الأخلاق والسياسة وحقوق الإنسان

2014-07-04T14:20:23+00:00
سياسةمنوعات
4 يوليو 2014آخر تحديث : الجمعة 4 يوليو 2014 - 2:20 مساءً
الأخلاق والسياسة وحقوق الإنسان

 

بقلم : عبد الواحد سعادي :

منذ أقدم العصور لم يحسم السؤال حوا السياسة والأخلاق، هل هناك من ينازع في أن الأخلاق في السياسة هي المصلحة؟

قبل قرون عديدة حدثنا ابن المقفع عن هذه الأمور سواء برموز كتابه “كليلة ودمنة”، أو بصريح عباراته في “الأدب الكبير والأدب الصغير” وأتى بعد ذلك ميكيافيلي في كتابه “الأمير” لكي يجعل الدس والمخاتلة أو القسوة والتحايل كلها في ميدان السياسة فضائل يجب أن يتحلى بها الحاكم، ولا يزال الاغتيال والانقلاب والاحتلال والشراء بالمال من الأساليب التي تجري ممارساتها أمام أعيننا إلى الآن في عالم اليوم مبررة بالأهداف السياسية التي يراد تحقيقها.

بلا ريب دخل بعض التحسن على علاقة الأخلاق بالسياسة عبر آلاف السنين من التقدم الإنساني بحكم تغير معنى المصلحة التي من أجلها تصبح التضحية بالأخلاق مسألة طبيعية مقبولة هي مصلحة الفرد الحاكم، ثم تطورت الأمور فأصبحت المصلحة في هذا المجال تعني مصلحة الدولة أي الإطار الممثلة فيه الجماعة الإنسانية، ثم تطورت الأمور مرة أخرى فصارت المصلحة المقبولة في هذا الباب هي مصلحة الشعب، وكل نقلة في هذا المجال لم تؤدي تماما أو كليا إلى اختفاء ما كان قبلها، فالمجتمعات الإنسانية تعيش في عالم واحد وتعيش في قرون مختلفة ومتباعدة جدا من حيث نظم الحكم والقيم السائدة وحقوق المواطن وبالتالي فانصراف المصلحة إلى الدولة أو الفرد أو الشعب تعيش في عالم واحد وفي أقطار مجاورة، استطاع العلم الحديث أن يختصر الزمن بينها جغرافيا، فلا يبعد قطر عن آخر إلا سويعات قليلة بالطائرة ولكنه بحساب القيم السائدة تفصل بين القطرين عدة قرون.

أما قضية احترام حقوق الإنسان فليست بالسهلة، إنها أعقد القضايا على الإطلاق، ولربما تحل معظم مشاكل البشرية قبل أن يحظى كل إنسان في كل بلد وتحت كل نظام باحترام حقوقه فجميع الأديان نزلت وجوهر رسالتها احترام حقوق الإنسان، وكل الثورات والمذاهب والإيديولوجيات زعمت أنها تريد احترام حقوق الإنسان ومع ذلك لو نظرنا إلى تاريخ البشرية له لوجدنا أن السمة الغالبة فيه، هي عدم احترام حقوق الإنسان، وكل مجتمع إنساني يتصور أنه يحترم حقوق الإنسان، فثقافة الغرب وأوروبا السياسية كلها تقول أن أثينا كانت مهد الديمقراطية وأنها ما تزال النموذج الفذ الذي لا يتكرر، ولكن أثينا بساستها وفلاسفتها لم يجدوا في تقسيم الشعب إلى أحرار وعبيد وبالتالي قصر حقوق الإنسان على الأحرار دون العبيد ولم يروا في ذلك أي تعارض مع ديمقراطية أثينا والجاهلية العربية قاومت دعوة الإسلام أعنف مقاومة وبدا لها أن محاربته للرق أمر بالغ الغرابة لطول ما اعتاد المجتمع هذا الوضع، وقد احتاج الأمر إلى دهور طويلة ورسالات من السماء وثورات على الأرض حتى تطور مفهوم حقوق الإنسان وايضا ليس لدى الجميع، ثم إن هناك عنصر آخر داس حقوق الإنسان عبر التاريخ بأقدامه وهو صراع الحياة العنيف، صراع لا يعرف الرحمة، كان في البدء صراع أفراد ثم صار صراع قبائل ثم صار صراع شعوب وأمم حتى أضحى الصراع دوليا، فالحروب عالمية، والمذاهب متصارعة والأديان متناحرة ترى أن مجالها العالم كله والأزمات اقتصادية وإيديولوجية.  

كان الشعب يستعمر شعوبا أخرى ويمتص دماءها وثرواتها، وكان الشعب الغازي يرى في رجله الذي يحقق له هذا بطلا، لأنه يوفر له مستوى عال من المعيشة على حساب شعوب أخرى، وكان هذا مقبولا لدى الشعوب المستفيدة، وكان الساسة ورجال الدولة يعرفون ما يفعلون، وكان هناك مفكرون يبررون هذا ويفلسفونه، فاستعمار أوربا لآسيا وافريقيا كلها، عاش أجيالا يحمل إسم عبء الرجل الابيض وكان هذا مقبولا، فالإنسان هو الرجل الأبيض أما استغلال الاسود والاسمر فكان أمرا مقبولا، ومعظم تماثيل الأبطال والعظماء التي تملأ ميادين أوربا مثلا هي تماثيل غزاة أو طغاة أو مستعمرين ولكنهم بالنسبة لشعوبهم ابطال، وكانت انجلترا وهي أكبر امبراطورية تسمى وما تزال أم الديمقراطية في العلم ولكن برناردشو الفيلسوف الانجليزي كان يقول : ان كلمة الديمقراطية يتغير معناها بمجرد أن نترك الجزر البريطانية وتعبر المحيط.

كانت انجلترا تفخر بثورتها التي أرست قواعد الديمقراطية، وفرنسا تفخر بثورتها التي حققت شعارات الحرية والإخاء والمساواة، ولكن ثورة من هذا النوع في أي مستعمرة تابعة لهما كان لابد من قمعها فورا وبكل عنف، وكان لهذا المنطق كله صحافته وقافته وكتابه وفلاسفته، أما المسحوقون فلم يكن لهم صوت يسمع ولا فكر يقرع الأذان، لأنه لم يكن لهم مدافع ولا بوارج ولا طائرات وقد تغير الكثير من هذا بحركات التحرر في العالم التي أدت إلى استقلال كل شعب تقريبا، وصار هناك برلمان عالمي إسمه الأمم المتحدة يفترض أن لكل شعب فيه له صوت كأي شعب آخر مهما كان لونه أو عدده أو قوته، ولكن ذلك مازال بعيدا عن الواقع بكثير وإن كان المستضعفون في الأرض كسبوا أرضهم من يد الاحتلال، وكان طبيعيا بعد حقوق الشعوب أن تبدأ وتتسع معركة حقوق الأفراد حقوق الإنسان.

وحين نلقي نظرة على العالم نجد أن كل شعب يحاول أن يخوض في بلده معركته الخاصة من أجل كسب حقه من حقوق الإنسان، وإن كان هذا الصراع ليس داخليا دائما، فالقوة العالمية ذات القطب الوحيد وقوى التأثير الخارجية مازالت تتحالف مع القوى المحلية، المتخلفة لإطالة أجل استبدادها إذا كان هذا يناسب تلك القوى الخارجية لسبب أو لآخر.

وقد ساد الصراع المذهبي بالتالي حول تعريف حقوق الإنسان، مذاهب تقول، الحرية فحسب وبعد ذلك فليتصارع الناس ليأخذ كل ما يستطيع وأخرى تقول، لقمة العيش أولا، وحقوق الإنسان الإجتماعية، التحرر من الجوع والبطالة ومن عدم المساواة هي حقوق الإنسان الأساسية ولكن التيار السائد الذي يتحول مع الزمن إلى موجة عارمة في كل مكان هو الخبز مع الحرية العدل مع الكرامة وبغير ذلك يظل حق الإنسان ناقصا، فخلال الجيل الذي سبق وصول كارتر الحكم، تعرضت أمريكا أقوى دولة في العالم لإمتحانات صعبة خرج منها الشعب والضمير الأمريكيين متخنا بالجراح، فقد اغتيل الرئيس جون كنيدي وخرج خليفته ليندون جونسون من الرئاسة تحت ضغط نقمة عارمة من الشعب بسبب حرب فيتنام، وطرد الرئيس الثالث نيكسون بتهم الاعتداء على حقوق الإنسان في أمريكا والتجسس على الأفراد وإخفاء جرائم وخرج نائب رئيس اجنيو بتهمة رشوة صريحة واغتيل مرشح للرئاسة على وشك الانتصار (روبرت كنيدي) واغتيل زعيم حركة تحرير السود مارتن لوتر حين استخدمت أمريكا قوتها العسكرية الهائلة في محاولة سحق شعب صغير فقير في فيتنام دون جدوى، لنجد مرة أخرى في رواسب بعض النفوس الغازية أن ضرب الصغر وتدميرهم إو إعادتهم إلى العصر الحجري أمر مباح، لأنهم شعوب صغيرة، وصاحب هذا كله كشف أدوار رهيبة للمخابرات الأمريكية في تنفيذ انقلابات وإسقاط حكومات واغتيال زعماء وصنع مناطق عديدة للتوتر، ثم جاءت الفضائح المالية وسيل اعترافات الشركات الكبرى برشوة أكبر الشخصيات من اليابان شرقا إلى هولندا غربا، وقع هذا كله وارتكب في أكبر مجتمع مفتوح وأصيب الضمير الأمريكي بجرح عميق، وصارت السياسة كلمة قذرة وحقوق الإنسان نكتة، وأدرك كارتر الموجة فخرج من المجهول رافعا راية الفضيلة، فسخر الساسة منه، لكن الراي العام منحه مقعد الرئاسة وكانت أحد تعهداته التي ارضى بها المواطن العادي هي الطهارة واحترام الإنسان وحقوقهن وحمل نفس الرسالة إلى ما وراء الحدود، كما رفعراية حق تقرير المصير وسكت على طرد إسرائيل للفلسطينيين من ديارهم واحتلال أرضهم بالقوة.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!