث ظروفها وحيثياتها السياسية والنفسية إقليميا ودوليا، أو من حيث عدد الدول والجيوش المشاركة فيها، وخاصة من حيث نتائجها الآنية والمستقبلية ليس فقط على طرفي الحرب الرئيسيين بل حتى على مجمل حوض البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا.
مازالت الآثار النفسية، على البرتغاليين بالخصوص مستمرة إلى اليوم، رغم كل محاولات إضمار ذلك ورغم كل المحبة والتقدير اللذان يجمعان اليوم شعبي البرتغال والمغرب. لقد كانت آثار معركة القصر الكبير كارثية على البرتغال الذي كان آنذاك إمبراطورية تمتد من أطراف شرق آسيا إلى أعماق الأمازون. ومن النتائج المباشرة لهزيمة البرتغال وفقدان عشرات آلاف من جيوش مدربة وموت ملكهم الشاب المغوار سباستيان الملقب بالمحبوب أو المرغوب Le Désiré هو أن البرتغال فقد عرشه واستقلاليته من 1580 إلى 1640 حيث ضمه ملك إسبانيا فيليب إلى مملكته، “ليحمي” عرش أخواله وأبناء عمومته. وحين ستعيد إسبانيا العرش للبرتغاليين أرجعت لملك البرتغال كل مستعمرات أجداده مدنا ودولا في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، لكن إسبانيا احتفظت لنفسها بمدينة سبتة فاختطفتها من البرتغاليين ومن المغاربة على حد سواء. وبذلك أضحت سبتة تحت التاج الإسباني منذ 1640م. أما من الجانب المغربي، فبدل أن يهب أحمد المنصور لتحرير سبتة وطنجة ومليلية مباشرة من موقعة معركة وادي المخازن حيث اجتمعت الجيوش النظامية وقبائل المغرب، فقد فضل التوجه نحو بلاد السودان فغزا ممالك جنوب الصحراء وامتدت إمبراطوريته إلى نهر السينغال ونهر النيجر، ومن ثمة حمل لقب الذهبي فصار إسمه هو أحمد المنصور الذهبي.
لكن الصدمة النفسية التي مازال البرتغاليون إلى حين كتابة هذه السطور لم يتخلصوا منها، هي وفاة سباستيان، أو على الأصح عدم تصديق وفاة ملك البرتغال ذاك الشاب المغوار المغامر المقدام الزاهد في عشق المسيحية. مشكلة سباستيان العظيم هذا هو أنه آمن دون أي ارتياب بأن الرب معه وسينصره في غزو المغرب، كما أنه بالغ في بيع الوهم لأبناء شعبه والدول الحليفة وللبابا في روما، ومنزلقه الثالث هو أنه صدق حليفه المغربي الخائن محمد المتوكل الذي بدوره باع الوهم لسباستيان إذ أوهمه أن البرتغال سيلتهم جيوش عبد الملك السعدي بسهولة فيقتسما معا الكعكة المغربية، أي ليظفر سباستيان بأطراف جديدة من المغرب ويحصد الغنائم من الخيرات ومن النساء الأمازيغيات، بينما يعود المسلوخ إلى حكمه بسهولة، على رؤوس فوهات مدافع ماديرا ولشبونة وبورتو. ولكل ذلك جاءت جحافل جيوش سباستيان وحلفائه الأوربيين مصحوبة أساسا بالراقصات وبالعازفين والمغنيين والفكاهيين. لكن المغرب هو الذي فاز وانتهت المعركة بموت المتوكل الهارب غرقا في الوادي كالجيفة، وقيل إن سباستيان قتله بضع عساكر لا يتوفرون على أدنى رتبة عسكرية، وهذا لا يشرف الملوك الذين إذا كان لابد وأن يموتوا في ساحة الوغى فيجب أن يموتوا على يد الأشراف والنبلاء، ويستحب أن يموتوا على يد أمراء. أما السلطان المغربي فقد مات في خيمته الملكية قبل انتهاء المعركة لأنه ارتحل من عاصمة ملكه مراكش وهو مريض معلول.
بانتهاء معركة العساكر في ساحة منطقة السواكن، وتنصيب مولاي أحمد ملكا وتلقيبه بالمنصور، ستبدأ معركة أخرى مازالت لم تنته إلى الآن. وهي أن البرتغاليين لم يصدقوا وفاة ملكهم سباستيان لأن مثله لا يموتون، وحتى لو غابوا عن النظر فحتما يرفعهم الله إلى السماء، مثل عيسى عليه السلام. وإذا كان أحمد المنصور قد أصر على تأكيد التثبت من جثة غريمه الملك سباستيان وتوفير كل الظروف المَلَكية اللائقة لنقل جثمانه إلى سبتة، فإن وصول الجثمان إلى البرتغال ونقله في مرتين ومحطتين لم يقنع البرتغاليين بوفاة ملك أضحى أسطورة، فهو من الخالدين. ليس الشعب وحده من نبتت في مخيلته أسطورة وميثولوجيا خلود سباستيان، بل إن حتى الأب الذي صلى على جثمان ملكه ختم قوله بعبارة تدخل الشك والارتياب في كونها صلاة على جثمان حقيقي، لملك أصبح هو الحق. هكذا ظهر ما يعرف في أدبيات التاريخ والأنتربولوجيا بظاهرة “السباستيانية”. فبين 1578 و1930، ظهر حوالي عشرون سباستيان، في البرتغال وحتى في البرازيل، وهم الذين انتهى المطاف بأغلبهم في السجن، جزاء على افتراءهم كذبا على ملك خالد ارتقى إلى مصاف الملائكة والأنبياء ولا يجدر تدنيسه من طرف “العامة”. وإلى اليوم تجد إخواننا البرتغاليين في أحاديثهم العادية وفي محاضراتهم الفكرية وتصريحاتهم الصحفية يتحاشون ذكر سباستيان، لأن ميثولوجيا سباسستيان نالت، إلى اليوم، من العامة ومن العلماء والسياسيين، والرياضيين. وإذا أراد المنتخب المغربي لكرة القدم اليوم أن يهزم رفاق رونالدو، فما على لاعبينا وطاقمنا سوى تذكيرهم بملكهم سباستيان، بطريقة من الطرق الذكية واللبقة، والتضامنية.
ولأن المغرب هزم البرتغال في مونديال مكسيكو بثلاثة أهداف لهدف واحد، فقد زاد ذلك من حدة وقع التاريخ على نفوس البرتغاليين. وإذا كان منتخب برتغال 86 يعج بالنجوم والعمالقة، فإن برتغال 2018 تعتبر أضعف نخبة في تاريخ البرتغال الكروي. وحده رونالدو يحمل على عاتقه مصير البرتغال وفي رجله يسكن مدفع ماديرا. ويدعوا المغاربة اليوم على مدفع ماديرا رونالدو أن يكون مثل مدافع سباستيان في عام 1578 فيانهزم البرتغال من جديد أمام المغرب مثلما انهزم عسكريا وسياسيا في 1578 وكرويا في 1986. لكن على الجميع أن يفهم أن لقب مدفع ماديرا الذي يحمله رونالدو جاء من قوة مدافع البرتغال التي زمجرت في أرجاء المغرب والموزمبيق وأنغولا ومسقط وماكاو ومالاكا وتيمور والبرازيل والبراغواي وغيرها زمن إمبراطورية لم تكن حقا تغيب عنها الشمس، من القرن 15 إلى القرن العشرين، وقد استقلت دول عن تاج لشبونة فقط عام 1975، بل في مطلع الألفية الثالثة حتى. ولأجل ذلك وجب على المغاربة، ومن حقهم أيضا، أن يخشوا منتخب البرتغال. وعلى البرتغال ينطبق القول الكريم “كم فئة قليلة غلبت فئة كثيرة”. البرتغال بلد صغير جدا جغرافيا، وفي القرن الخامس عشر والسادس عشر كان شعبا صغيرا جدا، لكنه غزا العالم وأسس أكبر إمبراطورية في تاريخ البشرية. ذاكم الشعب الذي كان عدد سكانه حوالي مليون ومائتي ألف شخص(1 200 000) في 1530 مثلا وحوالي مليوني وأربعمائة ألف شخص على الأكثر زمن تحرير المغاربة لمازغان في 1769، هو شعب ملأ الدنيا وملأ التاريخ وملأ جغرافيا الأرض. وعليكم اليوم أن تخشوا منتخب البرتغال. منتخب ضعيف لا يتوفر على أكثر من لاعبين أو ثلاثة لاعبين متميزين لكنه فاز بكأس أوربا 2016 ويجول في الملاعب العالمية وستكون له كلمة في مونديال روسيا 2018. هو منتخب خارج من صلب شعب مغوار مقدام مغامر لم يخش يوما أهوال البحار وغابات السباع. ولا يشبهه في قوته هذه سوى الشعب المغربي. ولذلك فإن مباراة المغرب والبرتغال يوم عشرين يونيو هي حقا صعبة التكهن وإن كانت فيها الكفة مرجحة بجهة رفاق موتينيو ورونالدو، لكن بنعطية سيحجم رونالدو مثلما قزم مصطفى البياز نجمهم فوتري ليزمجر بوطيب وبلهندة وبوصوفة وزياش مثلما فعل كريمو والتيمومي وخيري وبودربالة والحداوي. وإن المغرب مرشح لأن يخلق مفاجأة ويهزم البرتغال ومدفع ماديرا مثلما هزم عبد الملك السعدي الملك سباستيان المسنود بجيوش هائلة هائجة جاءته من مختلف دول أوربا آنذاك انضمت إلى جيوشه العنيدة العتيدة المتمرسة، وترافقهم جميعا بركة البابا ودعوات الرهبان.
المغرب والبرتغال شعبين يحبان بعضهما البعض وتربطهما وشائج قوية ليست وليدة اليوم ولا من تخطيط هذه الحكومة أو تلك. هي روابط ثقافية وحتى دموية امتزج فيها البرتغاليون والمغاربيون منذ بدايات القرون الوسطى واستتباب الأمر للمسلمين بما سيسمى الأندلس، بشبه الجزيرة الإيبيرية التي غزاها طارق بن زياد عام 711م. وسيستمر ذلك التداخل والتلاقح الثقافي العظيم لاحقا على أرض المغرب منذ احتلال البرتغال لمدينة سبتة المغربية في 21 غشت 1415 إلى حين مغادرتهم آخر معقل لهم بالمغرب سنة 1769م بتحرير مازغان )الجديدة( على يد السلطان سيدي محمد بن عبد الله.
من متعة هذه الجولة التاريخية، أتمنى لكم غدا متعة جولة كروية جديدة يصنعها عملاق أوربي وعملاق إفريقي.
فرجة ممتعة

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!